مصطفى لغتيري
الحوار المتمدن-العدد: 2250 - 2008 / 4 / 13 - 09:45
المحور:
الادب والفن
منذ بواكرها الأولى ،مرت القصة القصيرة في المغرب بعدة مراحل متباينة ، ميزت نصوص كل مرحلة على حدة بخصائص معينة ، فوسمتها بميسمها الخاص ، متأثرة في ذلك بإشكالات الواقع حينا و رهانات الكتابة حينا آخر،فأصبح –نتيجة لذلك - الحديث عن الأجيال القصصية له ما يبرره.
و غني عن الذكر أن مرحلة النشأة، خلال الأربعينيات و الخمسينيات من القرن الماضي ،انشغلت باستنبات هذا الفن القصصي في التربة المغربية ، مستلهمة في ذلك التجربة القصصية المشرقية .. و نتيجة للوضع السياسي المميز لتلك المرحلة ،والمتمثل تحديدا في معضلة الاستعمار ، عمدت القصة القصيرة إلى التعبير عن هذا المعطى ، فجاءت مثقلة بمظاهر الاحتلال و التحريض على مقاومته، و تصوير الصراع بين مجتمع تقليدي مشدود بقوة إلى الماضي، وبين بوادر و إرهاصات تهفو إلى بناء مجتمع حداثي ، محفزة في ذلك بصدمة الاستعمار، و الاطلاع على بعض مظاهر الحياة في المجتمعات الأوربية . و يلاحظ أن المسحة الرومانسية قد طغت على إنتاجات هذه المرحلة ،ومن بين كتاب هذا الجيل عبد المجيد بن جلون و عبدالرحمان الفاسي.
في مرحلة ما بعد الحصول على الاستقلال طغى المعطى الإديولوجي على القصة القصيرة ، فجاءت نصوص هذا الجيل صارخة في وجه الظلم الاجتماعي و السياسي ، إذ عمد قاص الستينيات و السبعينيات إلى الكشف إبداعيا عن الصراع الطبقي و الإقصاء السياسي و الاجتماعي و نذكر من هذا الجيل كل من عبد الجبار السحيمي و محمد زفزاف و إدريس الخوري و محمد ابراهيم بوعلو.
أما جيل الثمانينيات ، فحاول الحفاظ على مسافة معقولة بين انشغالات الكتابة القصصية و هموم الواقع ، فاهتم- على حد تعبير محمد برادة- "بالجغرافيا السرية للذات بدل جغرافيا الواقع" ، وهكذا تمت العودة إلى داخل النص بدل الاهتمام بخارجه ، فتطورت- بالتالي- تقنيات الكتابة القصصية ، ووظف القصاصون البعد العجائبي و السخرية في قصصهم ، فتخلصت القصة القصيرة – نتيجة لذلك – من الطابع المتجهم و "الجاد" الذي ميزها مع الجيلين السابقين، و نذكر من كتاب هذا الجيل أحمد بوزفور و مصطفى المسناوي و محمد الهرادي و محمد عزالدين التازي و محمد صوف و محمد غرناط.
منذ بداية التسعينيات برز جيل جديد في المشهد القصصي المغربي ، نوع مصادره ، فبالإضافة إلى اطلاعه على النصوص المغربية و العربية انفتح كذلك على الآداب العالمية ، التي لم يتأت للأجيال السابقة تأثيث وعيها القصصي على خلفيتها ، وأخص بالذكر قصص أمريكا اللاتينية ، فتملك هذا الجيل طموح مشروع لحفر مسار قصصي ، يختلف كما و نوعا عما أنتجته الأجيال السابقة.
و يتميز هذا الجيل – في رأيي المتواضع- بما يمكن تفصيله فيما يلي :
- إنه جيل تخرج أكثر كتابه من الجامعة المغربية ، بما يعني أنه متشبع باللغة العربية ، ومطلع على المدارس الأدبية و الاتجاهات النقدية و أهم النصوص القصصية المغربية والعربية :سعيد منتسب - خالد أقلعي – جمال بوطيب – لطيفة لبصير-مصطفى جباري ..
- جيل ركب موجة التجريب ، فأنتج نصوصا مختلفة و صادمة ، تكسر خطية السرد و لا تحتفي بالحكاية ، وتمارس اللعب باللغة وتوليد تعابير جديدة لم يسبق تداولها محليا : أنيس الرافعي –عبدالنبي داشين- محمد أمنصور – جمال بوطيب-هشام دحماني..
- جيل تميز بوفرة إنتاجه القصصي ، مصرا بذلك على التراكم ، فاختفت نسبيا تلك الظاهرة المميزة للأجيال السابقة ، المتمثلة في اكتفاء أغلب قصاصيها بمجموعة قصصية واحدة إلا فيما ندر.
-جيل يتوزع على امتداد التراب الوطني ، إذ لم يعد الإبداع القصصي حكرا على مدن بعينها ، بل أصبحنا أمام ديمقراطية قصصية تكاد توزع بالتساوي على كل جهات المغرب : عبدالعزيز الراشدي "زاكورة"– اسماعيل غزالي"امريرت"-صخر المهيف "أصيلة"- البشير الأزمي
"تطوان"-عبدالسلام بلقايد"العرائش- البتول المحجوب "طانطان"..
-جيل منشغل بهموم الصحافة الثقافية بالإضافة إلى هموم القصة:عبدالعالي بركات -عدنان ياسين- ليلى الشافعي- عبدالسلام المودني -نجلاء البقالي- عبدالواحد استيتو..
-جيل تشكل المرأة الكاتبة فيه نصيبا لا يستهان به ، بل أضحت القصة النسائية مع هذا الجيل مؤهلة لأن تخصص لها أنطولوجيا بمفردها ، و بالتأكيد ستكون وافرة العدد و رفيعة القيمة : ربيعة ريحان – لطيفة باقا – مليكة نجيب –رجاء الطالبي- وفاء مليح-رشيدة عدناوي –زينب سعيد-مالكة عسال – مليكة صراري–نجاة الصرار- عائشة بورجيلة..
--جيل يتحدى عوائق النشر ، ويطبع كتبه على نفقته، حتى تجاوز إنتاجه جميع ما تنتجه دور النشر المغربية مجتمعة.
-جيل انتظم في جمعيات و نواد مدافعا - من خلالها -على معشوقته القصيرة و متداولا في شأنها باستمرار: هشام حراك-محمد الشايب- عبدالواحد كفيح-عبدالمجيد جحفة- محمد الحاضي..
-جيل انفتح على المشرق بفضل الأنترنيت ، فضمن لنفسه مواطئ أقدام في المشهدالقصصي العربي ، بعد أن لفت الانتباه إلى إنتاجه القصصي : نورالدين وحيد – الحبيب الدائم ربي- فاطمة بوزيان- نورالدين محقق- منى وفيق – هشام بن الشاوي – عبدالنور إدريس..
- جيل يحصد تباعا جوائز المسابقات أينما وجدت :الزهرة رميج- شكيب عبد الحميد..
- جيل استهواه التكثيف و القصر ، فأنتج القصة القصيرة جدا ، إذ لا نكاد نعثر على قاص من هذا الجيل لم يدل بدلوه في هذا المجال : عبدالله المتقي – عزالدين الماعزي – محمد تنفو – المصطفى كليتي- السعدية باحدة- حسن برطال – مصطفى لغتيري..
- جيل يجمع ما بين الإبداع و النقد و الترجمة أحيانا،مما يعني أنه مسلح بخلفية نظرية تؤهل قصصه لتتأمل نفسها باستمرار ، وتحقق تطورا مطردا : محمد سعيد الريحاني- المهدي لعرج-محمد اشويكة-حميد ركاطة –سعيد بوكرامي - محمد أيت حنا ..
أمام هذا الجيل المثابر ، والمؤمن بإبداعه ، حققت القصة القصيرة في المغرب تطورا لا ريب فيه إبداعا و وفرة إنتاج ، بل استطاعت أن تزاحم الشعر و الرواية على مكانتيهما التقليديتين ، وتخلق – بالتالي- حالة قصصية ملفتة ، استقطبت المزيد من الأقلام الشابة ، ولفتت اهتمام النقاد ، فأنشئت ورشات للكتابة القصصية ، و ألفت كتب نقدية ، و أنجزت أنطولوجيات و ملفات عامة ومتخصصة.
نتيجة لكل ذلك يحق لنا أن نستبشر خيرا بمستقبل هذا الفن الجميل ، ونراهن على هذا الجيل الجديد ، لجعل المغرب – على الأقل عربيا- بلدا قصصيا بامتياز.
#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟