أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - - ظاهرة الهجاء في الشعر المعاصر-















المزيد.....

- ظاهرة الهجاء في الشعر المعاصر-


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 2234 - 2008 / 3 / 28 - 10:23
المحور: الادب والفن
    



مقاربات نصّية في قصيدة (خوذة الشاعر) لنجم خطاوي

[1]


في صباح رمادي
مبكراً
ليس كعادته
نهض العسكري الجلف
حازماً أمره
ليكون شاعراً
مستبدلاً
خوذته الخضراء
ونجماته العسكرية
بقراطيس وأقلام
وقواميس
[2]
في الظهيرة
توهجت قريحته
قصائد عن الود
والصداقة
وكلمات مبهمة
عن العدالة
التي لم تسد
وبعض الهذيان
[3]
في المساء
خط لنا
قصائد أخرى
عن النزاهة
والضمائر
التي ماتت
والوطن المنهوب
المسلوب
[4]



في منتصف الليل
داهمه الأرق
فانتفض غاضباً
لاعناً الحروف
التي استعصت
والكلمات
التي امتنعت
لائذاً بنجماته
الذهبية الصفراء
وخوذته الخضراء
[5]
في منتصف الليل
وحيداً
في الغرفة الكبيرة
الموصدة الأبواب
وقف العسكري
حزيناً
ملتحفاً
بدلته الكاكية
لاعناً الشعر
والشعراء
وذلك الصباح
الرمادي.
السويد - 2005

الشخصية الأكثر حضوراً وهيمنة في تاريخنا وحياتنا هي شخصية الجنرال، بمختلف أبعادها واستحالاتها وانعكاساتها، النفسية والاجتماعية والسياسية والعسكرية. وإذا أردنا تقصي زوايا الكارثة التي لا نزال نعيشها أينما كنا من البسيطة، نجد العامل الرئيسي وراء كل ذلك، "الجنرال" . أدبياً.. يرجع الفضل لأدب أميركا اللاتينية في اكتشاف شخصية (الجنرال) ولاسيما روايات ماركيز [خريف البطريرك (و) ليس للجنرال من يكاتبه]، والتي مثلت نقطة تحول في أدب أميركا اللاتينية والعالم الثالث وصولاً للأدب العالمي. لقد تعرضت أميركا اللاتينية للاحتلال والمسخ منذ القرن السادس عشر، أسوة بالشرق الأوسط ومنطقة الخليج وجنوبي آسيا. وجرت عليها سيناريوهات المخابرات المركزية الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية في سلسلة الانقلابات العسكرية ذات الأقنعة الوطنية والقومية. وهنا لعبت العقلية البنيوية والذات المنطلقة دوراً في خصوصية التعامل مع الواقع وتأويله عن الأدب العربي الذي لم يتجاوز إطار [عسكر وحراميه] . غير ذلك بقيت شخصية [العسكري / الجنرال] مموّّهة أو مغيّبة في مدونة الحرب والكارثة العراقية منذ بداية الثمانينيات. مقابل شيوع مهيمنات إسلوبية وثيمية مكررة، في إطار "المغامرة" اللغوية. ان التوقف لدى شخصية (الجنرال) وتفاصيلها يأتي في إطار "تفكيك" الحالة العراقية وفك تشابكاتها الواهية لتمكين رؤية حقيقية لتلك الديدان التي أفرزت سمومها وحوّلت الحياة العراقية إلى جحيم لا يكفّ عن التناسل. والمقصود هنا اتباع نوع من الفرز التخصصي في تحديد العوامل والظواهر. تفصل بين العسكري والسياسي والحزبي والإداري. لقد توفرت إشارات مختلفة (له!). لكن الطابع الشمولي (له) والتصوير العمومي قاد إلى تجاوز الخصوصيات وبالتالي الطفر على الواقع المحلي والخاص إلى تناول عام يمكن تصوره في صعد مختلفة، تترك الحالة المحلية في نزيف متصل. تجاوز المحلي هنا صورة من صور الهروب وتجاوز الواقع، وملامسة لأشكاليات قد لا تخدم النص. من هنا تعني ضرورة التحديد عدم تجاوز الخطوط لتشديد صورة الاستحالة. وهنا يمكن المقارنة بين نصين من داخل الواقع. النص الأول هو قصيدة [العنكبوت] للشاعر رعد عبد القادر نشر في صدر الصفحة الثقافية لجريدة الثورة البغدادية ذات يوم ثمانيني. نشرت القصيدة في أعلى الصفحة على عمودين والعمود الثالث تخطيط فني. ودلالة العنكبوت المعلق على الجدار وسلطة الخوف التي ينشرها (صموت .. لاموت) المهددة بالانقضاض والمنتهية بحالة الصمت [المطلق] واضحة للمتلقي. النص الثاني مروي غير مكتوب، تمثل في شهقة (ملغزة) ظهيرة يوم تموزي من عام 1985 في قاطع نفط شاه [لمع 80- ف2] إذ وقف المسؤول الحزبي للوحدة (أبو دريد) أمام ملجأ (قلم) الفوج وكان يحفل بجملة من خريجين مثقفين [(كذا) من عبد الكريم قاسم.. لو مو هوّه شخلانه احنه بهاليوم!]. قالها وانتظر وأعادها ثانية وانتظر ثم ذهب في طريقه دون أن يجازف أحد مجاملته المهلكة تلك. ينفتح كل من النصين على دلالات متعددة، وكل منهما موشح بمباشرة مموّهة، يهمنا منها الاشارة المباشرة للنص الأخير لدور العسكر في السلطة والحرب، التي قادت (حدئذ) كل المساعي والوساطات الدولية إلى دكة الفشل واليأس. لقد كنا جميعاً تحت رحمة العسكر (الخاكي). من آمر الفصيل والسرية وآمر الفوج واللواء حتى قادة الفرق والفيالق والدفاع والقيادة العامة للقوات المسلحة ورئيس هيئة الركن الممثل برئيس الجمهورية (الشمولي). وكان على الجميع ارتداء تلك البدلة الخاكية ضباطاً وضحايا. ولكن الفرق في التفاصيل. في دخان هذه الأجواء يجدر الاشارة إلى نصين آخرين ، أحدهما قصيدة (عندما أصبح رئيساً) لوحيد خيون، والثانية قصيدة (هابطٌ كالجبل صاعدٌ كالوادي) لفضل خلف جبر. تتناص كل من القصيدتين في معظم مفاصل الخطاب مع فارق اتجاه الخطاب أو التقنية. فالأولى شعر تفعيلة بصيغة المتكلم كما يظهر من العنوان، يخاطب فيه الـ(رئيس) شعبه بلغة تتفاوت بين الديماغوجيا السياسية والسخرية القاتلة، بينما تنتسب الثانية لقصيدة النثر وتعاكس الأولى في اتجاه الخطاب (من الأسفل نحو الأعلى). تعبر الأولى عن نزعة القدرية والتسليم وانعدام البديل، بينما تؤكد الثانية بالمقابل مبلغ اليأس والقنوط جراء عدم انجلاء الوضع وبلغة لا تخلو من سوريالية جارحة. بتقنية مختلفة وخطاب مختلف تماماً تأتي قصيدة (خوذة الشاعر) لنجم خطاوي النابعة من فضاء آخر، لا يصل حدود السياسي أو يدخل في تفاصيل إشكالية معتمداً درجة من التجريد العالي والاقتصاد في استخدام المفردات والصور.

(دوران) معمار القصيدة..


تتكون القصيدة من تسعة وأربعين سطراً، انتظمتها خمس وتسعون كلمة، توزعت على خمسة مقاطع وحسب التوزيع التالي..


المقطع عدد الأسطر اجمالي المفردات سطر/ مفردة س/ مفردتان س (3) مفردة



الأول............ 11 ...............21................3..............6 ................2.



الثاني............. 8.................17................1..............5.................3.



الثالث.............8.................14................2..............6.................0.



الرابع............10................22................1..............8.................1.



الخامس..........12...............21.................5..............5.................2.



المجموع........49................95................11............30...............8.







تفاوت عدد المفردات في السطر من (واحد) إلى (ثلاثة). أي أن أطول سطر يتكون من ثلاث كلمات، بضمنها الحروف [في ، عن].



زمان القصيدة يوم واحد، يتوزع على تقسيمات النهار الرئيسية، الصباح- الظهيرة – المساء – منتصف الليل. والمكان في القصيدة ثابت هو [في الغرفة الكبيرة].



عدد المفردات المتعلقة بالجنرال (العسكري) (ثلاثة عشر).



عدد المفردات المتعلقة بالشاعر (ثلاثة عشر).



عدد الأحرف (إثنا عشر)، انحصرت في [في – عن – الباء- ليس].



ظرف الزمان (سبع مرات).



ويمكن الملاحظة من خلال هذا التفكيك نسبة تكرار المفردات داخل النص، وبشكل لا يقل عن مرتين في الأقل، وهذا يعني ان اختزال التكرار يخفض عدد المفردات والأسطر إلى النصف في أقل تقدير.







المعالجة المختبرية..



أقرب شيء إلى ورشة الشاعر نجم خطاوي هو المختبر، وتعامله أقرب إلى تعامل الكيمياوي أو البيولوجي الذي يعتمد المراقبة، وينحصر عمله في إضافة عناصر محددة إلى دورق الاختبار ومراقبة النتائج، ثم يختزل العناصر المضافة ويلاحظ النتائج. هذه العناصر الثابتة كجزء من (أدوات العمل). وهي [خوذة خضراء – نجمات صفراء – بدلة كاكية– عسكري جلف / دفاتر – قراطيس – قواميس – قريحة – كلمات – حروف – شاعر] في مكان آخر نجد كومة أخرى من عناصر [ الودّ – الصداقة – العدالة - النزاهة – الضمائر - الوطن]. فمع تحديد زمان ومكان، وحالتين مجردتين [عسكري - شاعر]، جاءت إضافة حالة ثالثة، استفردت المقطعين الثاني والثالث، وقامت بتعويم الحالتين الأصليتين، وترك سؤال مفتوح، فيما إذا كان ثمة رسالة محددة، ومن هو المقصود بها ، العسكري أم الشاعر. ثمة خوذة، وثمة شاعر. وثمة (وطن مسلوب). من هذا المنظور تتكافأ المعادلة بين الأثنين. وما ينصرف إليه الذهن، من تقمص الجنرال لصفة الشاعر للتخفيف من وقع هزائمه أو كوارثه أو مسؤوليته في (ضياع) الوطن، انما هو مراوغة، صارت تتجه بأصابعها إلى الشاعر، الوجه الثاني للجنرال. وما يفصل بينهما/ كحالة انفصام شيزوفرينية مزدوجة ، بين الشاعر والانسان، وبين الجنرال والانسان، هو تلك الكلمات الستة، [ودّ ~ نزاهة~ صداقة ~ ضمائر ~ عدالة ~ وطن]. سقوط أي مفردة منها سوف يخل بالمنظومة كلها. بل يخل بالمعادلة الأساسية، ويخرج كل منهما ، الجنرال والشاعر، عن المعادلة.



التأويل (فكرة التقمص)..



ثمة شخص يعاني من وطأة وضع نفسي معين، قد يكون كابوس أو حلم مزعج، تحول إلى نص شعري. بتأثير من حالته (النفسية) أو (الحلم)، يتقمص الشخص [ضابط سابق في الجيش العراقي أيام الحرب، بدلالة الخوذة الخضراء] شخصية (شاعر) ، يتأبط دفاتر وأوراقاً، يباشر نهاره كالعادة مع الصباح.. حتى الظهيرة يكتب أشياء عن [الودّ والصداقة والعدالة و(الهذيان)]، حتى المساء يكتب (لنا) عن [النزاهة (المفقودة) والضمائر (التي ماتت) والوطن (المنهوب المسلوب)]. في الليل يحاصره الأرق. في منتصف الليل، يعود ليلوذ بقيافته العسكرية ونجماته الصفراء وخوذته الخضراء من (إرهاب) الكلمات والأفكار التي تتناهشه. وينأى بنفسه عن عالم الكلمات والأفكار والمشاعر. ويلحظ هنا دقة تعامل الشاعر مع المفردة وتوظيفها. ففي المقطع الأول يفتتح الحالة بالقول [حازماً أمره ليكون شاعراً] وهو تعبير عن النزعة العسكرية التي تتعامل بالأوامر والحزم. وفي المقطع الرابع [فانتفض غاضباً - لاعناً الحروف - التي استعصت – والكلمات - التي امتنعت.] فالعسكري لا يسهر من أجل مفردة أو صورة أو فكرة أو شعور يؤرقه، وانما يأمر الكلمات والأفكار والصور أن تحضر بين يديه وتستلقي بين دفاتره وعندما تستعصي أو تمتنع يدرج عليها أنواع عقوباته ولعناته. بالمقابل وردت عبارة [توهجت قريحته] في المقطع الثاني كتعبير شعري. كما يلحظ استخدامه لفظة [ملتحفا] بدلته، في المقطع الأخير.



ان ميل الشاعر للتكثيف وتقليل عدد المفردات في النص يتيح له التركيز على المعنى وتشذيب النص من التشظيات والزيوغات. ورغم طابع التجريد والمباشرة الذي قد ينعكس على النص إلا أنه يعود بالمقابل بخدمة استثنائية على النص قلما تتيسر في نصوص أخرى مترهلة ومتشظية في اتجاهات شتى. اكتفى بكلمات قليلة للدلالة على [الانسانية] وكلمات مثلها لربط الدلالة بالوطن وما جرى له من نهب وسلب وبدون تحديد (محلي أو عالمي).



من الناحية النفسية انسجمت مقاطع القصيدة مع الحالة أو طبيعة المشهد المفترض، وأفاد الاقتصاد في المفردات لمنح التعبير حدية وتركيزاً أكثر. ناهيك عن النمو الداخلي في بنية القصيدة. في المقطع الأول يتحول العسكري إلى شاعر. في المقطع الثاني تتوهج القريحة وتتقدم أفكار (إنسانية) عامة، تتسم بالضبابية والتمويه وتنتهي بالهذيان. في المقطع الثالث تنمو تلك الأفكار وتتحول من الهذيان إلى سوداوية والتشاؤم، معلنة (موت) الضمائر والنزاهة، ومفهوم نهب واستلاب (الوطن). وبالتالي استمرار النمو النفسي الداخلي لجوانيات الواقع العراقي وتفاصيله السوريالية متحولة إلى حالة من الأرق في المقطع الرابع، وفي المقطع الخامس يلعن (الأفكار) ويلتحف (يحتمي) ببدلته العسكرية. ولفظة (ملتحفاً) تحمل دلالة النوم، وبعد استبدال قيافته بأوراق ودفاتر في المقطع الأول، يعود لاستبدالها أو استخدامها كأغطية و[لحاف] يستدفئ بها ويخلد للنوم.







دلالة العنوان..



ويبقى هناك أثر للمراوغة بين شخصيتي [الشاعر والعسكري]، ربما أريد بها التدليل على [هيمنة] العسكري، عندما نسب الخوذة (للشاعر) في العنوان، بينما حاول أن يتنصل منها داخل المتن عندما استخدم وصف (عسكري جلف). لقد أراد الجمع بين الاثنين، فأخذ (جزء) من العسكري، بينما أخذ من (الشاعر) كلّه. وهي قسمة غير عادلة. ثم عاد وعالج الموضوع بطريقة أخرى واضعاً – جزء العسكري (فوق) - كلّ- الشاعر. فالخوذة تغطي (رأس) الشاعر الذي هو مركز التفكير والمراقبة والتصور والايعاز، وهو تحت هيمنة (جنرال) الحرب. لو كان (الجزء) العسكري هو - بدلة- لاختلف الأمر، فالجسم هو أداة الحركة النسبية لدى الشاعر، ولو كان الجزء هو (بسطال) لاختلف الأمر لأن دلالة القدم محدودة وتنحصر ربما في الهروب في الحرب. ولكن الاشكالية أن يتولى (جزء) من [العسكري] التحكم التام بالشاعر، وبالتالي بالعملية الفكرية والثقافية. بالتاكيد تتطابق هذه الصورة مع نظرية (مجتمع) حرب التي أنتجت حالة في طريقها للترسخ، ولكن التسليم أو الاذعان ايغال في (الهاوية) بالمفهوم الذي ترددت به لدى حسن مطلك ونصيف الناصري. وهو أمر لا ينحصر في النص هنا انما في الواقع الذي يترجمه. المراوغة تمثلت في طريقة الاضافة، إضافة الخوذة (إلى) الشاعر وكأنها جزء منه، بينما الخوذة جزء من (العسكري - الجنرال). يقول عبد الأمير جرص في واحدة من انتباهاته : [هذا المضاف إليّ، كيف أجرّه؟.] هذا سؤال الشاعر الذي يجرّ الـ(خوذة)، أم سؤال الخوذة التي تجرّ (الشاعر).



دلالة الخوذة تتجاوز دالة العسكر إلى [الفوق]. الخوذة سقف، الخوذة غطاء، الخوذة سماء. وتحت هذه [الخوذة~ الغطاء~ السقف~ السماء]، يركن (شاعر). الخوذة سلطة، ربّ نعمة، قداسة، أفق. والشاعر محكوم بالتبعية لها جميعاً. وفي عنصر التبعية (إلغاء) للحرية ، والحرية شرط الابداع. لا ابداع بلا حرية ولا تقدم بلا ابداع. هذه دعامة مشدودة من الطرفين، المجتمع والابداع، المجتمع والشاعر، وباختزال الحرية، انحراف الاثنين. معادلة العنوان غير المتكافئة حسمت فكرة الانفصام والازدواجية. هل الشاعر والعسكري اثنان أم واحد. هل العسكري يقيم في الشاعر أم الشاعر يقيم في العسكري. وهنا تنفتح مفردة (العسكري) التي استخدمها الشاعر بديلاً لمفردة (ضابط) أو (جنرال)، ولأن تصوره الداخلي لا ينسجم مع مفردة (جندي) التي تطلق في الغرب على كل منتسبي الجيش، لن الجنرال نفسه ليس سوى جندي يستلم أوامر من (ما فوق). فتتماهى دلالة الجندي مع الجنرال في الفهم الغربي. لكن الجندي (العراقي) كما تجسّد في مدونة الثمانينات الأدبية [نصيف الناصري تحديداً] هو رمز للضحية (الشمولية). ما يقتضي هذا الاستطراد (توجس) الشاعر من استخدام مفردة (جنرال) الأوضح تعبيراً، و(ترفعه) عن استخدام مفردة (ضابط) تلك الماكنة الاوتوماتيكية لاصدار الأوامر، أوامر الفعل والنهي. [ليس واكَف، ليش كَاعد، شتسوي اهنا، وين اتروح، وين جاي، شنو بيدك، وين عريف فصيلك، وين ملازم فلان]. ثمة [تقزز] داخلي خلف هذا العدم استخدام لم يستطع التغطية عليه فاندلقت صفة (جلف) لتبدو وكأنها جزء من سمت العسكري (الضابط) بدلالة النجمات الصفراء. بالمقابل قولب البعض مفردة (جنرال) للتغطية على مغزى محدد كما في رواية (عو) لابراهيم نصرالله وبجاهزية معلنة في نصوص بعض الذين كانوا داخل المؤسسة وحاولوا التنصل منها بعد الخروج. في كل الاعتبارات تبقى دالة [الجنرال- الضابط] في النص الأدبي أدنى للشتيمة منها إلى غير ذلك. ومن هذه الزاوية تحاشاها الشاعر. ويأتي هذا (التحاشي) تعميقاً لموقف الازدراء والادانة المبطنة التي يقدمها النص لوضع معين، يتأرجح بين الحالة العامة التي تستوعب كل الانثيالات والتناصات في تشابكاتها وتعالقاتها اللانهائية، وبين الحالة الخاصة المحددة في خطاب أحادي شخصي، كان مدعاة لاستيلاد هذا النص، لأن إقسار شخصية الجنرال على قطاع عسكري أو سياسي أمر لا ينسجم مع المنطق، وعدم تصور (جنرال) في الشعر أو الأدب والثقافة، أمر لا يتفق مع الواقع. جنرال لا يزال يمارس التهميش والتغييب والتصفية الأدبية أو الأخلاقية ضد الآخرين، لتثبيت نظرية الفحل الأوحد التي ترى [عند حدودي أنا ينتهي الأدبُ]. وبالتالي تقدم (خوذة الشاعر) نص هجاء [غير معلن] في قصيدة نثر معاصر، مما تقتضي معاودة قراءتها الآن برؤية مختلفة، تحمل (الشاعر) الفلاني مسؤوليته في سيناريو (التشويه)، على بساط (موت) الضمائر والنزاهة وقيم الصداقة والعدالة والود والوطن، والتعلق بالتعابير المموهة والهذيان. وكما ابتدأت القصيدة بحالة (مرفوضة) مستهجنة لشاعر جنرال معجب بلمعان نجماته الصفراء تنتهي القصيدة بلعنة (الشعر والشعراء) بانسجام البداية والنهاية. واللعنة هنا مكافئة لقرار (إلغاء) هم بالمنطق العسكري. بيد أنه يمكن الاستدلال باللعنة إلى تأكيد رفض الشاعر (صاحب النص) لحالة الشاعر الضابط الجلف فتتحدد اللعنة على تلك الفئة.
تقدم القصدية والوعي..
في هذه القصيدة كما في قصائد أخرى، يتضح دور التخطيط وتحديد الأهداف والتقنيات النصية قبل البدء بالعمل وأهمية ذلك في اخراج نص متحرر من زيغ العاطفة وحشو الأفكار، ويؤكد دور الوعي وسبق الاصرار والعقل في انتاج نص يصل إلى المتلقي دون أن يضيع في منعطفات التفاصيل. وإذا كانت طبيعة المعالجة والتوظيف والتقنيات تعكس جانباً من شخصية منتج النص، من زهد في الكلام أو العلاقات أو التكرار، فهو يستدل كذلك في قلة ما ينشره، واستنفاده مدة أطول في التأمل والمراقبة ويتطلب مقدرة على الصبر والمجالدة.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة [الوعل].. دراسة صوتية – سوسيولوجية في مادة الأسى
- أيام سائطة..
- أحلام مكّيسة
- المرأة العربية.. خطوات جريئة إلى أمام (2)
- المرأة العربية.. خطوات جريئة للامام.. (1)
- ضفاف داخلية
- صورة تخطيطية في حديقة
- النون : أيّ سرّ في هلالك وهلاكك؟
- اليسار والدمقراطية.. أوزار التاريخ والجغرافيا
- قصيدة [الوعل]لوسام هاشم.. دراسة صوتية – سوسيولوجية في مادة ا ...
- استحالات عدنان الصائغ
- ن تقاتل بلا أمل/ يعني أن تقاتل الحشيش
- فراشة سوداء
- الرصافي الخالد
- لزوميات نصيف الناصري
- صراع الذات والآخر في قصيدة داليا رياض (تطيش نحو السماء)
- - كفى تناسلاً أيها الخراب!-
- المرثاة في الشعر المعاصر
- عن المرأة والمدينة في ظل التحول الاجتماعي
- الشعر.. الرؤية الكونية.. وبشارة الحاضر


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - - ظاهرة الهجاء في الشعر المعاصر-