|
البسيط والهيئة العليا - 4 - سيرة
ناس حدهوم أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 2255 - 2008 / 4 / 18 - 07:32
المحور:
الادب والفن
وجدت العمل وما أن إشتغلت لساعة حتى وقع ما وقع فتم طردي في حينه . أما رفاقي فقد تم فصلهم أيضا في نفس اليوم . أحدهم كان يسكن معي في ذلك الفندق الذي لا يحمل منه سوى الإسم . كان لقبه ( الحابش ) رجل في سن والدي أتى به القدر إلى بلجيكا ولم يكن حظه أحسن من حظي . كان سكيرا معروفا في الحي الذي أسكنه بتطوان - الباريو - لكنه هنا لا يشرب لظروفه الخاصة وعدم توفره على النقود . رمت به الفاقة ومسؤولية الأولاد إلى الغربة مثل كل المعوزين مثلي . لقد كان في حينا بالباريو يتاجر في الأثاث المستعمل والمهتريء وكان لا يجني من ذلك سوى القليل وكان يلتجيء إلى الخمر الرديء لينسى بؤسه . وحتى هنا لا زال مسكونا بحرفته إذ كلما لمح دولابا أو كرسيا أو أية قطعة أثاث كيفما كان شكلها يقوم في الحين بتقييمها وتحديد ثمنها المفترض . وكان ذلك يضحكنا كثيرا . ذات مساء تركته في الحجرة ممدودا وتسللت إلى حانة مجاورة طلبت جعة واسترسلت في التأمل لقد كان ذهني مشوشا لا أدري كيف أتصرف فالحياة هنا صعبة وبائسة والعمل شاق ونادر وفكرت في ما إذا نضبت فلوسي التي بحوزتي سأنتهي لا محالة مشردا أنام تحت القناطر كما حدث للكثيرين مثلي . شعرت بالمأزق والقلق وادلهمت الرؤية لدي . فجأة دون أن أشعر وجدتني أطلب زجاجة كاملة من النبيذ فرأيت في عيني النادلة ما يشبه الإستغراب أو الحذر لكنني سبقتها للكلام وأفهمتها بأنني سآخذ الزجاجة معي لكنها نصحتني بأن أعرج عى دكان ليس بعيدا حيث ثمنها أقل بكثير . لكنني قلت لها هات لا يهم الثمن . دخلت الحجرة وأنا أتصنع المفاجأة وبيدي زجاجة النبيد وضعت كأسين على طاولة صغيرة لا تشبه الطاولة في شيء ثم دعوت رفيقي لمشاركتي لكنه رفض كما لو أن رفضه جديا وما أن بدأت أشرب دون أن ألح عليه ثانية حتى استوى جالسا وطلب كأسا له. أتينا على القارورة كاملة فشعرنا بتأثيرها علينا . انطلقت أغني منشرحا بفعل الخمر فاجتمع علينا عدد غير قليل من ساكنة الفندق البئيس مثلنا وتحول الفضاء إلى شبه حفلة بينما انضم إلينا بعضهم للمشاركة في الشرب وكذا في تسديد ثمن الزجاجات التي أرسلنا في أثرها وتطوع ( علال ) لإحضارها . وبدأ الرقص والهرج إلى أن إنتهى أخيرا إلى شجار وفوضى بين فئة تتوفر على أوراق الإقامة وأخرى بدونها وتم تهديدنا بالشرطة بسبب نقطة ضعفنا وكان علينا أن نغير المكان حتى لا ننتهي في عملية الطرانسفير للمغرب . إلتجأت أنا و ( علال ) إلى سكنى أحد الأصدقاء ريثما نحدد موقفنا النهائي - القاء أو السفر - فإذا بالقدر يوجهنا نحو إسباني فقد جمعتنا الصدفة بشخص إسمه ( البيضاوي ) يتاجر في الملابس المستعملة ( el trapo ) كان ينقل سلعته من بروكسيل نحو الجزيرة الخضراء لبيعها ويعود أدراجه ولم يكن ل ( علال ) مصاريف السفر التي علينا أن نسددها للرجل لذا كان علي أن أسدد تلك المصاريف لكلينا . امتطينا السيارة المليئة بالطرابو في الإتجاه الممطلوب وقبل أن نصل كان علينا أن نقضي ليلة واحدة بضاحية من ضواحي مدينة غرناطة .نام ( البيضاوي ) في الفندق الذي ركن بجانبه سيارته بينما نحن بقينا داخل السيارة نلتحف الملابس غطاءا لنا إتقاءا للبرد القارس من ذلك الشهر فبراير 1966 . من الجزيرة الخضراء إنطلقنا أنا وعلال عبر البحر في باخرة صغيرة كانت خاصة بنقل المسافرين نحو الصخرة ( جبل طارق ) هذه الباخرة الصغيرة كانت تنطلق من وإلى الصخرة بشكل دوري طوال اليوم . وذلك في ظرف وجيز لقصر المسافة . وفي الصخرة بحثنا عن السكن أولا فلم نجد سوى فراش واحد في بيت يسكنه العديد من المهاجرين . وكان (علال) خالي الوفاض شعرت بالذنب مسبقا إذا ما تخليت عنه فوجدتني بإرادتي أتنازل له عن المأوى - طبعا بعد تسديد ثمن كرائه لمدة أسبوع . بينما أنا اتجهت نحو المدينة الصغيرة المجاورة للصخرة عبر البر وتسمى (la linia ) هناك قضيت ليلتي بفندق متواضع لأعود أدراجي في الصباح متفقدا صديقي ( علال ) الذي ما أن خرج لمقابلتي حتى بادرني قائلا ( إذهب إذهب حتى لا تراك النصرانية وانتظرني بالمقهى ) بقيت مشدوها مما سمعت . كيف لم يفكر هذا الشخص في مآله لو لم أسدد له المأوى ؟ طأطأت رأسي وانسلخت عن المكان وابتلعتني شوارع الصخرة ثم ولجت أول حانة في طريقي متأملا في هذا العالم الغريب ومندهشا متسائلا مع نفسي كيف يتنكر رفيقي هذا لكل الجميل الذي أسديته له ودون أن يرف له جفن ؟ وما أن شربت بضعة كؤوس وجدتني أقفز لحلبة الحانة أرقص على وقع أغنية للفرقة الإنجليزية ( البيطلز ) الخنافس . كنت أرقص بجنون وكان جسدي يكتب برقصاته المعبرة قصة للحياة جعلت الحضور بالحانة يصفق بحرارة وإعجاب . - يتبع-
#ناس_حدهوم_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البسيط والهيئة العليا - 3 - سيرة
-
أوتار الكمنجة
-
البسيط والهيئة العليا - 2 - سيرة -
-
تيه ومتاهة
-
للاعربية
-
نفاق عل سهول المرآة
-
وادي الزمن الأخير
-
البسيط والهيئة العليا
-
حان la esmeralda
-
تيه وتفاهة
-
سلوك
-
حان las fuentecitas
-
عودة الحرية من الماء
-
نبوة الشعر من خلال قصائد الشاعر الكبير عبد الكريم الطبال
-
الدورة
-
لعبة يانصيب
-
قبعتي
-
مشرحة
-
جراحي جراحكم
-
الغريق
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|