عبدالعزيز الفياض
الحوار المتمدن-العدد: 2263 - 2008 / 4 / 26 - 08:44
المحور:
الادب والفن
هل غادرَ التاريخُ من أحدٍ
من طنجة لعدنٍ
من عدن لطنجةٍ
من حيفا ليافا
من يافا لحيفا
من مدن الملحِ
لملح المدنِ
لبقايا وطنٍ ممتهنٍ
من شرم الشيخ
لشيخ الشرمِ
لخليجِ الشيوخ
وشيوخِ الخليجِ
مرورا بالمضائق من كل حدبٍ
وصوبٍ ..
وفوجٍ وفجٍ
وبحر عربيّ غير مبين
تنْسِلُ بالبوارج ، والخوارج
والحفاة من الضمائر
رعاة الأبقار
يتطاولون بالأبراج !
***
وحدهم ..
الموتى ببغدادَ من يفتقدون الموت
حتى ملَكُ الموتِ ، وهو من الأحياءِ الجدد
الآتين لبغدادَ مستوطنين دائمين
وقد يمنحوه جوازا
نظير جهوده
يفتقدهم ، يتفقدهم ..
ودائما .. ينجو من الموتِ
بأعجوبة !
..
.
.
***
اليومَ أبا تمامٍ
شاعرَ عمورية المُحال للتقاعد
و صديقَ المنجمين الصادقين ولو كذبوا – مقارنة بأصدق القديسين هنا -
اليومَ ..
أضحت كلّ السيوفِ .. أكذبُ من كلّ الكتب
وغدا في حدّها
الخلطُ بين اللهو واللعب
لأنها غدت من خشب
ولأن متوشحيها ، متوحشيها ، ..
أحفادُ أحفادِ أبي لهب
من غيرما شرف ولا نسبْ
ولأنّك غدوتَ شاعرا قديما
وغدوت نصا بليدا
نمدح به القوم الصليبيين
ونهجوا به القومَ الذين كانوا يُستبصَرُونَ
مشارقَ الأرضِ ومغاربها التي لم يبارك الله فيها اليوم !
***
.
.
وتضحكُ أيها الوغد على (فراش الموت)
كلّا ..
كل ما هنا للموت:
شارعُ الموت
لعبةُ الموت
حياةُ الموت
منطقةُ الموت
دائرةُ الموت
وزاراتُ الموت
مقابرُ الموت
(صناعةُ الموت)
كل شيء هنا للموتِ ، إلى الموت
من قال بانفراد فراش الموت وحده
إنه عصر التعدّدية التي جلبوا
حتى في الموتِ ، للموتِ
الموت الذي يأتي كما يريد الشيوخُ
بالمقاسِ
وبالمجّانِ
لكلّ العيون التي تغزّلَ بها الأقدمون
وكان بجوارها كما زعموا يوما
أحمقُ أعرابيٍّ أنجبته تميم
لم يقرأ مجلةَ (شعر)
ولم يصافح درويشَ في قرطاجة
كانوا يدعونه لجماله – مقارنة بأدونيس - الفرزدق
كان يغنّي للفنانة (نوار) شعرا
شعرا إباحيا كما زعم ابن أبي أدونيس
..
ليتك تعود أيها الأحمق الجميل
لم يعد جريرُ هنا يناقضك
ولا يقارعك
ولا يشتغلُ بك
جريرٌ مضى هو أيضا
زعموا أنه طلب لجوءً
في بلاد القوم القتلة
هل تعرف اللجوء أبا غالبٍ
إنه البحث عن مقبرة صالحة للتنفس
في زمان الوباء !
.
.
(انحلّت) الدولة أيضا ..
ومضى سيف الدولة
منحوه لآخر (ديك) حلّ بهم يا أبا فراس
ومعه مضى الرفاق ، ..
لم يبق سوى النوّاب المسكين
يصرخ بي ، بنا ، بالسادرين:
" لا تتركوا بغداد تُُذبح هكذا "
لن نتركها يا مظفّرَ الحزين
لا .. لن نتركها ، ..
سنمنحهم قاعدة
وبارجةً ، و (سيفا) صقيلا
سنبني لهم جدارا يمنع العبورَ إن أراده المفسدون !
.
.
إيهٍ شاعرنا المريض ، وتزعم أن ليلى كذلك
وفي العراق خصوصا ، ..
في العراق مريضة
لمَ لم تختر مدريدَ مثلا
موسكو
موزمبيق
أيّ بلدٍ يا أخانا
وثُمّ َ.. لقد كانت ليلى كذلك
مريضة كانت ..
إنها اليوم لم تعد
المرض مرحلة جميلة ، فترة نقاهة سابقة للموت
للذي يحدث هنا ..
إنها جرعة واحدة ، ..
وسنداويها
أتعرف أم القنابلَ ، وابنتها
والنابلم
وكل الأمصال الجديدة
سنداويها ..
فلا تحزن ، ولا تيأس
وتمدّد ، لأن الدور آتٍ
ولأن (محور الشر) إلى قفا أبيك المعوّج يُشير !
***
العراق ..
هذا المسكين الذي أنكرته الصحراء
وضاقت به ذرعا
والبحر أنكره ، والنفط ، والعيون
هذا الذي تتقمّم القمم من أجله
وترسوا على مرسىً بشطّه ، بقُربه
ومن قمة لقمة
ورمة لرمة
وقممٌ بلا قممٍ ولا ذممٍ ولا شمم
والحضور/الغياب ، محض مزاج
لأن الأمر أمر العراق
ولا يعنينا كثيرا ..
ولأن فلسطين قضية قديمة
وتخيلوا – لا سمح الله – حُلّت ..
أو لو – وهي هنا تفتح بيتاً على شارعين للشيطان الرجيم- صحونا يوما
ولم نجد عباسَ يحاور ليفني مثلا
أو عريقات يصرّح للجزيرة ، بقرب السلام !
.
.
وها نحن لم نكسل
ولم نخجل
و ..
وقدمنا كل ما نملك
زواداتنا
ملابسنا
جيوبنا
ضمائرنا
أحذيتنا
لهذا الطبيب الذي أتى يداوي ليلى رغما عنها
رغما عنّا ..
قدمناها ثمنا لأيلول لم نكتبه
وسبتمبر لا يمكن صيامه
لأنه شهر غير كريم
ولأن الشيخ لم يصمه
ولأن الأبراج طويلة كانت
أبعد من طائرتين
ثم قُصفنا نحن بألف طائرة وطائرة
و .. كان أمرنا في سفال !
***
وأسيرُ ، كأي أسيرٍ كسيرٍ
أبحثُ ، عن تيهي
ليمنحوني من غير بحثٍ
خارطةً على الطريق
الطريق المفضي للجحيمِ
بكل دروبه
وعلاماته
وعيونه
ولا شيءٌ يرد الروح
أو الريح
ولا شيءٌ ..
سوى مؤتمرٍ على مؤتمر
وتهزّ القدسُ جذوع النخل
النخل العقيم الذي لا يثمر
ويساقط القدر عليها موتا جنيّا
وأصيح بالعراق:
يا عراق ، يا عراق
يا واهب المحار والردى
والردى ..
والردى ..
فيجيبني السياب: ( ما هو فيه ) !
.
.
وأرجع خائبا ، كعادتي
أتذكّرُ العراقُ هذا ..
منذ مطلع التاريخ
ومربط جزمةِ بختنصرٍ
وحدائق بابلَ
وعمامةِ المنصورِ
وحذاء جنكيزَ
ومجالسِ الرشيد
وجواري المتوكل
وبراميل النفط
وأناشيد السيّاب الجائعة
تبحث عن أنشودة ، ولو من فمِ المطر !
***
خمس من (السنون)/الدهور/القرون
أهكذا يرحل التاريخ ، والبائسون
دونما وداعٍ لائق
ولا مقبرةٍ جليلة
لا تعوّلوا عليّ كثيرا
فعيني كليلة
إن بقيت أصلا
وحيلتي ، إن كان من حيلة
قليلة !
***
الآن .. أبصرني
خارجا من ناصية الدرب
ألمح هذه الكوكبَ كاملا
وأتملّى: كيف أمست بغدادُ الليلة
بالمناسبة:
أتساءل .. ليس لكوني لا أملك جوابا
أو لأخبركم أني طيب أكثر مما تتخيلون
أو لأنكم تجهلونها/تجهلونهم
أو لأنّ الله يخلق بين الفينة والأخرى أناسا صالحين فوق العادة
وأحببت أن أريكم نموذجا لذلك ..
أتساءل ، لأنني أعرف أن ذلك هو أرقى ما أصل إليه
أن أسأل ..
بكل طيبةٍ ، وأخلاقٍ ، ومودة ، وكواسة وطنيّة بحتة:
من ذا الذي داسني ؟
من هذا الكويس الذي يسرقني ؟
من هذا الذي يصفع قفاي كل صباح ، ليتأكد من نسبة الإيمان فيه
من هذا الذي يسجد بجانبي
لا ليؤدي صلاة خاشعة أخرى
وإنما ليتأكد من منسوب الدعوات المحوّلة لرصيد جلالته الطاهر ، المتخم بالنبوة الزائلة سهوا
أتساءلُ ، لأدرك هل حقاً بقيت لي هذه الأحقيّة
أحقيّة التساؤل عنّي ، عن الرفاق ، عن رفيقنا (حسن) يامطر!
***
.
.
تصبحين يا بغداد ، على موت جيّد
أفضل مما نرى ، ..
وكل عام وليلى كويسة
والطبيب المداوي ، وقيس ، والعاشقون في زمن الموتِ ، في تباب !
#عبدالعزيز_الفياض (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟