|
البحث عن البطل المنقذ
عبد الجبار منديل
الحوار المتمدن-العدد: 2224 - 2008 / 3 / 18 - 10:40
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
منذ اقدم العصور والإنسان البسيط والأعزل في مواجهة التحديات والإحباطات والهزائم الشخصية والعامة وعوامل القهر يبحث عن بطل يحقق اماله ويعوض له عن حرمانه وبؤسه ويحميه في مواجهة البطش والطغيان . لذلك فلقد خلقت اساطير الشعوب دائما ابطالها وكانت المخيلة الشعبية تضيف لهؤلاء ما شاء من الخصال والسجايا او من الأعمال البطولية التي قاموا بها او سيقومون بها . ولا يوجد شعب في العالم القديم او الجديد ليس لديه ابطاله الأسطوريين وعلى امتداد الكرة الارضية. هؤلاء الأبطال الذين سيبعثون ويعيدون الأمور الى نصابها الصحيح فيقيمون العدل وينصفون الفقراء ويثأرون لهم من الطغاة الذين ظلموهم . كان العراقيون القدماء مثل كل الشعوب القديمة يخلطون الديني بالدنيوي ويتصورون انه بنفس السهولة التي ينتقل فيها الإنسان من الحياة الدنيا الى حياة الأخرة عن طريق الموت فإنه يمكن ان يعود بالإتجاه المعاكس من الحياة الأخرة الى الحياة الدنيا عن طريق البعث ومن هنا نشأت فكرة البعث والقيامة لدى الشعوب القديمة التي كانت تخلط بين ابطالها وألهتها او بين ملوكها وألهتها . فأبطالهم هم ألهتهم وألهتهم هم ابطالهم وهكذا ايضا بالنسبة للملوك . كان ذلك في العراق القديم وكان في مصر القديمة حيث كان الفراعنة بمثابة الألهة لدى ابناء الشعب . وهكذا كان الأمر في اليونان القديمة حيث اشتهرت الميثولوجيا اليونانية بأساطيرها التي تحكي عن صراع الألهة كما لو كانوا حكما دنيويين . كان العراقيون القدماء يذرفون الدموع مدرارا على البطل تموز من اجل ان يبعث لذلك يضحون له بالنذور والقرابين . وكان الفينيقيون ينتظرون الألهة البطل بعل وفي بلاد فارس القديمة كانوا ينتظرون زرادشت وفي مصر كانوا ينتظرون اوزيرس وفي بلاد اليونان كانوا ينتظرون أدونيس وفي البلدان الأسكندنافية ينتظرون أودين وفي الهند ينتظرون بوذا وهكذا . وقد تملكت هذه الفكرة مخيلة بعض الشعوب الى درجة ظهر في الهند اكثر من شخص ادعى انه بوذا ولم يصدقهم احد في حياتهم ولكن بعد مضي سنين طويلة على وفاتهم اختار الناس احدهم على اساس انه بوذا الحقيقي . ولايزال الناس هناك يؤمنون بانه في اخر الزمان سوف يظهر بوذا مرة اخرى ويعيد تصحيح اوضاع العالم . والشعوب احيانا تخلط بين الواقع والخيال او بين الماضي والحاضر فبعد الحرب العالمية الأولى والسقوط المدوي للامبراطورية العثمانية وما صاحب ذلك من مرارة لذوي الإنتماءات العثمانية رأى البعض في مصطفى كمال الذي حقق انتصارات عسكرية بأنه باعث نهضة الشرق لذلك لقبوه ب ( الغازي ) وخاطبه الشاعر احمد شوقي بقصيدة مطولة يقول فيها ( يا خالد الترك جدد خالد العرب ) اشارة الى خالد بن وليد . وفي بداية الخمسينات وبعد ثورة يوليو المصرية وبروز الرئيس جمال عبد الناصر تعلق به الكثير من العرب على اساس انه باعث امجاد العرب وموحدهم ولكن بعد الإنتكاسات التي حلت بمسيرة عبد الناصر ووفاته تلفت العرب يمينا وشمالا يبحثون عن بديل وظنوا فترة ان هذا البديل ربما يكون هواري ابو مدين او احمد بن بلا ولكن لم تتحقق ظنونهم . وعندما ظهر صدام حسين وبأسلوب الديماغوجي الذي اختطه وبالأموال الكثيرة التي انفقها للدعاية والإعلام والمساعدات والهبات العينية والنقدية نظر اليه البعض بإعتباره البطل المنقذ ولكن مغامراته الطائشة عملت على تمزيق صورة البطل المنقذ تدريجيا حتى كانت النهاية المعروفة . في اوربا بعد الحرب العالمية الثانية بقي الكثيرون من المتعاطفين مع المانيا النازية لا يصدقون ان هتلر قتل او انتحر ولاسيما ما رافق نهايته من غموض . فعندما نجحت طلائع الجيش الروسي الذي احتل برلين في اقتحام مقر هتلر لم يجدوا سوى جثث متفحمة يصعب معرفة هويتها . لذلك استعانوا بطبيب الأسنان الذي كان يعالج اسنان هتلر ليتعرف على الجثة وقد تعرف الطبيب على جثة هتلر من خلال معرفة اسنانه ولكن ذلك لم يقنع الكثيرين .ولدي في مكتبتي الشخصية في بغداد كتاب قديم تم تأليفه في نهاية الأربعينات وترجم للعربية في بداية الخمسينات عنوانه ( هتلر حي ) يؤكد فيه المؤلف بشتى الحجج والبراهين التي استطاع ان يعرضها ان هتلر ما يزال حيا يرزق . كما ان الكثير من العراقيين الذين كانوا متعلقين بالزعيم عبد الكريم قاسم ولاسيما في اوساط الناس البسطاء من الفقراء والمحرومين الذين احبوا فيه تلقائيته وتقشفه واسلوب الحياة البسيط الذي كان ينتهجه لم يصدقوا بأن الجثة التي ظهرت في التلفزيون بعد انقلاب 8 شباط هي جثة الزعيم عبد الكريم بل كانوا يصرّون – كما اتذكر – بأنه مايزال حياً يرزق وبأنه سوف يعود ويسيطر على زمام الحكم . وهكذا فبعض الناس لايقنع الا بما يريد ان يقتنع به ولاسيما اذا تعلق الأمر بشخصية البطل المنقذ . هذا ونحن في عصر الإعلام المرئي والمحكي الذي تنفضح فيه كل الأسرار فكيف الأمر بالنسبة للشعوب القديمة التي كان الأمر سرعان ما يتحول لديها الى قضية دينية وتضفى عليه هالة القدسية .
#عبد_الجبار_منديل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور الشائعات في حياة المجتمع العراقي
-
العولمة بين انصارها وخصومها
-
الفساد في العراق... الوباء القديم الجديد
-
الجامعه المفتوحه
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|