|
الحب كله ايها الشاعر الجميل
رياض النعماني
الحوار المتمدن-العدد: 2236 - 2008 / 3 / 30 - 04:33
المحور:
الادب والفن
وهل الشعر غير انتباه العبارة لما فيها من خارق ولهب وافق وغيب؟ وهل هو غير الانقطاع الكلي للكلي الذي يتجلى في الجزئي ويكون الجوهر الذي لا يفنى؟ أليس هو غير ذلك الصعود والصعودوالصعود إلى ذروة النزيف والغناء على خشبة الصلب الذي يجدده غناء آخر لصلب جديد.دم المغامرة الذي يغير العالم هو الشعر.. وهو كنشاط معرفي ولغوي خلاق وعالم اعلى...أكثر رحابة وحرية وعدالة يشترط على الشاعر ان يتوجه بكليته نحو المطلق، وفي الطريق إلى حيازة تلك البرهة التي تنجز هذا الهدف المشرف، يشهد الشاعر موتا كثيرا ونكوصا فادحا واندحارات.لا تحد.. خيبات وفواجع وخسارات كبرى تليق بشرف هذه المهمة التي هي بعض من هدفيه الكون.التي لا يدركها الا المأخوذون بالبحث عن البعيد والما وراء والذي لا يقال ولا يمكن ان يقوله قول او يحده حد..
لان المحدود لا يمكنه ان يتصدى لغير المحدود، فغير المحدود يحتاج إلى فكر ولغة غير محدودين. ومرت حقب واطوار وتحولات عاصفة وفي انعطافة غير منتظرة سقط تاريخ العراق في وحل دام ظل ومنذ عام 1963 يتسع ويشتد حتى صار ليلا وهاوية يسوق الناس اليهما مجموعة من (الحقاي والسرسرية والاميين وحملة المسدسات). التي اثبتت الوقائع انها عاقر ولا تليق بمجد المواجهة او المثول و(الولادة في اللحظات الحاسمة) كما يقول لاو تسه. في هذا الارتكاس الخطير، وهذه الانعطافة السوداء كان الشعر اول (الخسرانين) وكان عليه من اجل البقاء والتقاط الفتات ان يخون رؤاه ورؤيته ويأخذ لغته من علوها الناصع وتأجهها وتفجرها الذي يبني العالم وزمنها الذي يطلع يوميا من تخوم المستقبل إلى زمن الردة والقيم الميتة وعادات الفكر المكررة. هكذا شهدنا موت المخيلة الحية وانبثاق ازمنة غابرة لا تمت إلى الحاضر او الحداثة بصلة.. حتى صرنا نألف إحياء قيم لم تكن الحساسية الجديدة والوعي العميق بقضايا العصر هي مرجعيتها المعرفية الاولى بل العشيرة التي جردت الشعر من افق المغامرة الحية الخلافة واضعة له تحديدا واحدا احدا: انه الكلام المؤزون المقفى. والذي تقدمه الينا صيغ المدح والذم والفخر بلغة تحتفي بالعدوان والحربية والضجيج والصراخ البراني المشغول عن الداخل والحلم والتأمل والمطلق الكامن في اعماق الفرد بصفاقة التصفيق وسذاجة الخارج الغبي الذي اختزل إلى نهاية جملة او عبارة مدرسية لا ترى في الكائن الذي تتوجه اليه الا سطحية الغرائز العابرة السريعة. السلطة البائدة والمتخلفة ايضا وجدت في هكذا مناخ شعري- ثقافي ضالتها ومرادها ومؤسستها التي تحميها وتدعم مشاريعها وسياستها التي لا تحترم الثقافة ولا الانسان وحقوقه فكانت- من هذا الانحطاط والتردي- للشعر وخاصة العامي منه حصة وعناية وخصيصة خاصة. شارك من خلالها اجهزة القمع والارهاب في ملاحقة الناس ومحاصرتهم وتسليط العذاب الدامي عليهم حتى في بيوتهم.. حيث الاغاني (الرداحة والمداحة) والقصائد التي تعني للموت والدماء والاشلاء والحروب في كل وسائل الاعلام (مرئية ومسموعة). خطورة ما جرى في شعر العامية يتمثل في رأيي بشيئين: الاول هو شعر الحروب والموت لا يفرض على الشاعر مهمة ان يبحث ويتجاوز نفسه باستمرار بل إلى اتقان عدة العدوان والى مستوى امي يحرسه وينجيه من اشتراطات الجمال والحس الانساني النبيل الذي تذكيه وتبلوره قيم الثقافة العالية. والشيء الثاني: انه لم تعد لهكذا شاعر قامة ولا قيمة اخلاقية تحركه او تحصنه من الخضوع للسطلة والمال. وهكذا انقلب بين ليلة وضحاها معظم شعراء هذه الموجة من مدح صدام إلى مدح الامام الحسين واضعين الكرامة كقيمة عليا للشعر والشاعر في سلة المهملات. والسؤال هنا.. اين كان الشاعر كاظم غيلان في هكذا مناخ ملوث وايام سود وعلاقات ثقافية غير مشرفة؟ كاظم كان يموت يوميا وينبعث مع العراق.. تارة في السجون وزنازين التعذيب وتارة في هباء الشوارع والامكنة المستباحة وغرف الفنادق الرخيصة البائسة التي لا يمكن ان يعتقدها المرء انها في بلاد الثروة المليارية والنفط الذي يغرق العراق. كان كاظم وحده مقاومة حقيقية وحربا شرسة تدور رحاها في الشوارع الخلفية لمدينة بغداد... يوزع القصائد الممنوعة التي ظل يستنسخها بنفسه ويهربها ايضا إلى المدن العراقية البعيدة ذخيرته في ذلك شرفة الثقافي الاستثنائي النادر ومعتقده الشعري الذي لم يكن يتنازل عنه حتى لو وضعوا.(الشمس في يمينه والقمر في شماله). كراهية السلطة الغاشمة ظلت دائماً تدفعه وحتى اليوم إلى الاستبسال في الدفاع عن الجمال والعذوبة والصداقة والوعد الذي تبشر به الحياة. جوعه ضار وعزلته دامية ووحشته لا تصدق.. وهو لفرط ما هو عليه من فقدان صار احيانا لا يرى.. قصبة ذاوية في مهب اللا شيء لا زوجة ولا زاوية ولا ام ولا اخ. اليوم وكل المبدعين الاحرار الذين باعوا شبابيك بيوتهم وآخر ما يملكون من كتبهم وهم مجد العراق الذي نزدهي به ونفتخر به ونستعين به على مواجهة قوى الاحتلال البغيض وقطعان القتلة القدامى والجدد.. يقفون باحترام كامل لتأريخ وابداع وقامة هذا المبدع الشجاع. القامة العراقية الراهية التي اسمها كاظم غيلان.. الذي لا يزال يرفع يأسه الاكيد وسخريته المريرة عالياً.. عالياً.. ويتقدم بنصاعة ضمير المثقف الحر وليس جيب السياسي التابع لمواجهة زمن القتلة.. زمن رعاة البقر الذين اعادوا العراق إلى زمن ما قبل الصناعة، والذين يفجرونه ويقتلونه ويتواطأون يوميا على موته. تحية.. ولك الحب كله ايها الشاعر الفريد
#رياض_النعماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قضية يوسف المحمداوي
-
غيبة جوري
-
نقيق الضفادع
المزيد.....
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|