|
ويطول الدوار ...!!
محاسن الحمصي
الحوار المتمدن-العدد: 2244 - 2008 / 4 / 7 - 10:31
المحور:
الادب والفن
"يا لائمي في الهوى العذري معذرة مني إليك ولو أنصفت لم تلمِ" (البوصيري)
يجلس على حافة السرير ممسكا يدي الباردة يجس نبضي ، يغلق فمي بميزان الحرارة ، يراقب بصمت وجهي الشاحب الممزوج بسيل من الدمع وتصببِ العرق ، يضع السماعة على صدري متضارب الدقات ، يضرب بأصابعه على ظهري، يقلبني ذات اليمين وذات اليسار .. يدخل قطعة خشب في فمي ويشعل الضوء ، يخلط زجاجات صغيرة في إبرة توخز شراييني ..
" الحمدلله، لم يرَ اسما على لساني ، لم يجد وجها مرسوما على صفحة قلبي ، لم يسمع خطوات أقدام تركض في نبضي ، لم يخرج جسد مع القيء ..!!" .
- مجرد التهاب رئوي حاد من تعرضك للبرد ، قلة النوم والأكل ، التدخين وأهمها تعرضك لصدمة عصبية.. من الذي تجرأ وأغضب هذا المحيا الجميل وجرح الفؤاد ؟ أنظر بعيون زائغة نحو الوجوه الخائفة المحيطة بي :" ترى على من أضع اللوم ومن الذي تقع عليه القرعة ، ومن أعرض عليه لائحة الاتهام ؟" . - لا أحد .. فقط دعني أناااااااااااام قليلا .. - سأبقي المصل معلقا لتعويض السوائل المفقودة، حاولي الابتعاد عن التفكير ، لا شيء يستحق (الزعل) ، ممنوع الموبايل ، التلفزيون ، الصحف ، الكومبيوتر ، ابتعدي عن العالم الخارجي قليلا ، للتعافي سريعا ..!!
يركبُ الدواء موجة التخدير في دمي ، ويدور بجسدي النحيل ،أغمض عينان متورمتان ، لكن القلب صاح ٍ ..!!
يغادرني، ككل صباح، يتركني معلقة في الساعة حتى المساء ، ألاحقه ب(الموبايل)، بهمسات الشوق ويغازلني بالرسائل القصيرة حتى نلتقي ونرخي شال الحب على أمسياتنا الجميلة . به ثورة الشباب وفورة الغرور ..لا يفقه من الشاعرية والرومانسية سوى حروف ينمقها حين يشاء ، ومتى شاء ... وأحبه ..!!
قال: انتظريني ، بعد ساعة أكون بين يديك . تزينت ، تجملت ، سكبت العطور ، اخترت أغنية يحبها .. تجولت بين أوراقه وملفاته أعيد ترتيبها.. لا توجد بيننا أسرار ولا محظورات، أوراقنا كشفناها.. الماضي انتهى بمناقشات إيجابية . بدأنا من جديد .. الصراحة تجمعنا، الوضوح يربط علاقتنا، والإخلاص جوهر حياتنا المشتركة ..!
ملف جديد ، أراه لأول مرة، تعبث يدي به عن غير قصد ، يغلي التوتر في أعصابي ، ويتسلل إلى صدري الخوف .. إنه ( حدس ) المرأة ! صور .. صور .. صور نساء ماضِيهِ ، وبأوضاع حديثة .. السمراء والشقراء ، الجميلة والقبيحة ، النحيلة والبدينة ، جمعها في ملف وأخفاها عن عيني؟؟
لم تمض أسابيع على آخر نزوة ..!!
- تخبرني أنك دفعت ثمن ساعة مع ( ....) تلامس اللحم الحرام لتثبت وفاءَك ؟ - لا أخفي عنكِ حقيقة ، أجل حاولت .. وعدت الى عشنا الهاديء أكثر حبا واقتناعا أنك الأطهر ،الأنقى ، والأجمل ..
يومها اهتزت جدران البيت من زلزال صرخاتي .. فاحتواني بدموع الندم ، مسح حزني بمنديل اللهفة ، بسط دربي بمرادفات التوبة .. فصفحت ! وهاهو اليوم يجمع عشيقاته في ملف ..!
يدخل بعد تعب نهار، أتماسك، أستقبله بابتسامة مرسومة ، أضمه إلى صدري ، أقبل كفيه، وبركان الغضب يفور في دمي، يكاد يأخذ كل قوة استمديتها بالدعاء ، أترك الكلام له .. يحكي.. ويحكي.. يثرثر.. يضحك.. أتابع حركات أصابعه ، يديه .. يتوقف برهة ، مشدوها: ( فتحتَ ملفا جديدا ؟). يداري ارتباكه: - أجل فتحته بالأمس ، أين المشكلة ..؟ - والصور ..؟ - يا الله !كم أنت حساسة وغيورة! هي صور من ماضٍ فات .. مات .. انتهى .. - لكن الصور حديثة، لمَ أضفتها ؟ هل عدت إلى الحنين ؟ لا... لم أحــنّ.. لكني أمارسُ هواية البصق الجنسي على هولاء العاهرات ..وأحمد الله على كنز ثمين يجالسني ، يحبني ، يخاف علي ، يحفظ اسمي ، ويتسع قلبه لجنوني ونزواتي .. وأنتِ؟ أليس لك أصحاب في كل مكان، تتلقين اتصالاتهم عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني ، وأسمح لك ؟..
- الفرق أنهم أصحاب لم أشاركهم نبضا ، حبا أو حياة . أنت سمحت لي بالصداقات لأنك تدرك أني لا أملك ماضيا (مسموما ) وتعرفهم جميعا.. لم أخفِ عنك علاقاتٍ أخوية ، عاطفية ، زمالة ، قدمتُ بثوب ناصع ليس فيه ثقوبا .. وأنت تتابعــني بعيون مخابراتك وعملائك وعسسك، كيفما استدرت ..! - أغلقي الموضوع ، وتعالي لأحبك أكثر .. وأنسى ..!
"حبيبي، أحلم أني وأنت تحت بقعة سماء صافية اللون، أحتمي في صدرك الحنون ، وأغزل حشائش الأرض لك عشقا ".. أرفقتها مع قبلة في ماسيج .
" وأنا أحبك ، لا تشغلي بالك ، لولا الشرك بالله لعبدتك ، اكتبي كلما اشتقت إلي .. أنت في دمي يا ابتسامة أيامي . صباحك ورد ، عسل ، فراشات وعصافير ، كلماتي لا تسعفني للتعبير عن مشاعري.. (على فكرة ).. غيرتك رائعة لكن غيرتي (دون حد ) تحمليها ، تعرفين كم أحبك ، حتى لو كنت أتفوه وأتصرف معك - أحيانا- بمنتهى القذارة . أحبك يا نور العين .." ويمضي اليوم بيننا.. صبي وصبية غافـَــلا الزمان والمكان ، يسرقان الفرح من سواد عين الحياة المُرْهِق ، يسورا الحب بعناقيد مرح ، وينهلا من نبع المودة ..
مساء السبت الأخير..!
ليلة نهرب فيها ، نختبيء في كهف اكتشفناه على ضفاف نهر الحب، نوقد نار الكلمة ، ننقش على الصخر وجه الأمل ، نركب بساط العنفوان ، نلاحق النجوم ونعبر التخوم ، ننام تحت ظل القمر .. صحوت على يد خشنة تجذبني ، تسكب على رأسي دلو ماء ، تلقيني ، يتبعها صوت صارخ :(ابعتدي عني ) ..أكرهك ، دمرت حياتي مذ ارتبطت بك.. كلكن (عاهرات قذرات) تركضن وراء (...) ومعسول الكلام .. دعيني أيتها (الزانية ) المخادعة ، الكاذبة ... - حبيبي ، مابك ؟ ماهذه الاتهامات الجائرة ؟.. يدفعني و يغلق من دوني الباب . أقف في الشرفة. صقيع برد الشتاء يخترق عظامي والهواء يلسع وجهي ، موسيقى الحزن تصدح في أذني ، فتصطك أسناني وأبكي . أي ذنب ارتكبت؟ أين أخطأت ؟ ماذا فعلت ؟ (خيانة ) ؟؟ وأنا التي تعيش في محراب الصدق والوفاء ، أفديه بروحي إن قال :آآآآآآه !! ليس مخمورا ولا يتعاطى حبوبا ، لكنها ( هلوسة ) لا يحتملها حتى المريض والمختل ..! كم شارعا عبرت ومنعطفا طويت ، كم ساعة مشيت ، كم دمعة ذرفت تحت المطر ، وكم من الوقت استغرقني طريق العودة ..؟ كقطة مشردة أنفض الماء ، ألعق فروي ، أتسلل نحو دفء خيمتي ، بيتي العتيق ..!
تمسح أمي بكفها الحنون جبيني ، تمسك( المصحف الكريم) تضعه فوق رأسي ، تتمتم بالأدعية ، تداعب خصلات شعري ، يغرقني الحزن فأتعلق بطوق رقبتها ، أسبح نحو صدرها وعلى شاطيء رقة الأمومة أستلقي .. - من أتى بي هنا ؟ - وحدك .. - لماذا حظي في الحياة عاثر ؟ - قضاء الله وقدره ، المكتوب على الجبين ، وأنت قصة وحالة كقصص نسائنا اليومية .. - لمَ ربيتني على المبادئ ، الطيبة والتسامح، ومن صفعك على وجهك الأيمن أدر له خدك الأيسر ، والدين معاملة ، وووو..؟ أحببته يا أمي من أعماق الأعماق . - هل أنت نادمة على التمسك بالأخلاق ؟ الحب وحده لا يكفي لرفع سقف بناء ، يحتاج إلى ركائز وأعمدة احترام ، ثقة ، تكافؤ ، ونضج ..؟ - لا.. لكني شقيت .. لبستني الهموم، وعرتني الصراحة، لأجل الأخلاق تزوجت صغيرة ، ولأجلها هُجرت .. - زواجك كان في مصلحة شرف العائلة .. هل تذكرين ابن العائلة (....) الذي حاول اختطافك من أمام باب المدرسة ..؟ - طوال عمري جمالي، أنوثتي ، أخلاقي نقمة علي ّ، حتى عندما أكملت دراستي، وتسلحت بالشهادات والعمل . - طوال عمرك وأنت مرغوبة و محسودة من القريب والبعيد ..
تدخل أختي الكبرى تحمل أوراقا بيضاء ، تبتسم بحنو مفتعل .. - الأميرة استيقظت بعد خمسة أيام .. حمدا لله على سلامة العودة من رحلة الموت .. تضع الأوراق ، تسحب أمي بغمزة ، أبقى وحدي .. وأتصفحها، أغوص بين السطور:
اعتذار بشتى لغات العالم ، أحلام ، آمال ، مستقبل مشرق ، أموت إن ابتعدتِ ، أنتحر إن غبتِ ، أحبك حتى آخر رمق ..! أكتب نعم في الورقة الثانية ، أشتري كرامتي ، أوقع على حريتي ، أوافق دون قيد أو شرط على كافة البنود المرفقة في قسيمة ( الطلاق ) .. يرتعش جسدي ، أتقيأ أيام عام ، أحضن اكتئابي ، ويطول الدوار ...!!
2-4-2008
#محاسن_الحمصي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشاعة موووووووووت...!!
-
حروف ربيعية ..!!
-
على سفر..!!
-
الزعيم في أفريقيا ..على افريقيا السلام ..!!
-
موسم الهجرة الى السماء
-
حبيبي ..بووووووووش ..!!
-
قطار العمر ..!!
-
لله يا محسنين..نريد حلاً..!
-
حوار على وتر مقطوع ..!!
-
عقد الزواج ...لو سمحتِ ..!!
-
لأني ....!!
-
ليالي العيد ...!!
-
فيتا......مين ...؟
-
زمان ..يا زمان ..!!
-
أنا ...بوليس ..!!
-
دق الجرسُ..!!
-
زغرودة حلوة..!!
-
شهر العسل ..!!
-
السلام ...يا سلام ...!!
-
ياحكومة ياااااا..!!
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|