|
الحكومة العقلانية
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 2262 - 2008 / 4 / 25 - 10:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تعبر عن كافة القوى والسلطات المؤثرة والصانعة للقرار السياسي والمنضوية تحت إرادة سياسية موحدة تعمل على تنفيذها وغالباً ما تكون مكتسبة للشرعية كونها حكومة منبثقة عن إرادة المجتمع. أي إنها حكومة ذات قيادة جماعية لها برامج وخطط تنموية تسعى لتحقيقها ولايعني ذلك عدم وجود معارضة سياسية لتوجهاتها لكنها ليست معارضة مهمشة بل مشاركة (إلى حد ما) في صناعة القرار السياسي أو على الأقل مؤثرة في صناعة القرار السياسي. فالحكومة العقلانية أقرب ما تكون إلى حكومة توافق بين القوى السياسية المتحالفة لصناعة القرار السياسي وليست حكومة تمثيل لقوى سياسية، بتعبير آخر أنها قيادة تمثيل إرادة سياسية محددة تسعى لإضفاء الشرعية على قراراتها السياسية من خلال إشراك كافة القوى السياسية في صناعة القرار السياسي خاصة المتعلق منها بالسياسات العليا للبلد. وبهذه الآلية تتقاسم مسؤولية القرار السياسي مع القوى السياسية الأخرى لضمان تأييدها ومساندتها للعملية السياسية. هذا الشكل من التنظيم والقيادة والمشاركة الفعالة في صناعة القرار السياسي في الحكومة العقلانية لايتم إلا في المجتمعات المنتظمة التي قطعت أشواطاً متعددة من التطور والرقي وأفرزت نخباً سياسية تتسابق على تحقيق المكاسب الاجتماعية وليست أحزاباً متناحرة همها الأساس إسقاط السلطة لتحل مكانها. يعتقد ((سان سيمون))"أنه في المجتمعات المنتظمة هناك سلطتان تمثلها الطبقة الحاكمة: سلطة تتحكم بالقوى الفعلية والأخلاقية، وسلطة تتحكم في القوى المادية". بالرغم من أن الشرعية الأساس للحكومة تكتسب من المجتمع خاصة منها الحكومة العقلانية التي تمثل إرادة المجتمع لكنها في أحيان كثيرة تصطدم قراراتها مع المصالح الاجتماعية فهناك قرارات سياسية استراتيجية يتوقف عليها مستقبل ومصالح الأجيال القادمة لكنها غالباً ما تكون متعارضة مع مصالح الجيل الحالي مما يؤدي لزعزعة الثقة بالحكومة وتضاءل فرص استمرارها في السلطة لأن المجتمع يبحث عن مصالحه الآنية ولاتشغله السياسات الاستراتيجية للبلد. هذا الأمر يتطلب توافقاً للقوى السياسية على صناعة القرار السياسي الاستراتيجي ويضع المجتمع أمام مسؤولياته الأخلاقية تجاه الأجيال القادمة خاصة ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية واستثمار الثروات الطبيعية أو حجب بعض المكاسب الاجتماعية المتعارضة مع الالتزامات الدولية واقتصاديات السوق والسياسات المالية العالمية. إن خروج إحدى القوى السياسية (لأسباب أنانية بحتة) على الاجماع حول صناعة القرار السياسي الاستراتيجي في الحكومة العقلانية لغرض كسب أصوات الناخبين وتغليب المصالح الحزبية على المصالح الوطنية العليا مستغلة تدني مستوى وعي الجمهور أو تغليب المصالح الذاتية دون النظر لمصالح الاجيال القادمة يعد خروجاً على الثوابت الوطنية. فتضارب المصالح بين الحكومة العقلانية والمجتمع قد يسبب اختلالاً بين دخل المواطن وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية نتيجة السياسات الاقتصادية المرتبطة بالالتزامات الدولية. لكن هذا الاختلال يجب أن لايضعف القدرة الشرائية للمواطن لدرجة الفاقة والعوز بحجة الاصلاحات الاقتصادية، فالتسوية والاصلاحات الاقتصادية التدريجية ومشاركة القوى السياسية في صناعة القرار السياسي وإطلاع المواطن على موجبات وفوائد الاصلاحات الاقتصادية....تعد من مهام الحكومة العقلانية لكسب ولاء قطاعات أوسع من المجتمع للوقوف إلى جانبها. يقول ((ماديسون))"إن الحكومة الأكثر عقلانية لن تستغني عن كسب المجتمع للوقوف إلى جانبها". فالحكومة العقلانية هي نتاج مؤسسات سياسية تفرز نخب مهنية عالية الكفاءة منجبة من مجتمعات مستقرة قطعت مراحل متقدمة من التطور الاجتماعي لذلك فإن توافقها ومشاركتها في صناعة القرار السياسي ينطلق من مصالح وطنية بحتة وليست من مصالح حزبية ضيقة. وعدم فوز المؤسسة السياسية بالسلطة لايعني انكفاءها وتقوقعها واتخاذها لمواقف معارضة للسلطة القائمة وإنما لعدم قدرتها على طرح برامج انتخابية تحظى بموافقة المجتمع لذلك فمسعاها ومسعى المؤسسة السياسية الفائزة بالسلطة السياسية تحقيق المصالح الوطنية وتحت هذا الإطار تفعل مشاركتها في صناعة القرار السياسي في الحكومة العقلانية ولا تهمش نفسها. يعتقد ((محمد زيعور))"أن السلطة هي جزء من دينامية القيادة بحيث نستطيع القول أن دينامية الجماعة لاتنتظم إلا إذا وجدت السلطة، فالسلطة هنا ما يناط بها مسؤولية القيادة وعلى صاحب السلطة أن يقود كامل العناصر وديناميتها لذلك فإنها تفرض دينامية الجماعة من خلال القائد". إن الحكومة العقلانية هي إطار لمشاركة كافة القوى السياسية والاجتماعية في صناعة القرار السياسي لضمان تنفيذ سياساتها وبرامجها المختلفة في تحقيق المصالح العامة وبالتالي فإنها تسعى لتحقيق (إلى حد ما) برامج القوى السياسية الأخرى (الحاكمة والمعارضة) من خلال إشراكها في صناعة القرار السياسي بالتوافق أو التسوية لكسب تأييد ورضى كافة فئات المجتمع. الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se/
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنماط السلطة السياسية
-
السلطة والقيادة
-
السلطة السياسية (المهام والأداء)
-
الدولة والمجتمع
-
الدولة والمواطن
-
مفهوم الدولة
-
النظام والقرار السياسي
-
ماهية السياسة
-
علم السياسة وأختلال المفهوم
-
الإرادة السياسية واستخدام العنف الشرعي
-
استخدام العنف الشرعي لتعزيز النظام الاجتماعي
-
استخدام العنف الشرعي لإعادة النظام
-
آليات الضبط والسيطرة في المجتمع
-
فساد الجهاز القضائي
-
مهام السلطة القضائية والتنفيذية (التداخل والتعارض)
-
القانون والمواطن
-
صراع النفوذ داخل الجماعة
-
مهام القيادة والقائد
-
غريزة القطيع عند الكائنات الحزبية
-
صناعة الأصنام في المجتمعات المقهورة
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|