|
أين الكتاب العربي ؟
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 2228 - 2008 / 3 / 22 - 01:33
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هذا السؤال على بساطته يتضمن مفهوم النقلة الإيبستيمولوجية في وجاهته وإهميته ، فهو يُشير إلى طبيعة الثقافة السائدة في الوطن العربي وطبيعة الإنتاج الفكري والمعرفي لدى كُتابه ، وفي الوقت نفسه هو تنبيه من جانب للتحري عن العقل العربي عن دوره وعن ماهيته ، ولماذا هذا الإنكماش الظاهر عليه وسط عقول الجماعة البشرية الأخرى ؟ . إذن فهو سؤال معرفي يحاول تدارك مافات والعمل من أجل تصحيح حركة الإنتاج المعرفي والعلمي والثقافي ، وطرد كل ماهو عامل في تقهقر الثقافة العربية ، وهذا يلزم : أولاً : نقد الذات من خلال نقد العقل العربي ومتبنياته القديمة التاريخية والخبرية والتشريعية والعقدية . وثانياً : نقد الموضوعات التي شكلت وعينا التاريخي والقيمي ، من خلال تفكيك بنيتها التراثية التي قامت عليها . وثالثاً : الفصل بين الدين وبين قضايا العلم ومسائلة ، وإعتبار الدين منظومة خلقية ليس إلاّ . ورابعاً : الخروج من هيمنة تاريخ الملل والنحل الذي أثر فينا وفي طريقة فهمنا للواقع الذي نعيشه .. * وهذه العملية إجرائية وحاسمة في تحديد أولويات مايُمكن وما يجب عمله ، نعم إن عملية النقد بنيوية وواجبة لمجمل النظام المعرفي لدينا نحن العرب ، من خلال فك الإرتباط بين السياسي والديني تلك الثنائية الضاغطة على وعينا وفكرنا مما خلق التوتر والتعصب والتكلس الفكري والإنزواء القيمي الذي يعيشه العقل العربي في وجدانه وضميره . ولكي نحقق هذه المعادلة يلزمنا الإعتراف بأهمية منظومة القيم في العدل والحرية والسلام ، التي هي قواعد مؤسسية في التنمية الفكرية والإنتاجية في الحاضر وفي المستقبل . * كما يجب خلق عقل عربي حيوي وفاعل في قدرته على ردم تناقضات تاريخنا المشوه الذي جعل منا أنصاف بشر ، تاريخنا الفرقي المليء بكل ماهو قبيح سواء في تركيبه أو في إختلاط قضاياه ومسائله ، و حتماً نحن نُشير لما هو سائد وحاكم على ثقافتنا وخطابنا المقرؤ والمسموع ، والذي قلص وبشكل واضح دور الإجتهاد العقلي العلمي ، مما جعلنا نجتر موضوعات أنتهى أوآنها سواء في قضايانا المعيشية أو العملية ، وهذا الإجترار نلتقيه في كل مسائل - الفكر الإسلامي - . فالكشف عن الصواب وعن الخطأ في قضايانا الفكرية هو تحييد لسلطة - حكم من سبق - الرائجة في كتب أهل التراث وأدبياتهم . * صحيح إن بنية العقل العربي بسيطة وغير مركبة حسب التعاريف المتداولة ، لكن هذه البنية في اللاوعي تُشير لطبيعة الإنتاج والتحليل العلمي المترشح عنه ، فالعربي حين يؤمن - بلا إله إلاّ الله – يؤمن بها من دون تحليل لهذه المفردة اللسانية ، ومن دون التعرف على دلالتها الإقتضائية المعرفية والعلمية ، ومدى إرتباطها بمجمل قضايا الإيمان في العقيدة وفي الشريعة . * لهذا أتكئ العقل العربي على غيره في تحليل قضاياه ومسائله الخاصة ، أتكائة أثرت عليه مما جعلته عاجزاً في صُنع حاضره وإستشراف مستقبله ، ولم نجد في هذا المجال إلاّ النادر الشاذ الذي يُمكننا الإشارة إليه ككونه قد قدم لنا نتاجاً خاصاً به ، أي إنها محاولات ذهبت في وسط الكثير من منتجات الغير والتي كان لها كبير أثر في تحديد هويتنا المعرفية والإيديولوجية . ونحن نُشير هنا للمدرسة الدينية بشكل خاص ، وهذه الإشارة فيها خيبة أمل ويأس من قدراتنا الذاتية على الخلاص من هيمنت الآخر وتجاوزه بحكم كوننا الأرض التي أستقبلت رُسُل السماء ذات يوم . وهذا منا توكيد وتعريف بحقيقة يجب إمعان النظر بها ، فعقل الآخر شارك في صناعة وصياغة كل شيء من بضاعتنا التاريخية والخبرية و في إنتاجنا الفقهي والفلسفي والمنطقي والكلامي والصوفي بل وحتى في لساننا العربي ، ونادراً جداً بل غريب ان يقال : إن هذا الفيلسوف أو ذاك الفقية هو عربي اللسان والبيئة مئة في المئة .. * لهذا ترآني ميال للتقسيم الذي تبناه أحدهم حول ماهية العقل العربي وطبيعته البسيطة المفارقة لعقل الآخر مفارقة بنيوية وليست مفارقة بايولوجية كما يظن البعض ، فهي مفارقة في أدوات وآليات البحث المتبعة وفي التصميم وفي الجد والثقة ، ولهذا تأتي نتاجاتهم مغايرة وذات شأن وكيان معنوي مستقل يمكن الإشارة إليه في تقييم كل ظاهرة والحكم عليها . إن العقل التحليلي المركب قادر بفعل حركيته الذاتية وإستقلاليته في إستشراف قيم المعرفية من حيث تشكلها الأبتدائي ومن ثم الإيمان بها ، وهذا يعني في اللاوعي سذاجة العقل العربي البسيط فيما يجب فعله وتطبيقه ، وهنا تبدو المسالة إشكالية في بنائنا الذاتي ، لهذا عندنا أنصاف متعلمين وأنصاف مثقفين وأنصاف أدباء ، وفي نصفنا هذا نحاكي ماعليه الآخر في مسلماته الأبتدائية في الحكم على الأشياء وتعليلها ، ولهذا ينقصنا الكثير في صناعة أشيائنا التي نود تسويقها لبعضنا البعض ، ناهيك عن غلبة للدين السياسي عندنا حيث صيرنا روبوتات تتحرك وفق منهجه التراثي عن الدين الأبائي ، مع نقص وتقليص متعمد للحرية المنتجة وتحديد لأطر التفكير فكل أشيائنا المباحة ممنوعة من جهتي الدين السياسي والحاكم المستبد . إن إمتلاك الحرية على نحو واقعي كفيل بإعادة إنتاج عقلنا العربي على نحو يكون فيه قادراً على تحديد موضوعاته والحكم عليها ، والحرية يلزمها السلام فهو الأداة السحرية لبناء قواعد للتحرك الحضاري الرصين . إن إيماننا بمنظومة القيم هو الكفيل بتحرير عقل الكاتب العربي والمفكر العربي من سلطة - الحاكم المستبد والإسلاموية المحدثة - والأمن من سلطة الإرهاب الفكري والإرهاب الذي صنعه الدين الفرقي ..
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأسيس علم أصول جديد – ح4
-
تأسيس علم أصول جديد – ح3-
-
تأسيس علم أصول جديد – ح2 -
-
تأسيس علم أصول جديد
-
( لازلتُ أبحثُ عن الإسلام )
-
الليبرالية حوار بين الله والإنسان
-
الرسوم المسيئة للرسول محمد
-
شاء الله ان يراك قتيلا .. !!
-
الجزء الرابع : من كتاب إشكالية الخطاب في القراءة التاريخية ل
...
المزيد.....
-
-لا يتبع قوانين السجن ويحاول التلاعب بالشهود-.. إليكم ما نعر
...
-
نظام روما: حين سعى العالم لمحكمة دولية تُحاسب مجرمي الحروب
-
لأول مرة منذ 13 عامًا.. قبرص تحقق قفزة تاريخية في التصنيف ا
...
-
أمطار غزيرة تضرب شمال كاليفورنيا مسببة فيضانات وانزلاقات أرض
...
-
عملية مركّبة للقسام في رفح والاحتلال ينذر بإخلاء مناطق بحي ا
...
-
إيكونوميست: هذه تداعيات تبدل أحوال الدعم السريع في السودان
-
حزب إنصاف يستعد لمظاهرات بإسلام آباد والحكومة تغلق الطرق
-
من هو الحاخام الذي اختفى في الإمارات.. وحقائق عن -حباد-
-
بيان للجيش الإسرائيلي بعد اللقطات التي نشرتها حماس
-
اختتام أعمال المنتدى الخامس للسلام والأمن في دهوك
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|