أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلام صادق - تاريخٌ من المفارقاتِ والاوهام















المزيد.....

تاريخٌ من المفارقاتِ والاوهام


سلام صادق

الحوار المتمدن-العدد: 2229 - 2008 / 3 / 23 - 08:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ان تدوين تاريخ الولايات المتحدة يجب ان لا يُعنى برؤسائها فقط ، وان لا يقتصر على دراسة سلوك اداراتها السياسية المتعاقبة ، هذا ما يؤكده المؤرخ الامريكي هاوارد زن في كتابه الذي بيع منه قرابة مليون نسخة في الولايات المتحدة لوحدها ، فتاريخ كل امة مليء بالصراعات بين الطبقات العليا المرفهه والطبقات الدنيا المسحوقة ، بين الراسماليين والمستعبدين (بفتح الباء) يقول المؤرخ زن ، ثم لا يلبث ان يتساءل ، فالى متى ستبقى ادارات هذا البلد تتكتم على حقائق ناصعة وتعمل على طمسها ؟ حقائق تعني اشاحة النظر عنها تشويها للتاريخ الامريكي ذاته واغماض العين عن الجزء الاعظم والاهم من مجريات احداثه.

ففي عالمنا المليء بطعم الدم ورائحة الصراعات ،عالم الجلادين وضحاياهم ، يكون لزاما على المرء ومايصنع او ما صنع من افكار ،ان لاينحاز فيها الى جانب الجلادين .. ان هذا الاقتباس الغني بمعانيه من البرت كامو ، والذي اعتمده المؤرخ الامريكي هاوارد زن كتوطئة ،حين تصدى وبجرأة الى حقائق مهمة ومطموسة تتعلق بالتاريخ الامريكي ، الذي ينظر زن الى مجمله نظرة تشوبها الشكوك وتطالها الريبة ،، ومن زاوية نظر الطبقات المسحوقة والمقموعة وليس باطلالة عابرة من افق الجلادين الملون بمصالحهم واصحاب السلطة كما هو متداول وسائد
ففي عالم زن المغاير لما عداه تكون الطبقة المسحوقة ليست هي من تحتل موقع الضحية دوما ، وانما هي من تتبوأ موقعها في صناعة التاريخ ايضا ، فمن خلال مراجعته لعدة مئات من السنوات ، التي تشكل عمرالتاريخ الامريكي القصير نسبيا ، يعتقد زن بان الطبقات المسحوقة والفقراء من العمال والناس البسطاء والمستعبدين هم من قاد المعارضة ضد من تبوأ المراتب العليا في المجتمع وفي الادارة من المهاجرين الاوربيين البيض من الطبقة العليا في المجتمع والتي هي في غالبيتها من الانكلوسكسون ، والتي كانت قد استحوذت على مقدرات القارة المكتشفة حديثا ، بل وسخرت حتى البشر لتحقيق مصالحها، ورغم هذا فان نضال المسحوقين والفقراء الذي مثلوا المقاومة وتصدوا للمد الاوربي الابيض ، اركن في الظل وتم التعتيم عليه ، لابل ان الانحياز في اصدار الاحكام ذهب الى ابعد من هذا في جعل السمتعمرين الاوربيين انفسهم هم اصحاب النضال الحقيقي من اجل التحرر، في وقوفهم بوجه الكولونيالية البريطانية ونزوعهم الى التحرر من ربقتها، رغم ان نضالهم ذلك كان مكرسا للحفاظ على مصالحهم كما هو معروف ،ولهذا فان مايسمى بالثورة الامريكية يعتبره زن نتاج عصيان هؤلاء ( الاسياد) وتمردهم على التاج البريطاني ليس اكثر ، ومايرافق هذا من اهمال وطمس للجوانب الاخرى من الصراع الذي كان جاريا ، وبهذا فقد تم تجيير ( الثورة ) باسمهم وتم حرف النضال الطبقي والنضال التحرري عن مساره ولحق من جراء هذا غبناً تاريخياً بالمسحوقين والفقراء من ابناء القارة الاصليين وذلك بسرقة نضالاتهم المريرة في وضح النهار والصاقها بآخرين
ان التاريخ الامريكي المعاصر دشن بحرب ابادة ، ونشأ وتواصل وتفاقم في ظل صراع طبقي دموي ، هذا الصراع الذي يتم انكاره من قبل الثقافة الخرافية السائدة آنذاك والتي بعثت الان من جديد مع دخول مرحلة العولمة والقطب الاوحد وتم تصديرها عنوة وبقوة السلاح الى خارج حدود امريكا هذه المرة ، وهذا مايبعث على الخوف حقا ، من ان تطال عملية التشويه ايضا ثقافة وتاريخ شعوب وبلدان جميع القارات على المدى البعيد
ان امريكا الرسمية تود ان تنظر الى نفسها بمرآة نفسها متبرجة كأمة واحدة قاهرة ، فكبيرهم هنري كسينجر يقول بان التاريخ هو الذاكرة الجمعية للدول ، وضد هذه الخرافة يقف زن لينقضها باعلى صوته وببراهينه المعيوشة والممررة بتجارب مستمدة من على سطح
كوكبنا وليس من على سطح المريخ ! حين يقول بان الامم والدول لايمكن ان نسبغ عليها صفة هرمونية مشتركة وجماعية ، فتاريخ هذه الامم نفسها مليء بالازمات والصراعات بين السادة والعبيد ، الراسماليين والعمال، المستغليين والمستغلين ، وما يستتبع ذلك من تمييز يصبغ هذا كله حسب العرق والدين والجنس ، من اجل تجزئة واضعاف المعارضين والرافضين ، تهميشهم وعزلهم عن عملية صناعة الاحداث الكبرى في بلدانهم
هذه هي سمات التاريخ الذي اراد زن تناوله وزوايا النظر التي اعتمدها والتي تشكل نقيضا موضوعيا لما رآه واعتمده ونظّر له هنري كسينجر ، وقد صيغت طروحاته هذه على شكل كتاب ، استحوذ على عقول الكثيرين من الذين اهتموا بكتابة التاريخ الامريكي ومن مشارب واتجاهات متناقضة
ان طرائق الكتابة التقليدية للتاريخ الامريكي حين تصدت لعملية استقلال امريكا عن الكولونيالية البريطانية ، اسبغت عليها صفة الثورة بالمفهوم الشائع للثورة ، لدرجة ان الرئيس الامريكي جون اف كيندي ، كان ( يعمّد ) الثورة التي جرت في بلده ويعتبرها الاب الشرعي للثورة العالمية ، والتي يصح ان تكون نموذجا تحتذي به ( الامم الصاعدة) في قارتي آسيا وافريقيا من اجل نيل استقلالها من الكولونيالية الاوربية حسب رأيه .
ان هذا التوازي او التماثل المفترض بين التجربتين او قل بين الاستقلالين الامريكي من جانب والافروآسيوي من جانب آخر ، لايمكن اعتماده او الركون اليه اطلاقا حسب المؤرخ زن ، نظرا للفروقات الواسعة بينهما والتي تصل احيانا الى درجة التناقض في اساليب العمل النضالي والنتائج المتحققة من وراءه
ولتسليط الضوء على ماذهب اليه زن وعمل على تاصيله ، يقول لم تكن هنالك طبقة اجتماعية جديدة صاعدة استحوذت على السلطة في المستعمرات الامريكية الثلاثة عشر حينما قام المنتفضون عام 1776بانتفاضتهم التي دشنوها بتمزيق ونثر حمولات الشاي والبضائع الاخرى على ارصفة الميناء في بوسطن ، احتجاجا على الضرائب التي فرضها عليهم التاج البريطاني
فقد كان هؤلاء المنتفضون وقادة الانتفاضة والذين خططوا لها وبادروا اليها هم ابناء الطبقة الغنية من المستوردين ومالكي العبيد ، واصحاب رؤوس الاموال الذين رفضوا الاذعان لشروط السلطة الكولونيالية دفاعا عن مصالحهم الخاصة ، وهم وإن كانوا يطالبون بالحرية فانما كانوا يطالبون بها لانفسهم فقط ، وبضمنها طبعا حرية الاستمرار في ممارسة حرب الابادة ضد السكان الاصليين واستعبادهم ، حتى وان اقتضت هذه الحرية اندلاع حرب اهلية طاحنة كما حصل ، فقد احتج هؤلاء انفسهم على التاج البريطاني الذي حاول وضع تشريعات لحماية الهنود الحمر خاصة في المقاطعات الغربية من البلاد
في عام 1976 وحين احتفلت الثورة الامريكية ( التي اصطلح على ثوريتها تواتراً ليس إلاّ ) بمرور200 عام على انبثاقها كان هنالك مسارا آخرا موازيا وماثلا في الاذهان الا وهو مسار نظام ايان سمث العنصري ، والذي استحوذ على السلطة من خلال عصيانه المعروف ضد التاج البريطاني ايضا ، حيث هذا الاخير الذي استلهم وتماهى مع الارث والتقاليد العبودية التي تركها مالك العبيد جورج واشنطن ، فلا احد من هذين الاثنين عبر بنضاله ( ضد الكولونيالية ) عن تطلعات غير البيض من السكان ونزوعهم نحو الحرية والانعتاق !
ان الديمقراطية الامريكية ( الناضجة) الآن تحضى بانتقاد هاوارد زن فيقول ( ان ديمقراطيتنا لاتعدو عن كونها اسما فقط ) مقتبسا قول هيلين كيلر ، الكاتبة العمياء الصماء البكماء التي خاضت نضالا شجاعا من اجل اعلاء شان الثقافة والارتقاء بالوعي ، رغم تعويقها الشديد
ان كتاب زن المعنون ((تاريخ الشعب الامريكي / السلطة والمواطنة من كولومبوس حتى كلنتون )) في احسن معانيه كتاب لايفقد اهميته مع الزمن ، فمؤلفه مؤرخ معروف ، مارس النشاط السياسي في الشطر الاعظم من حياته ، وحين اراد ان يكتب مذكراته ذات يوم ، دهمته خيبة امل مريرة لانه لم يكن يعكف على تدوين يومياته ، لكن ماخفف من حزنه هذا اقتناعه بان مايعادل يومياته اضعافا مضاعفة وبصورة اكثر تفصيلا تتوفر عليه الشرطة السياسية الامريكية في : أف بي آي
ففي هذا العالم الصاخب والصامت، تصبح اشياء من هذا القبيل غير ممكنة او حتى غير مستحسنة ، لكن معادلة حب / كراهية زن لامريكا كان من الممكن ان تمنحه القدرة الذاتية على اقتطاع اجزاء مهمة من حياته واستعادتها من براثن هؤلاء ، وان كان على شكل وثائق سرية تتناول أدق تفاصيل حياته هو ، حتى وان قام بها آخرون ياتون بعده ، كانوا يحسبونه عدوا في حياته ، كما حدث لمؤرخين وكتاب ومبدعين امريكيين آخرين تمكنوا في آخر ايامهم من الاستفادة من هذه الرقابة البوليسية الصارمة التي طاردتهم كظلالهم حتى القبر ، حقا ان لامريكا تاريخا يعج بالمفارقات لانه لم يكتب بصدق وبتجرد يقول المؤرخ الامريكي زن في نهاية المطاف.!



#سلام_صادق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معلقة 1 : دمنا على أستار الجنون
- تشذيب المكائد للخروج من شرانق الغواية
- سركون
- وردة دمٍ لوحش المدينة
- رحيل آخر الكبار
- الحرية صغيرة لاتفهم ما اقول
- دوماً على الحافّة القاطعة للطريق ، الحافّة القاطعة للسان ، ا ...
- بهم الينا بتناسخهم المفضي للاندثار
- قصيدةٌ واحدةٌ لصديقينِ اثنين شاعرٍ وناقد ، لكلٍ منهما نصفها ...
- وهكذا تجري الأمور
- لا أحدَ يجيء بزنبقهِ بغدا ...
- هشاشة الدهشة /4 ... عراقيامة ديموزي
- إنحناءةٌ للصعودِ الخَطِرِ
- ما فتأ الكبار يرحلون بصمت
- الازدواجية الاخلاقية وحقوق الانسان
- في زمن الفراشات
- رُبّ ضارةٍ نافعة
- بيان لاعلاقة له بالسياسة الوصايا العشر في كتابة الشعر او ار ...
- جيفارا عاد .. افتحوا الابواب
- الحوار المتمدن : خطوة واسعة نحو طموح اوسع


المزيد.....




- لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق ...
- بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
- هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات- ...
- نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين ...
- أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا ...
- الفصل الخامس والسبعون - أمين
- السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال ...
- رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
- مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلام صادق - تاريخٌ من المفارقاتِ والاوهام