مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2266 - 2008 / 4 / 29 - 11:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شحذ الخلاف الإيديولوجي
بقلم بدري راينا
18 مارس آذار 2008
ز نت
1
منذ أن قام "الهيندوتفا" اليميني تقوده القيادة العليا لحزب بهاراتيا جاناتا بهدم مسجد بابري في آيودهيا في السادس من ديسمبر 1992 في تحد وقح للدستور و حكم القانون , طرح السؤال فيما إذا كان حزب بهاراتيا جاناتا يعد , في نهاية الأمر , مشاركا شرعيا في الديمقراطية البرلمانية الهندية .
أضفى شعار المذابح التالية اعتبارا من ذلك اليوم القوة و الإلحاح على تلك الصورة .
تضمنت تلك الاعتداءات هجمات عنيفة على الفنانين , منتجات الفن , الأفلام , الكتب , المؤسسات , المنشآت الدينية للأقليات , و المجزرة التي لا يمكن نسيانها ضد المسلمين في غوجارات عام 2002 .
أن هذا الحزب الذي لا يملك إلا علاقة محدودة و انتهازية مع البرلمان ( يستخدم البرلمان كمجرد وسيلة ) قد ولد من جديد من حقيقة أنه منذ هزيمة التحالف الذي يقوده حزب بهاراتيا جاناتا في عام 2004 , قام هذا الحزب بأحد شيئين كحزب المعارضة الرئيسي في مجلس النواب – إما تعطيل أو مقاطعة إجراءاته .
و أنه إذا ما رفع هذا الحزب صوته هناك فلن يكون هذا أبعد من إضعاف القضايا التي تمس غالبية الجماهير الفقيرة في الهند .
لقد أدت هذه الظروف إلى نتيجة فريدة نوعا ما – هو إجبار أحزاب اليسار التي تدعم الحكومة من الخارج على أن تعمل من خلال طرق صعبة و معقدة على أنها المعارضة الأكثر مصداقية داخل البرلمان .
الحقيقة الفعلية هي أن هناك داخل اليسار يوجد الضد الرئيسي لحزب بهاراتيا جاناتا يجري تأكيدها بقوة .
إن محاور هذا العداء تصبح واضحة إذا أراد المرء أن يشمل البنود الرئيسية لأجندة حزب بهاراتيا جاناتا اليميني للشعب :
- هيمنة الأغلبية ,
- تحويل الثقافة إلى ثقافة هندوسية بالكامل ,
- قمع الأقلية ,
- خصخصة الثروة الوطنية ,
- عسكرة الدولة ,
- "شراكة إستراتيجية" مع الإمبريالية الجديدة التي تعتبر فيها الصهيونية جزءا أساسيا ,
هذا فقط لنسمي القضايا الرئيسية .
من هذه , فإن حزب المؤتمر "الوسطي" – أو بأية درجة أولئك الذين يشكلون الحكومة داخله – يدعم النقاط الثلاثة الأخيرة بشكل كامل . أما بالنسبة للثلاثة الأولى فإن موقف المؤتمر يتصف بالازدواجية , غالبا ما تكون مواقفه قوية في البيانات الرسمية لكن مراوغة بشكل قاتل على الأرض .
لقد وقف اليسار , بصورة أكثر نقدية , بثبات ضد هذه الأجندة آنفة الذكر , بغض النظر عما إذا كان موقفه هذا فعالا أم لا .
2
لذلك لم يكن مفاجئا أن يوجه اليمين الهندوسي غضبه ضد اليسار . الحدث الذروة في هذا المشروع كان الهجوم المكشوف الواسع الذي نفذ في وضح النهار على المكتب المركزي للحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي ) في قلب العاصمة .
قاده و نظمه بعض القادة الأبرز في حزب بهاراتيا جاناتا في نيو دلهي , وصلت الشاحنات محملة بالحجارة و غيرها من الصواريخ إلى مكتب الحزب , و خلال وقت قصير لم يكن زجاج النوافذ و السيارات وحده يتطاير في كل الاتجاهات , بل تعرض أيضا خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الهندي ( الماركسي ) الذين كانوا في اجتماع داخل المكتب لإصابات مضمخة بالدم . "بالمصادفة" كانت بعض تلك الشاحنات مملوكة من قبل المجلس البلدي المحلي الذي يسيطر عليه حزب بهاراتيا جاناتا و الذي كان المحافظ نفسه من بين المهاجمين .
أولئك الذين يتذكرون قد يستعيدون ذكرى معركة شارع الكابل ( في لندن 1936 ) الذي اشترك فيها الشيوعيون و أنصار موسلي ( زعيم الفاشيين البريطانيين – المترجم ) , أو حتى قتال الشوارع في برلين قبل وصول هتلر إلى السلطة .
لم يمكن إيقاف أي منها من قبل الاحتجاج العنيف الشعبي أو من قبل الصحافة , استمر المزيد من الهجمات بالوقوع في مدن أخرى ( ديهرادون كمثال عنها ) .
هذا الهجوم الفاشي على مكتب أحد الأحزاب الهندية المعترف بها على المستوى الوطني يجب أن يعتبر بشكل حقيقي هجوما على النظام الديمقراطي نفسه , بما أنه نظام يؤسس نفسه على مبدأ المنظمات السياسية الديمقراطية .
على حزب بهاراتيا جاناتا أن يجيب لماذا يجب اعتبار هذا الهجوم مختلفا عن الهجوم على البرلمان الهندي أثناء فترة حكمه .
3
هذه الصور من التاريخ الهندي المعاصر يجب أن تساعد على تذكيرنا أنه , بعيدا عن أن تكون مثل النخب الوسطية التي لا تتعب من التكاثر , فإن الفاشيين و الشيوعيين كانوا أعداء أزليين منذ البداية .
لنذكر أن الفاشية الإيطالية ( و التي تشرب منها حزب ر ر س ( حزب فاشي هندي – المترجم ) في الهند كل نزعاته الإيديولوجية الرئيسية عندما التقى موسوليني مع مونجي , ثم نقلها مونجي إلى هيدغوار ) صورت على أنها استجابة مضادة للقوى التي أطلقتها ثورة أكتوبر 1917 .
هذه هي الحقائق التي وصلتنا من فم البطل كما هي .
هذه بعض المقاطع من مقالة كتبها جيوفاني جنتيلي و وقع عليها موسوليني في الموسوعة الإيطالية ( 1923 ) :
- الفاشية هي "حركة يمينية لمهاجمة منظمات الطبقة العاملة , أحزاب اليسار و نقابات العمال" ,
- أنه على الفاشية أن تسعى إلى "شراكة مع قادة رأس المال الكبار" و أن "تسعى إلى توحيد رأس المال و العمال , باتجاه تخفيف مصالح العمال" ,
- أنه يجب استبدال النقابات بنقابات ( على شاكلة طوائف المهن في القرون الوسطى – المترجم ) "التي تعمل بشكل أساسي لصالح الشركات و أصحاب العمل" ,
- أن "الفاشية تنفي مبدأ الاشتراكية العلمية الماركسية و المادية التاريخية" ,
- أن المنظمة التعاونية ستلغي "تعارض المصالح الاقتصادية" و بالتالي تبطل "جراثيم الصراع الطبقي" ,
- أن "الفاشية هي النقيض الكامل للاشتراكية الماركسية" ,
- أن "الفاشية تؤمن اليوم و على الدوام بالقداسة و البطولة , أي القول بأفعال لا تخضع لتأثير الحافز الاقتصادي بشكل مباشر أو غير مباشر" ,
- أنه "و قبل أي شيء فإن الفاشية تنكر أن الصراع الطبقي يمكن أن يكون القوة الرئيسية في تحول المجتمع" ,
لذا فمن غير المستغرب أن يشكل الماركسيون و أعضاء النقابات الأهداف الأولى لهجوم موسوليني و هتلر حال وصولهما إلى السلطة .
4
يمكن الاستدلال على كم كانت المؤسسة الدينية للأغلبية داعمة إلى حد كبير للفاشيين منذ البداية سواء في مواقفهم الاجتماعية أو في فكرتهم عن الدولة الشمولية , من أحكام المنشور العام الذي أصدره البابا ليو الثالث عشر في عام 1892 .
ينتقد المنشور العام للبابا الفكرة الاشتراكية عن الصراع الطبقي و إلغاء الملكية الخاصة . و يحض على التضامن بين الطبقات العليا و السفلى .
كما صادق على القومية كطريقة للمحافظة على الأخلاق و العادات و طرق التفكير التقليدية .
و اقترح الشراكة – و هو مصطلح وجد ليلخص كل الحزمة الطبقية – الإيديولوجية للمنظمة الفاشية .
هل من المفاجئ إذا أنه قد تم التوقيع على اتفاقية بين الدولة و المرجع المقدس ( معاهدة لاتران ) في عام 1929 منح بموجبها البابا سيادة مؤقتة على مدينة الفاتيكان , و اعتبرت الكاثوليكية الدين الرسمي الوحيد للدولة , في مقابل قبول السيادة الإيطالية على الأراضي الخاضعة سابقا لسيطرة البابا .
من ثم أقرت أولى القوانين المعادية للسامية في عام 1938 .
كم هو غريب هذا التطابق بين كل ذلك و الظاهرة التي نسميها اليوم بالهيندوتفا .
يجب إضافة أن اتجاهات متشابهة قد طفت على السطح و استحوذت على المسلمين في الفترة الأخيرة , عندما شرعت الفرق أو الطوائف السلفية – الوهابية بالترويج ضد تلك الفرق في إسلام شبه القارة الهندية التي حافظت على الدوام على مجتمع علماني و متوافق بين أديانه و ضد دور الصوفيين و القديسين و كل الشفعاء بين الله و الإنسان . يندرج الهجوم على أضرحة أجمر شريف و شرار الشريف , فقط كمثالين , في هذا السياق . مثل الجناح اليميني الهندوسي فإن هؤلاء الإسلاميين معادين أيضا للأفكار الاشتراكية .
هذا يعني القول بأنه لا يمكن توقع مبادرات ديمقراطية نافعة من المنظمات الإسلامية المحافظة و الدوغمائية في المستقبل القريب . الفتوى التي أصدرت مؤخرا عن هذه الأمور من دار العلوم في ديوباند هي حدث إيجابي كبير – فتوى تستحق أن تتابع أكثر بشكل عام , إذا تعين أن يحدث استيعاب أكبر من الوسط السياسي المسلم في الهند الديمقراطية و التقدمية بشكل أسرع . حتى المعارضة الطائفية لليمين الهندوسي للبرامج الحكومية التي تهدف إلى مساعدة المجتمع المسلم على صعيد التعليم و العمالة على المدى البعيد يجب هزيمتها بأي ثمن .
5
لنعد من حيث بدأنا : مع تراجع فرص نجاح اليمين في الانتخابات أكثر ( إن الإحباط الذي يعانيه حزب ر ر س في كانور في كيرالا يرجع بشكل أساسي لفشله في الحملة الانتخابية هناك ) , يجب توقع المزيد من التعطيل و التخريب الفاشيين للحكم و الحياة الدستورية و الديمقراطية .
ضمن هذه المعطيات على حزب المؤتمر أن يعيد التفكير في مبدأ مساواته بين حزب بهاراتيا جاناتا و اليسار . من ناحية الانتماء الطبقي و المصلحة الطبقية التي تجعله يرى حزب بهاراتيا جاناتا شيئا قريبا إليه . و من جهة أخرى , سيرغب المؤتمر من دون تعامي بتقييم دور اليسار في الحفاظ على الدولة القومية نفسها – و هو جزء من التراث الذي أوصى به ماضينا إلى الهند .
يجب فورا بالطبع , طالما كان يحكم , أن يعطي توجيهات لا لبس فيها للشرطة الهندية و سائر جهاز الدولة عن كيفية التعامل مع العنف الفاشي و الأمني على المؤسسات الأساسية للديمقراطية , و التي يجب أن تعد العلمانية و حرية التعبير من بينها . مما يشد الأزر بالفعل هو أن المحكمة العليا قد أعلنت فقط بالأمس و بخطاب طويل على غير المعتاد عن الاتجاهات السلبية المنذرة في هذه المناطق , و نصحت بأن يجري التعامل مع هذه الهجمات على حرية التعبير "بيد من حديد" . يجب على المؤتمر أن يعرف أن مصداقيته قد تعرضت لأكبر الضرر بالتحديد في هذه النقطة .
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن http://www.zcommuniacations.org/znet/viewArticle/17073
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟