|
المتشاطر ...
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 2247 - 2008 / 4 / 10 - 09:46
المحور:
الادب والفن
تشاطر علي أحد المتثاقفين ، رافضا بمقابلة مع مجلة اسبوعية ، ما أسميته مرة "ادباء أميين " ، وكنت أقصد ان أدبائنا بعيدون عن الأدب المحلي ، أدب مجتمعهم ... وكل يغني على مواله ، ولا يقرأون ما ينشره زملاؤهم الكتاب من أعمال ، وبالتالي لا يمكن الحديث عن حركة ثقافية بأي معيار كان . وكانت شطارته ، بدل طرح وجهة نظره ومحاولة البرهنة عليها ، وهو أمر مقبول وطبيعي تماما ... ان تساءل اذا كان صاحب موقف "ادباء أميون" ينجح في امتحان الاملاء؟ ماذا كان هدفه من هذه الجملة الغبية ؟ هل ليثبت انه صاحب موقف مغاير لما طرحه نبيل عودة من رؤية نقدية ، لقيت شبه اجماع من كل الأدباء الجادين ؟ أم انه يقصد السخرية لأمر في نفس يعقوب ؟ أم يحك لنفسه بيض جربه؟ ام يريد ان يثبت ان كراساته تباع ( وليس مهما أن تقرأ ) رغم أنف الواقع المأزوم ؟ حقا أعرف انه بياع شاطر .. أولا وزارة الثقافة تشتري بين 300 – 400 نسخة من كتابه .. وأي كتاب آخر يصدر لغيره ، وعمليا هذه تغطية أساسية للتكاليف ، ثم يحمل شوالا بكتبه ويدور ليدلل ويشحد من أصحاب المكاتب والمعارف بعض النقود فيما يسمى توزيعا للكتاب ؟ . تعالوا نبق الحصوة ونتكاشف ... ذلك المتثاقف يدعي الأدب ولا يكاد يصل في ابداعه الى قصة واحدة ذات شأن فني مقبول ، او يستحق جهد القراءة ، رغم اننا مددنا له حبال روحنا ولاطفناه ، واعتبرناه صديقا ، لعله بعد عمر مديد وتجارب لا تتوقف ،أن يستوعب انه لن يتجاوز منطقة الصفر الأدبية. وأن يستريح ويريحنا . كتب الشعر الذي لا علاقة له بالشعر أو الذوق الأدبي البسيط . وعرض نفسه للسخرية والتهكم حين ظهر على المنصة ليلقي ما استطاع ترتيبه من كلمات ، كتب القصة ، ولم يرق الى مستوى النثر البسيط الذي يستحق جهد القراءة ، بلغة أبسط ما يمكن وصفها ، بأنها كتابة "استمنائية" .. ضحلة جافة وفارغة من فن القص أو رونق الشعر .. حقا صفة " الاستمناء " لم أجد أنسب منها وصفا ، استعرتها من عالم المراهقة ، مع ان المتشاطر تجاوز عمر المراهقة جيلا ، ولم يتجاوزها بعقله وثقافته واسلوب صياغة أعماله، وعلاقاته مع الناس . لست ضد الحوار ، ولا أرى ان آرائي مقدسة ، بل هي مواقف قابلة للتغيير والتطوير ، ولست ممن يتمسكون برأي ثابت غير قابل للتغيير . ما اراه اليوم هو صحيح في لحظة النشر من وجهة نظري على الأقل ، وغدا قد أجد ما نشرته أمس بعيدا عن الواقع . وما دمت قادرا على اعادة التفكير من جديد ، فانا جاهز لقبول الرأي الآخر أو تغيير ما طرحته . لا قداسة لأي موقف الا بمدى مقاربته للواقع وتعبيره عن الحقيقة. هكذا أفهم الحياة والثقافة والسياسة والعلوم ... والعقل البشري . ان الواقع الثقافي العربي في اسرائيل ما زال يعاني من سحر فترة اكتشاف العالم العربي ، بعد حرب 1967 .. لشعرنا خاصة ولأدبنا المحلي عامة، وأذكر فترة دراستي في الاتحاد السوفييتي بين عامي 1968 – 1970 ، كيف كانت تصدر الصفحة الأدبية لصحيفة الأخبار الشيوعية اللبنانية نسخة طبق الأصل تقريبا منقولة عن الصفحة الأدبية لصحيفة الاتحاد الشيوعية في اسرائيل . ونفس الأمر مع مجلة " الطريق " اللبنانية ، التي كادت تكون نسخة مكررة من مجلة "ألجديد" الحيفاوية . وبات كل ما ينشر في الصحافة الشيوعية في اسرائيل يحظى بشعبية هائلة في الصحافة العربية كلها ، وكنت أحد هذه الاسماء الذي نشرت قصصه في عدة مجلات وصحف أدبية رغم اني ككاتب كنت في بداية طريقي ... وعدد ما كتبته لا يتجاوز الخمسة عشرة قصة . كانت بالنسبة لي بداية تشكيل وعيي القصصي ، وتجربني الابداعية .. ومع ذلك لقيت ترحيبا وتقييما أخجلني ولم ينفخني مثل البالون المتشاطر ، ومن أسماء أدبية عايشتها في موسكو ، ومن أبرزهم المرحوم المقتول غدرا المفكر والناقد الكبير الدكتور حسين مروة، الذي طلب ان ينشر لي مجموعة قصصية في بيروت في ذلك الوقت المبكر ، ولكن مسؤوليتي الأدبية جعلتني أرفض لعدم قناعتي اني تبلورت قصصيا . وأذكر أيضا الأديب السوري المرحوم سعيد حورانية ، محرر صحيفة "انباء موسكو" باللغة العربية في وقتها والتي نشرت فيها بعض أعمالي الأدبية أثناء دراستي في موسكو ، وادباء آخرون من سوريا والسودان وفلسطين ولبنان . في تلك الفترة كان نجم محمود درويش يسطع في المشرق كله، واسمه بات ماركة معروفة للشعر الراقي ، وأذكر تقييما لحسين مروة في جلسة تعارف بالمعهد الشيوعي عندما أعتبر محمود درويش الذي درس معنا بنفس المعهد ، أبرز شاعر عربي معاصر على الاطلاق .. وحقا بات سحر درويش الثقافي والشعري محفزا لمئات الأقلام للحاق بركب الشهرة ، وتحول الحزب الشيوعي الى الحاضنة الثقافية والفكرية للأدباء المحليين . وتحولت صحافته الى منبر اعلامي وثقافي مركزي للأسماء الأدبية التي يتناولها العالم العربي بعاصفة من الحب والتمجيد ، بدون تمييز بين ما هو أدب حقيقي ، أو مجرد ترهات . حقا بعض الأسماء ظلمت لأنها رفضت الانطواء تحت مظلة الحزب الشيوعي ونهجه السياسي والثقافي ، أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر فوزي عبدالله ود. جمال قعوار ود.فهد أبو خضرة ود. حنا أبو حنا وآخرين . لا أقول هذا انتقادا للدور الثقافي للحزب الشيوعي ، انما للدلالة على مرحلة تاريخية ، كانت مهمة برأيي رغم الغبن الذي طال أسماء أدبية هامة في أدبنا المحلي ، وبالطبع ، صاحبنا المتشاطر اليوم على نبيل عودة ويريد امتحانه بالاملاء ، ليس منهم اطلاقا ولم يكن من المشار اليهم من قريب او بعيد ، لفقرة الأدبي وسطحيته الفكرية ، ولآ اريد ان أضيف أكثر حتى لا يظن أني أقصد التشهير به ، فهو لا يستحق حتى التشهير. وقتها تنبه شاعرنا محمود درويش للخطر على تطور أدبنا المحلي فأطلق بافتتاحية لمجلة "الجديد" الشيوعية ، التي كان يحررها ، وقبل مغادرته حيفا الى موسكو ثم للعالم الواسع ، صرخته المدوية والمحذرة للعالم العربي المنهرق على كل كتاباتنا الجيدة منها والتافهة : " أنقذونا من هذا الحب القاسي ". ولكن صرخته لم توقف احلام اليقظة التي أودت بنهضتنا الثقافية المميزة في ظروفها ، وأفقدت ثقافتنا تأثيرها الاجتماعي والمساحة الواسعة التي كانت لتوزيع الكتاب المحلي ، وبدأ الوضع الثقافي بالتراجع والاندثار لدرجة غياب مجلة"الجديد" الممتازة والمدرسة الفكرية والثقافية لعشرات الأدباء والسياسيين ، وغياب الأدب الجاد من صفحات الجرائد ، وبدء شلال من النشر السطحي ، وغياب المحرر الثقافي من مجمل صحفنا ، لأن الثقافة أضحت تسالي ، والمقاييس الأدبية تحكمها الفوضى في النشر، وبدأنا نفقد حماسة القراءة لدى القارئ المحلي ، وأصبح توزيع الكتاب المحلي يعتمد على قدرة صاحبه على العتالة وشحادة ثمنه ( اكراما لوجه الله ) من المؤسسات والأفراد ، وأكاد أجزم ان الألف نسخة أو حتى الخمسمائة ، أو أقل ، التي يطبعها الكاتب ، مهما كانت مكانته ، لا يقرأها أكثر كمن 50 شخصا وربما هذا الرقم مبالغ فيه. ان عدد الادباء المحليين يتجاوز الألفين وربما أكثر بكثير ، على الأقل من يدعون الأدب .. اذا لم توصل لهم كتابك كاهداء فلن يشتروه ، واذا لم تخجلهم وتكرههم فلن يشتروه ، ولا أتحدث عن الفارئ العادي .. ، ومع أول تنظيم جديد للمكتبة ، يجد الكتاب المحلي طريقة لسلة المهملات ، ولا اتحدث عن نظرية ، بل عن معرفة مؤكدة من زملاء وادباء جادين .. يعترفون ان ما يصدر بمعظمة لا يستحق جهد القراءة ، ولا يستحق ان يحفظ بمكتباتهم . وانهم باتوا لا يجرؤون على مطالعة كتاب محلي الا للذين يعرفونهم جيدا . الا صاحبنا "الاستمنائي" العظيم ، الذي يعيش أوهام الأدب ، وأوهاما ان القراء ينتظرون ابداعه ، وربما ينتظر من يرشحه لجائزة نوبل الأدبية . بالطبع سنرى كتابات نقدية تتناول "قصصه" أو " شعره ".. تحمل من المهزلة أكثر مما تحمل من الأدب الجاد والنقد الأدبي .وأكاد اجزم ان بعض نقادنا يكتفون بقراءة عناوين المواضيع ، وتكاد كتاباتهم تتشابه في افتتاحيتها ومدائحها .. ونهايتها .. فقط يغيرون اسم المنقود . هل في ثقافتنا ادباء يستحقون هذه الصفة ؟ أجل يوجد . لكنهم أقلية تبتعد عن الفوضى بألم وترقب ان يتغير الوضع .. وحتى اصداراتهم تواجه مشاكل في التوزيع وتعتمد على التوزيع الشخصي وشراء وزارة الثقافة لل 300 – 400 نسخة . أما الأكثرية ، فهم ادباء لا يقرأون أدبنا المحلي ولا يعرفون ما يجري في ثقافتنا ، منقطعون فكريا وثقافيا عن محيطهم ، ربما لا يعرفون انهم ابناء لمجتمع عربي فلسطيني داخل اسرائيل ، يجهلون تاريخه الثقافي والسياسي الذي يفتخر المستمني انه مقاطع له . ويجهلون ما يجري في حياته الثقافية ، ولا يشغلهم الا نشر نصوصهم ، التي لا يربطها بزمان ومكان حياتهم ومجتمعهم شيئا . قد أخطئ في الاملاء .. ولكني لا أخطئ في فهم تفاهة الشخص وما ينشره ، ولا أخطئ في استقامتي ، ولا أخطئ في شرفي الثقافي ، حين يخطيء المستمني في عقله وكلماته وثرثرته . نبيل عودة – كاتب واعلامي – الناصرة [email protected]
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجتمعنا ، بتراجعه مدنيا ، يتراجع ثقافيا أيضا
-
زوبعة جديدة بالطريق
-
انتصار .. ولو على خازوق !!
-
هذا النصر شر من هزيمة...
-
نادر ابو تامر يرصد عالم الصغار ويملأه اثراء
-
قطار منطلق بلا هدف ويطلق الصفير الحاد ..
-
في اسباب الركود والخلل الثقافي
-
لننصف النساء في مجتمعنا أولا ...
-
الأطرش والأعمى على مسرح الأحزاب
-
زمان السلاطين... أو عودة الى زمان الترللي !!
-
ملك طائفة جديد .. قريبا في بيروت!!
-
هواجس ثقافية في وداع العام 2007
-
تأييد المواطنين العرب الجارف للخدمة المدنية يذهل المعارضين
-
غياب النقد..غياب الثقافة وغياب الفكر!!
-
الهوية القومية .. بعيدا عن التعصب قريبا من الانتماء الانساني
-
الهوية القومية أو سياسة الهويات – الواقع الاسرائيلي نموذجا
-
عاجل وملح وغير قابل للتأجيل: دولة فلسطين المستقلة
-
المغالطة مع سبق الاصرار - -الخدمة المدنية- نموذجا
-
فشلتم بسياساتكم .. فلا تفشلوا مستقبلنا!!
-
زعماءنا غادروا الوطن قسرا...
المزيد.....
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|