|
الحاجة الى معايير جديدة
ساطع راجي
الحوار المتمدن-العدد: 2245 - 2008 / 4 / 8 - 07:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما حدث خلال الايام القليلة الماضية بحاجة لتقييم يرقى الى مستوى الهزة الامنية التي تعرض لها العراق سواء في العاصمة أو في بقية المحافظات وما ترتب عليه من إحتقان وخسائر في الارواح والاموال، لكن أية عملية للتقييم تحتاج الى معايير محددة سلفا لتصنيف الخسائر وتحديد النتائج في حين سارت الاحداث في العراق وفق خطوط متقاطعة تثير الحيرة والارتباك. فقد تحولت خطة أمنية لتكريس الامن والاستقرار في البصرة التي تعاني من الفوضى والاغتيالات والفساد منذ سنوات عدة، تحولت هذه الخطة الى مواجهة عسكرية من العيار الثقيل بين جهة سياسية والحكومة العراقية. لا أحد يشكك في التدهور الامني الذي تشهده البصرة وحالة الانفلات والاستهداف الذي طال النساء والعلماء والاطباء والمدنيين الابرياء فضلا عن عمليات تهريب النفط الواسعة وتغلغل مخابرات إقليمية وكان من المنتظر أن تعمل الحكومة على معالجة كل ذلك وبالفعل بدأت الحكومة منذ أشهر عبر غرفة عمليات أمنية وقيادة أمنية عليا بالتنسيق لترسيخ الاستقرار لكن يبدو إن تلك الاجراءات وصلت الى طريق مسدود وعليه قررت الحكومة وضع كل ثقلها في البصرة، حيث ذهب المسؤولون الامنيون الى هناك لإدارة المعركة والصورة التي سوقتها الحكومة كانت تعني إنها مصرة على تحقيق أهدافها في البصرة فتصاعد السؤال الحائر، ما هي أهداف الحكومة العراقية في البصرة؟. القبض على مطلوبين لم يكن هدفا مقنعا بالنسبة للبعض فقد حددت الحكومة مستوى عاليا للمعركة عبر تواجد القائد العام للقوات المسلحة والوزراء الامنيين والقوة العسكرية الكبيرة، وهنا كانت أولى الاشارات المحيرة التي دفعت الى تأويلات بنوايا مختلفة تعلقت بتوقيت العملية التي جاءت بعد أيام قليلة من إقرار قانون المحافظات بعد إيقافه على خلفية شكوك دستورية وتشكيكات حزبية لتأخذ بذلك معركة البصرة بعدا سياسيا على خلفية التنافس الحزبي في محافظات الفرات الاوسط والجنوب في ضوء إستحقاق الانتخابات المقبلة بعد أشهر لمجالس المحافظات، وهذا الشعور قاد الى تداعي الوضع الامني في تلك المحافظات مثل قطع الدومينو، فهناك من يقول أنه مستهدف سياسيا بهذه العملية فيما تقول الحكومة غير ذلك وتحمل التأويلات الخاطئة والمندسين مسؤولية خلط الاوراق بينما حجم القوة العسكرية ومستوى العملية وردود الافعال عليها تقول إن كل من الطرفين يتحرك نحو ميدان واحد وقد حدد هدفه بوضوح. على غير عادة الحكومة جاءت عملية البصرة مباغتة ودون اعلانات مسبقة كما يحدث دائما والموصل خير مثال فهي تنتظر على نار التصريحات المتصاعدة منذ عدة أسابيع إنطلاق عملية أمنية قيل عنها بإنها ستكون المعركة الحاسمة مع تنظيم القاعدة في العراق، وهاهي الايام تمر وتبرد نار التصريحات تحت وطأة الاعلان عن قلة حجم القوات المتوفرة للشروع بالعملية، وفي عملية البصرة لم يبرز اي صوت امريكي وبدا ان الحكومة العراقية تتحمل لوحدها مسؤولية إدارة المعركة على غير المعتاد في عمليات من هذا الحجم. قرار رفع السلاح بوجه الحكومة لم يتخذ على مستو قيادي عال بل جاء كرد فعل وهو بالتأكيد قرار خطير كما إن مستوى العنف الرسمي كان خطيرا هو الآخر وهذه المواجهة عرضت بناء القوات الامنية العراقية لإمتحان وهزة وكبيرين أوضحا إن الوقت ما زال مبكرا للحديث عن إكتمال بناء المؤسسات الامنية كما إن تسلم العراقيين للملفات الامنية في بعض المحافظات لا يعني إن هناك إستقرارا أمنيا حقيقيا، كما تعني أحداث الايام الماضية تباطؤ القيادات السياسية في ردم الهوة بين تنظيماتها والتوصل الى تفاهمات تحافظ على هامش الاستقرار والمتبقي من خدمات في المحافظات العراقية، وكان من بين القرارات الخطرة التي أتخذت هي محاولة الاطراف المختلفة الزج بالمجتمع الى جانبها لخوض المعارك وهذا الاسلوب يعني توليد مناخ مناسب لتنمية العنف والتوتر خاصة بين العشائر وما يعني فتح بوابة جديدة للقلق الامني في العراق. لقد بينت أحداث الايام الماضية إن الاحتقان الطائفي ليس هو وحده المسيطر على الساحة العراقية، كما إن تصنيف اللاعبين السياسيين الى أنصار العراق الجديد وأنصار النظام السابق ليس هو التصنيف الوحيد، بل إن المشهد في العراق أكثر تعقيدا والحاجة الى ترسيخ التعايش السلمي وفهم الاختلاف لاينحصر فقط في العلاقات الطائفية والاثنية بل يمتد حتى الى داخل المكون الواحد وبين أبناء الهوية الفئوية الواحدة. إن ما حدث في الايام القليلة الماضية يتطلب من القادة الامنيين العراقيين إعادة فحص مؤسساتهم ومعالجة نقاط الخلل فيها كما يتطلب من القادة السياسيين الرسميين والشعبيين مراجعة شاملة لخططهم وأفكارهم وعلاقاتهم بما يؤدي الى خلق معايير جديدة لتقييم الاداء بعد أن عجزت المعايير التقليدية عن النجاح في الحالة العراقية فلا إنتصارات نهائية ولا هزائم نهائية وإنما أشواط متوالية من العنف تفصل بينها إستراحات توفرها إتفاقيات هشة وتأجيل لفتح الملفات على المستوى السياسي القيادي.
#ساطع_راجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عوامل العنف الكامنة
-
خصخصة الحرب في العراق
-
تفعيل قانون الأقاليم
-
كفاءة الديمقراطية في العراق
-
مسارات السياسة في الإقتصاد العراقي
-
شفير المواجهة
-
الملامح العراقية للإتفاق القادم
-
خرائط معقدة
-
محنة قانون المحافظات
-
المستقبل في الجدل السياسي
-
القدرة على التغيير
-
الموازنة ..حكاية طويلة
-
العراق وانتخابات الرئاسة الأمريكية
-
إمكانيات التقدم السياسي
-
الارهاب والاستبداد
-
تجربة الهيئات المستقلة
-
جدل الاتفاق العراقي الامريكي
-
قضية الحرية
-
باريس تقترب...
-
زيارات متداخلة
المزيد.....
-
إلهام شاهين تعيش الطفولة مع -آخر العنقود- في عائلتها
-
الشرع يوضح موعد أول انتخابات رئاسية في سوريا ورده على من طال
...
-
فرنسا تستعد لمحاكمة طبيب متهم بالاعتداء جنسياً على أطفال تحت
...
-
الحكم على جندي بريطاني سابق بالسجن 14 عامًا بتهمة تسريب معلو
...
-
بوتين يقيل نائب وزير العدل من منصبه
-
سموتريتش: لا يمكن إنهاء المعركة قبل تدمير حماس بالكامل واتفا
...
-
حاكم المصرف المركزي: هكذا تبخر 21 مليار دولار في سوريا!
-
ترامب: حققنا تقدما كبيرا في مسألة حل الصراع بين روسيا وأوكرا
...
-
القضاء المصري يقضي بسجن بريطاني 3 سنوات
-
روسيا.. تطهير أكثر من 350 كيلومترا من سواحل البحر الأسود بعد
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|