|
العائم 9
نبيل تومي
(Nabil Tomi)
الحوار المتمدن-العدد: 2244 - 2008 / 4 / 7 - 07:57
المحور:
الادب والفن
كتابات من روايه عمرها 25 عام ، تنشر أول مرة في بلدان كثيرة قد تحصل فيها إخفاقات ، نتيجة قصر النظر في مدى فهم البعد الأجتماعي والأيد يولوجي ، وأيضاً في عدم إمكانية بعض القيادات من إتخاذ المواقف الأيجابية الواضحة والصائبة .... سهلة تفـهـمها الجـماهـير وعـموم الشعب تجاه السلطات في بلـدانهـم .... إن هذا العصر متـقـدم ومتطور جداً في نواحي عـدة ، والتكنلوجيا الحديثة دخلت الى أغلب ميادين الحياة والنشاطات البشرية وفي أغلب الأقاليم ومختلف البلدان ، وبعد كل هذا هل لي أن أطلق سمة جديدة لممارسي السياسة من قادة هذا الزمان في عالمنا المسمى بالعالم الثالث أسميهم بـ ( القـوارض ) . إنهم سوف ينعـمـون بالحياة على حساب جسد المبادئ ويسجلون على هوامش التأريخ في الأدعائات الفارغة على الحساب الشهداء منا شهداء تاريخ النضال الطويل اولئك الذين وهـبوا حياتهـم بكل شرف وعزة وبـمـنـتـهى الأمـانة والأخلاص مـن أجل أن يجعـلوا قـضـية شعـوبهـم المـستـَغـلة قـضـية حـياتهـم . أود أن أسوق ألـيكم مـثلاً عـن أحد اولائك السياسيين الـمهـزوزين والذي سقط آخيراً، إنه شخصية معـروفة جداً لدى الكثير مـنا؛ على أنهُ الشخـص الـذي يمكن الأعتـماد عـلـيه .... ذو وعي رفـيع ومدارك واسعة ، وله إمكانات في تحـلـيل الأمور وأستنتاجـها، ومـتمـكن في أتخاذ ما يـلـزم من الحـلـول لأمـتلاكه الحـزم والحذاقـة في التصرف والحكمه في التعامل مع الحدث، ومن صفاته الآخرى أمكانات في إرشاد الكـثيريين وتنظـيمهـم وتسليحهم بالثقافة والمعـرفة في الكثير من المسائل السياسية والأجتماعية والأيديولوجية وحتى الأقتصادية منها ، ولكن في التجربة الأولى والحـقـيـقـية له مع ازلام السلطة وقع فريسة سهلة .... بحيث جرد نفـسه من كل القـيم والأخلا ق بسبـب كثرة الرعـب الذي أدخل في قلبه وشدة التعذيب الجسدي والنفـسي الذي مـورس ضده ، حتى أصبح أكثر سقـوطاً ونزولاً إلى الحضيض من الجلادين أنفـسهـم ؛ والسؤال هو كيف وقع هذا ؟ لا جواب لي . - المعروف ان المهزوز كما نعته’ رفاقه في الزنزانة وهـم في أحلك الظروف وأقساها، كان هو الشخصية الثالثة من حيث الأهمية في المسؤولية ، ويحكي الصديق الذي كان مسجوناً مع المهزوز، عن موقـف أحد المناضلين الحـقـيقـيـين والذي عكس وبقـوة شديده الإرادة الصلـبة والعزيمة القـوية والتفـاني اللامحدود بأصراره على عـدم الخضوع أو الخنوع ورفض الـتـنازل أو التـخاذل بالمطلق .... ولكن بالـنـتـيـجة فـقـد حياته أمام أنظار الجـمـيع . هـذا مـما جعلهم لا يستطيعون نسيانهُ ونسيان مـوقـفه’ البطولي ، حينما تـقـدم بخطوات ثابته ، وبعـلم وحكمة نحـو الـمـوت المـحـتـم؛ أضف الى ذلك بأنه’ تمثل لهـم كأسطورة عـظيمة ناصعة البياض ليس فيها شائبة ، ولا تمـحى من الذاكرة أبداً .... - دعـوني أروي لكم عن كيـفـية ألـقاء القـبـض عـليه ِ وبالضبط كما رواها لي صديق كان نزيل معهُ في زنزانة وأحدة ... في أحد الأيام أقـتيد سجين جديد الى العنبر، وهذه العمليه كانت طبيعية بالنسبة لنا حـيث تتكرر بأستمرار ، وهي زيادة أعـداد الوافدين إلى الزنازين وبشكل دائم ... هـذه المرة فـتح باب الزنزانة بغضب وعنف شديدين ، ثم ألقي بسجين مدمى نحو الداخل ، وهـو في حالة يرثى لها كان مغماً عليه . وخلفه ألقـوا بسترته عـند قـدميه ، ثم رحلوا بعـد قـفـل الباب بإحكام وهـم يتوعـدوننا جـميعاً بالمـصير المـحتـوم ذاته . كان بملابس رثة ممزقة تيبست الدماء عليه وظهرت كبقع سوداء داكنة كانت حول عـنقـة بقايا شيئ من ربطة عـنق ما زالت معـلقة ، أحساسنا كان ينبؤنا بأنه قـد يكون مـوظـفاً في الدولة أو أنهُ أستاذا جامعياً ... ليس مهـم ؟ لم يتحرك أحدا منا نحـوه ، إلا بعد التيقـن من أن الجلادين قد غادروا وأبتعدوا عن المكان تـماماً ؛ مرت العـديد من الدقـائق الـثقـيلة وكان الـقـلـق والحـذر يلازم الجـميع تحرك إثنان من المعـتـقـلـيـن ببطء نحو المـغـمى عـليه وسحـبـوه إلى الداخل لمـده بالـعـون والمساعـدة الازمة ... مرّ الوقـت الضائع ... استيقـظ الرجل ودار بوجه يـمـيـناً ثم شمالاً ، وألقى من خلال فـتحة صغـيرة مـتبـقـية من عـينيه نظرة يرثى لها، رغـم ذلك ابتسم أبتسامة صغـيرة تـنـم عـن الأمـتـنان والشـكـر لمـن حـوله .... قـام أحـدهـم بمساعـدته لكي يتكئ على الحائط لينال قـسطاً من الـراحة ، قـَدم سجين ثالـث قـلـيلاً من الماء له وأكـرمه بسيجارة وطنية .... تـزايدت آلامه ولـم يستطع الأستمرار في الجلوس أو التحدث والمـجاملة ، رأودته نوبة الآلام ورغـبة في الـنوم ، ودون وعـي مـنه دخل في سبات عميق أستـمـر على ذاك الحال إلى ما بعـد ظهـراليوم الـتالي أيقـظه السجـناء من أجل أن يشاركهـم العـشاء ...... جلس طاوياً قـدميه واضعـا رأسه المـتـصدع بـين يديه وهو يتأوه من آلامه والحاله التي كان فـيـها، ومـن ثم فـتح عـينيه على صرخات الحرس الذين أمـطروهم بـوابل من الـشتائـم . أبتسم السجناء وسألوه عن حاله وإن كان بمستطاعـة مـشاركتهـم في تناول الأكل المـقـرر لهـم من كبير السجانيين ....!! نظر نحوهم وطلب الماء ، شرب الكثير منهُ وتمنى لو أنهُ يستطيع أن يشرب أكثر، و كان يملك شعوراً بالعطش المزمن منذ زمن بعيد حيث بوده الوصول إلى الماء لكنه توقف وخانتهُ قواه .... أسنده رفاقهُ ووصل إلى الماء ... ثم غسل وجههُ و وضع رأسه تحت الماء الذي تغير لونهُ الى الأحمر نتيجة ذوبان الدم المتخثر من أثار الجراح التي آلمت به من رحلة الأمس وقسوته ، استطاع الوقوف على قدميه دون أن تخونهُ قدماه ، نظر إلى من آلتف حوله ورفع نظره إلى الجدران حدق كثيرا في المكان كأن هذا المكان مألوفاً لديه ، و هذا ليس بغريب فقد زاره في السابق . ثم أن لا فرق بين هذه الزنزانة والزنازين الاخرى في السجون المخنلفة الأماكن متشابه في الخصال حول نظره إلى رفاقه بعينيين متسائلتين وكأنهُ يريد القول .... ( أنني أعرفكم فهل تتذكرونني ) . أبتسم مع نفسه آخيراً ثم وجه أليهم كلامهُ متهكماً.... - لقاء جيد وجميل ، وأستقبال أجود في مكان ما كنا نتوقعه وفي ظروف أخطأتها حساباتنا . + لا عليك نحن جميعاً معك ومثلك .... !! كان يحاول التماسك والنهوض ولكن بصعوبة ، أستند على أحد رفاقه بعد أستراحة قصيرة ... طالباً منه قيادته إلى أحدى الزوايا المنسية من تلك الزنزانة . عـند الطرف الآخر منها كان عـدد من السجناء يغسلون أرضية الزنزانة من الأتربة والغبار بالأضافة إلى حرارة الجو الملتهبة ، حيث أعتادوا على القيام بهذا العمل يومياً من أجل ترطيب أرضية الزنزانة . جلسا... في تلك الزاوية ليتبادلا الحديث ... - أحك ِ لي أيها الغالي عن قصة أعتقالك كيف تمت ... أجابهُ السجين الجديد بعد تنهيدة طويله وتمعن قائلاً ياعزيزي أنها لمهزلة حقيقية هذه إلتي عملها معي الجبناء ، وعلى أثرها أقتادوني إلى هذا المكان المنسّي ؛ قبل كل شيئ كانت أجازتي السنويه على وشك البدء ، ومن المفترض المباشرة بها بعد يوم أعتقالي ، وهذا كله ُ من حظيّ العاثر ، لأنني كنت قد رتبت الأمور من كل النواحي لأجازة طويلة جداً (أعني الهرب ) إلى آي مكان آمن ... وربما يكون خارج الوطن إن تعذر في الداخل ، وكل شيئ كانت تحدده الظروف . أقترب منهم السجين الثالث وجلس بالقرب منهم مشكلاً نصف دائرة وهمس لهم محذراً، بأن خفض صوتهم لكي لا يسمعهم الاوباش . شكروه على ذلك وأستمروا في الحديث .... كنت في عملي المعتاد ؛ متفقداُ سير الأعمال في المشروع الذي أنتدبتُ عليه ِ كمهندس ، وإذا بساعي المدير العام يبلغني بالحضور إلى مكتبه فوراً ..... فاجبته بأنني قادم حال ما أنهي بعض الأستشارات ، كانت حينها الساعة تشير إلى التاسعة صباحـاً .... كان نهاراً مشمساً وضاء ؛ أمتلأت فيه حيوية ونشـاط معززاً تواجدي وحضوري بالعمل الجاد ملتزماً به ، رغم أن أبنتي الصغيرة كان قد آلم بها مرض ، مما حدا بوالدتها أن تذهب بها إلى المستشفى لأجل علاجها .... وما كنتُ أعرف النتائج وكان مصيرها مجهولا بالنسبة لي كمصير الوطن المريض . طرقت ُ باب المدير طرقات غريبة وكأنني أعرف ماذا سيكون ... آذن لي بالدخول فوراً .... ما زال الشرود يراودني على أبنتي ومصيرها ، معتقداً أن زوجتي قـد أتصلت به ليأذن لي بمرافقتها أو لتعلمني عن حالة أبنتي الصحية . + صباح الخير .... كيف حالك ...؟ - صباح النور ياأستاذ الحمد لله .... شكراً لك قطع شكي باليقين حين أردف قائلاً + آ ... آ ... هـا هـا هنالك ثمة شخص في الأستعلامات يسأل عنك ، وأظن أنهُ صديق شخصي لك ... حسب ما قيل لي وأعتقد أنهُ على عجل من آمره وقد جاءك لأمر هام وخاص بك .... نظرت أليه محدقاً وكان على غير عادته ، أختفت بشاشتهُ ومرحهُ وأبتسامته المعتاده والجميلة الماكرة حين نلتقي وكانت تظهر علية إمارات الأنزعاج والجدّية .... أحسـستُ حينـها بأنهُ وقع لا سمح الله شيئ لأبنتي .... - صديـق ... وتـحت ياأستاذ هذا أمرغريب أنا لا يزورني أصدقاء أثناء الدوام ... إذاً لا بد أن يكون قـد وقع شيئ مكروه . قاطعني المدير ملوحاً لي بإصبعه قائلاً ... + المهم هذا الذي حصل ، أذهب وتقصّ الآمر بنفسك ، ثم عـدّ لي لتطمئنني عـن حال أبنتك - نعم ... نعم ... قلتها بأقـتضاب ، أني ذاهب فوراً .... ولن ينال التأخير مني ، شكراً لك . خرجت مسرع الخطى بأتجاه غرفة الأستعلامات ، وتنتابني الهواجس ، وفي الذات توجسـاً غطته أفكار مقلقة ... أضطربت منها لكثرة تشابك مختلف التكهنات ... إجتمعت كـّـلها في رأسي وفي محصلة واحدة ذات سرعة متناهية دفعتني إلى الجدار والأمساك به لكي لا أسقط على الأرض ، وفي الثانيه شددت بها على رأسي الذي كاد أن ينفجر من القلق ، وحينها شعرت أن قدميّ ما لا تستطيعان تحمل جسدي المرتعش الذي أنضمت إليه قدماي . كان أحساسـاً غـريبـاً ورغبة جامحة في الوصول الفوري الى تلك الغرفة اللعينة . وفي ذات اللحظة كان بودي أن أحلق فوراً وأصل إلى حيث أبنتي لأمتع ناظري بها ، كان عليّ التماسك بقدر المستطاع والوصول برباطة جأش متحملاً أعباء تخيلاتي الكثيرة والسوداوية . آخيراً وصلت الطابق الأرضي وتوجهت مهرولا ً ا لغرفة ذات اليافطة المكتوبة ( الأستعلانات ) .
لك الشكر عزيزي القارئ الى الجزء القادم
#نبيل_تومي (هاشتاغ)
Nabil_Tomi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العائم 8
-
تهنئة للحزب الشيوعي العراقي
-
أنه لا يسعني أيها العراقي الوقور
-
العائم 7
-
حلم بيوم المرأة.... العراقية
-
العائم 6
-
العائم 5
-
العائم 4
-
العائم 3
-
العائم 2
-
العائم 1
-
كلمة التأبين لرحيل الشاعر سركون بولص
-
السياسة ..... و المراهقة
-
المرأة العراقيه ... لقد حان الوقت
-
آكتوبر العظيم ...وأحتفالنا
-
الى سركون بولص
-
من هو الأرهابي الحقيقي
-
هّي .... بقت على تركيا
-
لقاء طارئ ....مع
-
الى اليسار درّ.... الى اليمين درّ
المزيد.....
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|