|
التمّسك بالثوابت المبدئية الاساسية سر القوة المتميزة للحزب والجبهة!!
احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 2254 - 2008 / 4 / 17 - 10:49
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
قلّما تجد في أي بلد من بلدان المعمورة هذا الكم الهائل من الوان قوس قزح التعددية السياسية كما هو موجود في اسرائيل، وبروز هذه الظاهرة المتميزة ليس دلالة على زود الدمقراطية في اسرائيل بل مؤشرا يعكس مدى اتساع وعمق شبكة التناقضات في المجتمع الاسرائيلي، الذي تطور كمجمع استوعب بشكل اصطناعي مما هب ودب من تيارات مختلفة صهيونية تجسد مختلف مصالح البرجوازية اليهودية من كبيرة ومتوسطة وصغيرة، من علمانية ودينية اصولية، من يسارية ويمينية، جرفتها موجات الهجرة لتستقر على فوهة بركان جرح النكبة الفلسطينية النازف دما حتى يومنا هذا. هذا اضافة الى التيارات والطفيليات القومجية والدينية الاصولية العربية. وبخلاف جميع مركبات التشكيلة السياسية الصهيونية والقومجية العربية والاصولية الدينية يبرز الطابع المميز للهوية الفكرية والسياسية والتنظيمية للحزب الشيوعي، فالطابع المميز للحزب الشيوعي يتجسد في ثابتتين مبدأيتين اساسيتين: بهويته الفكرية الايديولوجية كحزب ماركسي – لينيني، حزب طبقي ثوري تقدمي، حزب الطبقة العاملة وكل المظلومين الذي يناضل لتغيير مجتمع الاضطهاد والاستغلال الرأسمالي ولبناء مجتمع العدالة الاجتماعية والدمقراطية والمساواة وحقوق الانسان باعتباره اغلى ما في الوجود. وحزب هذه هي هويته الفكرية والطبقية لا يمكن ان يكون الا حزبا امميا يدافع عن المصالح الوطنية الحقيقية للشعوب، جميع الشعوب ولا يمكن ابدا الفصل بين الهوية الفكرية وتوأمها الاممية. والحزب الشيوعي الذي يحتفل في السنة القادمة بمرور تسعين سنة على تأسيسه وعلى تاريخه البطولي المجيد تعرض دائما الى مختلف الهجمات التآمرية ضده ومن خلال محاولات المس بثوابته المبدئية، كحزب ثوري وأممي في نفس الوقت. تعرض الى مختلف محاولات الدس والتحريض من الخارج ومن الداخل ايضا لمصادرة طابعه الثوري الكفاحي والاممي، ولن استعرض في هذا السياق وفي هذه العجالة المسيرة التاريخية للحزب ونجاحه في الحفاظ على خواصه المبدئية وهزيمة جميع اشكال الاختراق الانتهازية والاصلاحية والشوفينية القومية، ولكنني سأكتفي بالتوقف عند بعض المحطات الهامة في تاريخ الحزب والجبهة. في الستينيات من القرن الماضي قادت مصداقية البرنامج السياسي والاجتماعي للحزب الشيوعي، خاصة في قضايا السلام والمساواة والتقدم الاجتماعي والدفاع عن حقوق العاملين الى تحول هذا الحزب الى قوة جماهيرية – سياسية لها وزنها النوعي والكمي المؤثر بين الجماهير العربية والجماهير اليهودية، واتضح انه في الوقت الذي كانت فيه القوى الامبريالية الاستعمارية تشحذ انياب ذئب العدوان الاسرائيلي ضد حركات التحرر القومي والوطني وضد الانظمة المعادية للامبريالية في مصر والجزائر والعراق والفيتنام وغيرها، في هذا الوقت بالذات اتضح ان الحزب الشيوعي الاسرائيلي وقيادته مخترَقون من قوى صهيونية انتهازية وشوفينية بقيادة موشيه سنيه الذي جاء الى الحزب من حزب "مبام" الصهيوني وشموئيل ميكونس، السكرتير العام السابق للحزب. فقد عمل هذا التيار الصهيوني على حرف الحزب عن قاعدتيه المبدئيتين، عن موقفه الفكري السياسي كحزب معاد للامبريالية ويتضامن مع كفاح حركات التحرر الوطني في نضالها من اجل التحرر والاستقلال الوطني، فحسب رأي ميكونس وسنيه لا فرق بين نظام عبد الناصر وثوار الجزائر وبين الانظمة العربية عميلة الاستعمار، فجميعهم معاد لاسرائيل!! كما رفعوا مطلب "الوزن القيمي" للرفيق الشيوعي اليهودي الاهم وزنا من الرفيق الشيوعي العربي، بمعنى التخلي عن اممية الحزب واستبدالها بالشوفينية العنصرية الصهيونية – وفي هذه الحالة لم يكن من الممكن التعايش مع هذه الزمرة الصهيونية وحدث الانقسام في الخمسة والستين بخروج غالبية الاعضاء اليهود اما مع الزمرة او الى زاوية الانزواء. وقد اثبت التاريخ ان هذه الزمرة التي عملت على مصادرة الهوية الشيوعية للحزب وتزويرها بالقضاء على فكر الحزب وامميته. هذه الزمرة لم تعمر اكثر من سنتين وقذفها الواقع الى مزبلة التاريخ، خاصة وان الشارع الاسرائيلي يزخر بأمثالهم من التيارات الصهيونية الشوفينية العنصرية. وعندما دمر الزلزال الكارثي الاتحاد السوفييتي والانظمة الاشتراكية في اوروبا الشرقية اهتزت ثقة بعض قادة وكوادر الحزب بطريق الشيوعية، خسر الحزب اكثر من خمسة وعشرين في المئة من كادره تنظيميا مع بقاء غالبيتهم في دائرة التأييد السياسي للحزب، تخاذلت ارجل بعض قادة الحزب وبصق بعضهم على تاريخه وتاريخ الحزب. وارتفعت بعض الاصوات تطالب بتغيير اسم الحزب، واصوات اخرى تطالب بشيء من الاعتدال وبتحويل الحزب الى حزب اشتراكي دمقراطي يخيل في حلبة الاصلاحية. وفي معمعان هذه البلبلة والبريسترويكا والغلاسنست الغورباتشوفية غير الحزب وبمبادرته دستور الجبهة بتحويلها الى ما يشبه الهرم التنظيمي الحزبي، وبهدف صيانة الحزب من النوائب. ولكن رغم الضباب الكثيف الذي غطى اجواء حالة البلبلة، فان الحزب بغالبيته الساحقة في القيادة والكوادر القاعدية رفض جميع الاصوات والمقترحات التي نادت بالانتقاص من الهوية الطبقية الثورية للحزب ومن بنيته الاممية. وعندما فرض قانون السلطة لتسجيل الاحزاب، سجلنا الحزب الشيوعي مع احترامنا للجبهة فلم يكن من العدالة بمكان او من المصداقية بمكان، شطب تاريخ نضالي لحزب اثبت مصداقية منهجه ونهجه السياسي والاجتماعي بقانون اداري. وحقيقة هي انه منذ انهيار المنظومة الاشتراكية وهيمنة بلطجية العربدة العدوانية للعولمة الرأسمالية المتوحشة، وخاصة استراتيجية عولمة ارهاب الدولة الامريكية المنظم احدث ما يشبه الفرز السياسي عالميا وفي المنطقة وفي بلادنا ايضا. فحركات التحرر الوطني اصابتها سهام التراجع، واثبتت الاحزاب القومية والقومجية، عجزها في مواجهة انياب ونوائب الهجمة الاستراتيجية الامريكية المفترسة وتأثرت سلبا وضعفت امتدادات التيارات القومجية في بلادنا، كما تفتش احزاب اليسار في العالم العربي عن آليات وصيغ لوحدة تخرجها من زاوية التراجع والضعف. وفي بلادنا اذا استثنينا الاحزاب الصهيونية المختلفة فقد ادى الصراع والتطور في السنوات الاخيرة الى فرز قوتين اساسيتين بين جماهيرنا العربية، الحزب والجبهة اللذين يمران بمرحلة انطلاقة من حيث زيادة التفاف الجماهير حولهما وقدرتهما على تجنيد الجماهير الى المعترك الكفاحي في معارك النضال ضد جرائم الاحتلال الاسرائيلي والتضامن مع كفاح الشعب الفلسطيني دفاعا عن حقه في التحرر والاستقلال الوطني، في معارك المساواة القومية والمدنية للجماهير العربية وفي الدفاع عن قضايا العاملين والدمقراطية وحقوق المرأة. والقوة الثانية هي الحركة الاسلامية التي تستفيد من حقيقة مقاومة العديد من الحركات الاسلامية (من منطلقاتها طبعا) لمشاريع الهيمنة الامبريالية الامريكية، كما تستفيد من ضعف اليسار العربي في البلدان العربية لكي تطرح هذه الحركات الاسلامية الاصولية نفسها كبديل من سلطوي للانظمة العربية المتعفنة والموجهة امريكيا، وتسعى الحركة الاسلامية في بلادنا الى احتواء التيارات القومجية المهزومة والمهزوزة سياسيا. ونحن في الحزب الشيوعي والجبهة نعتبر ان عدونا الرئيسي الذي لا نتعايش مع سياسته ونناضل ضده هو نظام السلطة الصهيونية العنصرية وسياسة القهر القومي والعدوان الذي يمارسه، اما منافسنا الرئيسي بين الجماهير العربية فهو الحركة الاسلامية، منافسة تحتاج الى شحذ الاسلحة الفكرية والسياسية الاجتماعية لمقارعتها، وذلك دون المس بالتعاون معها لرص وحدة الجماهير العربية دفاعا عن قضاياها ومواجهة انياب السياسة العنصرية والفاشية والترانسفيرية السلطوية. لقد اكدنا دائما، ونؤكد اليوم ان صيانة بيتنا الحزبي والجبهوي وترتيبه داخليا بالمحافظة على وحدة اهله سياسيا وتنظيميا والمحافظة على ثوابته المبدئية كالمحافظة على بؤبؤ العين بمثابة السر الدفين في القوة المتميزة للحزب والجبهة وضمان انطلاقتهما المباركة في مواجهة التحديات. ولكن وللاسف فان البيت الحزبي والجبهوي ليس محصنا دائما من الاختراق، وخاصة من خارج عتبة الدار. وتوجه السهام السامة الى اعز ما يعتز به الحزب الشيوعي ويميزه عن كل الآخرين، هويته الفكرية وبنيته الاممية. كلنا نذكر التحريض المنهجي الذي لجأت اليه بعض الصحف خلال عدة اشهر قبل المؤتمر الخامس والعشرين للحزب الشيوعي الذي عقد في نهاية ايار الفين وسبعة. فقد ركزت هذه الصحف على الشنشنة والتشكيك تحت اسماء مستعارة بتركيز السهام اولا بالتحريض ضد الحزب الشيوعي وقيادته المتنفذة، وبانه يتسلط على الجبهة، وانه لا حاجة بعد لحزب شيوعي، وانه حان الوقت لتحويل الجبهة الى حزب وقذف الحزب الشيوعي للارشفة التاريخية والى التناغم مع خبر كان، هذا اضافة الى التحريض على سكرتير عام الحزب عصام مخول وغيره كبوز مدفع في الحملة التحريضية ضد الحزب. وثانيا، التحريض ضد اممية الحزب وكم من الاصوات يجند اليهود في انتخابات الكنيست. وجاء المؤتمر الخامس والعشرون للحزب الذي اقر برنامجه السياسي والاجتماعي بالاجماع، والذي يركز على اهمية تقوية الحزب والجبهة ونبذ ودفن الانحرافات المعادية للحزب وبنيته الاممية اليهودية – العربية. ومؤخرا "عادت حليمة الى عادتها القديمة"، عادت بعض الصحف الى نقل تسريبات، بعضها مشوه وغير دقيق، ولكن هذه المرة عن داخل البيت الجبهوي، عن اجتماع انتخاب هيئات الجبهة، الرئاسة والسكرتارية في مجلس الجبهة والهجمة التحريضية الجديدة تتجه سهامها ايضا الى الثوابت المبدئية للحزب والجبهة، واتهام الحزب والجبهة وكأنهما يتواطآن مع نهج قومجي منذ عدة سنوات ويتخليان عن جوهر هويتهما الاممية، وبمعنى آخر وكأن النائب محمد بركة رئيس الجبهة وعضو المكتب السياسي للحزب يسوق حزبا وجبهة كالقطيع يمينا عروبيا وبالسجود في محراب دواجن امريكا من الانظمة العربية واليمين الفلسطيني. ان هذه القضية قيد البحث على اجندة هيئات الحزب والجبهة، ولكن بصفتي رئيس تحرير صحيفة "الاتحاد" والناطق الرسمي باسم الحزب حتى دخول المستشفى فإنني اتحدى أيا كان من عميان البصر والبصيرة ان صدر أي موقف رسمي او غير رسمي عن المكتب السياسي للحزب او الجبهة او من قرارات اللجنة المركزية يشتم منه أي انحراف قومي او أي انحراف سياسي في الموقف من الامبريالية والانظمة التي تدور في فلكها. نحن في الحزب والجبهة لسنا حلقة دينية مغلقة بل نمارس، كل واحد منا في اطار هيئته حقه الدمقراطي بحرية تامة في النقاش، وقد يخطئ الفرد في بعض المواقف، ولكن الفرد ليس المجموع. وحزبنا وجبهتنا لن يتنازلا ابدا عن هويتهما الكفاحية الثورية اليسارية ولا عن امميتهما، كإطار يتوحد فيه العرب واليهود وحسب برنامج سياسي متفق عليه.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل اصبح الحلف الاطلسي آلة امريكية لفرض الهيمنة الامبريالية ك
...
-
المدلول السياسي لتزامن جولة رايس مع افتتاح مؤتمر القمة العرب
...
-
المدلولات الحقيقية لأزمة الدولار والسياسة المالية للعولمة ال
...
-
في الذكرى الخامسة للاحتلال الغزو الامريكي للعراق خلق اكبر كا
...
-
لوقف الحرب الاجرامية الاستراتيجية الاسرائيلية ضد الشعب الفلس
...
-
ألخلفية الحقيقية لانتخاب الشيوعي كريستوفياس رئيسا لقبرص!
-
المدلولات السياسية الحقيقية لاستقلال كوسوفو!!
-
رد على تساؤلات ومواقف حول القضية الوطنية الفلسطينية
-
أيُّ حراك وأية تفاعلات أحدثهما تقرير فينوغراد على الساحة الس
...
-
تقرير فينوغراد وطابع السياسة العدوانية للنظام في اسرائيل
-
في يوم الكارثة العالمي:لمواجهة الفاشية العنصرية الكارثية الد
...
-
رسالتنا في مواجهة النوائب والأنياب!
-
مع اطلالة العام الجديد: هل من جديد في استراتيجية العدوان وال
...
-
ألمدلولات الحقيقية لمؤتمر الدول المانحة الاقتصادي – السياسي
...
-
الإمبريالية عدوة الشعوب. نقطة!
-
لمواجهة الخطر العنصري الفاشي المتزايد في الآونة الاخيرة
-
هل السلام هدف استراتيجي لمن يمارس الجرائم بحق الشعب الآخر؟
-
بمناسبة انعقاد المؤتمر السابع لجبهتنا الدمقراطية: بعض الملاح
...
-
بعض المعالم الإجرامية للتحالف الامريكي – الاسرائيلي بعد -أنا
...
-
هل يؤلّف مؤتمر -أنابوليس- فعلاً انطلاقة نحو السلام العادل؟
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|