أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - تخلُّف -السؤال-!














المزيد.....


تخلُّف -السؤال-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2222 - 2008 / 3 / 16 - 11:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تخلُّف الثقافة والفكر عندنا نراه في "الجواب".. في أجوبتنا الثقافية والفكرية؛ وليس في قَوْلنا هذا ما يُعَدُّ اكتشافاً جديداً. ولكنْ، ثمَّة مقياس آخر يمكن أن نقيس به تخلُّفنا هذا، وقلَّما حظي بالاهتمام، على أهميته الكبرى، وهو "السؤال"، فَقُلْ لي عمَّا تسأل، وكيف تسأل، أقول لكَ من أنتَ، لجهة محتواك الثقافي والفكري.

السؤال عن شيء، هو في حدِّ ذاته مقياس نقيس به المحتوى الثقافي والفكري لسائله، ونمط الحاجة المعرفية التي يريد تلبيتها من خلال الجواب عن سؤاله، فشتَّان ما بين من يسأل (باهتمام) عن علامات ظهور المهدي، ومن يسأل (باهتمام) عن السبب الذي يَحْمِل بعضاً منَّا على تَرَقُّب ظهوره، وظهور من يشبهه، أو ما يشبهه، من قوى "الخلاص الأبدي".

أمَّا الأهم من محتوى السؤال، أي الشيء الذي تسأل عنه، فهو "طريقة السؤال"، فثمَّة اكتشافات معرفية في منتهى الأهمية ما كان لها أن تكون لو لم يشق الطريق إليها "سؤال ذكي"، ولو لم يتَّخِذ هذا السؤال من كلمة "لماذا" فاتحة له.

إنَّكَ لن تتوصَّل إلى اكتشاف معرفي جديد لو ظللتَ تَفْتَتِح سؤالكَ، أو أسئلتكَ، بكلمات من قبيل "متى"، و"أين"، و"كيف"، على أهميتها وضرورتها لجهة معرفة تفاصيل ما حَدَث، فالسؤال عن "زمان" و"مكان" الحَدَث، وعن "كيفية حدوثه"، نرى أهميته الكبرى في الصحافة والإعلام على وجه الخصوص، أي في عملٍ يستهدف "المعلومة" في المقام الأوَّل.
وعلى أهمية الصحافة في صناعة ونشر الجواب المتأتي من "السؤال الإعلامي (أو الاستعلامي)"، فكثيراً ما رأيْنا "السائل الإعلامي" يسيء السؤال، عن قصد، أو عن غير قصد، فيسأل الذي يتوجَّه إليه بالسؤال، توصُّلاً إلى معلومة، أو رأي، أو موقف، سؤالاً فيه معظم الجواب، إنْ لم يكن كله، كأن يسأل زعيماً عربياً عن رأيه في ما تحقَّق لمجتمعه من تقدُّم وتطوُّر في عهده، وكأنَّ غاية السؤال هي الإجابة التي يريدها المجيب!

إنَّكَ تستطيع أن تؤلِّف كُتُبَاً في أمْر حَدَث ما إذا ما كانت الإجابات التي تسعى إليها هي من نمط الإجابات التي تأتي بها أسئلة "متى"، و"أين"، و"كيف"؛ ولكنَّكَ تشعر بالعجز (الذي قد تتغلَّب عليه في آخر المطاف) عن كتابة أسْطُرٍ في أمْر هذا الحدث إذا ما اختلفت طريقة سؤالكَ، كأنْ تسأل "لماذا حَدَث هذا الذي حَدَث الآن، وليس من قبل؟"، و"لماذا حَدَث على هذا النحو، وليس على نحو آخر؟".

بأسئلة تبدأ بـ "متى"، و"أين"، و"كيف"، يُمْكِنكَ أن تعرف الحَدَث معرفة أوَّلية، لا بدَّ منها؛ ولكنَّ هذه المعرفة لا تتعمَّق وتكتمل، ولا تُضيف إلى معارفنا شيئاً جديداً، ويُعْتَدُّ به، إذا لم تَقْتَحِم بابها بـ "سؤال لماذا". وأنتَ يكفي أن تأتي ببديهية أو مسلَّمة ما، وأن تَقْتَحمها بـ "سؤال لماذا"، حتى تشعر أنَّ جهلاً كبيراً قد وُلِدَ من هذه "المعرفة اليقينية"، وأنَّ هذا السؤال الجديد، أي الذي كانت أداته "لماذا"، يتحدَّاكَ أن تجيبه.

أليسَ بديهية أن تقول إنَّ الأرض هي التي تدور حول الشمس، وليست الشمس هي التي تدور حول الأرض؟ إذا قُلْتَ هذا فإنَّكَ تُثْبِت أنَّكَ تَعْرِف؛ ولكن من غير أن تضيف إلى هذا الذي تَعْرِف شيئاً. أمَّا لو تجرَّأتَ وسألْت "لماذا الأرض هي التي تدور حول الشمس، وليست الشمس هي التي تدور حول الأرض؟"، لَوَجَدَتَّ نفسكَ في مواجهة تَحَدٍّ معرفي كبير، فإذا اسْتَجَبْتَ له، وعَرَفْتَ كيف تستجيب له، فإنَّكَ تتوصَّل، أو تشارِك في التوصُّل، إلى اكتشاف معرفي جديد، في منتهى الأهمية.

إنَّ "لماذا"، التي تَنْدُر وجوداً، في سؤالنا الثقافي والفكري، فتأتي أجوبتنا، بالتالي، بما يبقي على تخلُّفنا الثقافي والفكري، ويُعمِّقه ويوسِّعه، هي المِعْوَل الذي به يُمْكننا، وينبغي لنا، هَدْم ما نحن فيه من "وثنية فكرية"، تَحْمِلنا دائماً على اتِّخاذ مسلَّمة فكرية ما، يعوزها الإثبات، دليل إثبات، أو نفي، في قضايانا الثقافية والفكرية.

إنَّنا ما زلنا "أُمَّة لكلِّ سؤال جواب"، فليس من سؤال يُسْأل اليوم ولَمْ نُجِبْ عنه من قبل، وكأنَّنا "أُمَّة الحقيقة المطلقة"، التي ليس من سؤال يُمْكِن أن يَخْدِش مسلَّماتها الثقافية والفكرية، أو يَحْملها على "نَسْبَنة" أجوبتها، أي جعلها "نسبية"، أي "عِلْمية"، فمنزلكَ، مثلاً، إنَّما يقع دائماً على يمين الشارع، ولا يُمْكِن أن يقع على يساره، أي أن يكون على يمينه ويساره في آن.

وأحسبُ أنَّ خروجنا من الظُلُمات إلى النور، ثقافياً وفكرياً، يبدأ، أي يجب أن يبدأ، بتحوُّلنا إلى "أُمَّة سؤال"، تأتي بكل مسلَّمة من مسلَّماتها الثقافية والفكرية، وتَضَع في نهاية سطرها كلمة "لماذا"، فـ "الأُمم العِلْمية" إنَّما تُميِّز نفسها، ثقافةً وفكراً، بـ "سؤال لماذا"، من غير أن تضرب صفحاً عن "متى"، وأين"، و"كيف"، في أسئلتها. إنَّها تبدأ بها؛ ولكنَّها لا تتوقَّف عندها، فهي ليست سوى بداية الغوص في بحور المعرفة على أنواعها.

ملايين البشر، وفي كل الأزمنة والأمكنة، رأوا تُفَّاحاً يسقط إلى الأرض من شجره، فاعتادوا هذا المشهد حتى غلبت "العادة"، في وعيهم، "الحاجة". وحده نيوتن اكتشف إذ سأل "لماذا التفَّاحة المنفصلة عن غصنها تتحرَّك إلى أسفل (أي تسقط) ولا تتحرَّك إلى أعلى (أي تصعد).
و"التُّفاح" من معارفِنا على نوعين اثنين: "كلُّ التُّفاح" و"تفَّاحة نيوتن".

وأجوبتنا الثقافية والفكرية على نوعين اثنين: نوعٌ تتغلَّب فيه "العادة" على "الحاجة"، ونوع تتغلَّب فيه "الحاجة" على "العادة". ولقد حان لنا أن نجيب بما يلبِّي الحاجة (الفكرية والثقافية والمعرفية) وليس بما يوافِق ويُرْضي عاداتنا في الفكر والتفكير؛ ولكنَّنا لن نخطو ولو خطوة واحدة كبرى على هذا الدرب إذا لَمْ نَفْهَم "الحرَّية" على أنَّها "السؤال الحر" أوَّلاً، فتحرير العقل العربي إنَّما يبدأ بـ "تحرير السؤال"، فلا سؤال يظلُّ سجيناً في زنزانتنا الفكرية إلى الأبد!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرة -تمدُّد الكون-.. في تفسير افتراضي آخر!
- عمرو موسى يستأنف التشاؤم!
- -التجارة- و-السياسة-.. عربياً!
- الطريق إلى تحرير -القطاع-!
- -التهدئة- التي تريدها إسرائيل!
- عملية القدس الغربية.. سؤال ينتظر إجابة!
- لُغْز -الزمن-!
- -الشتاء الساخن-.. نتائج وتوقُّعات!
- عندما تتسلَّح -جرائم الحرب- ب -القانون الدولي-!
- حلٌّ جدير بالاهتمام!
- -ثقافة المقاومة- التي ينشرها -الجهاديون-!
- مادية وجدلية العلاقة بين -الكتلة- و-الفضاء-
- تعصُّب جديد قد ينفجر حروباً مدمِّرة!
- الموقع الإلكتروني للجريدة اليومية
- التلويح ب -كوسوفو-!
- مفاوضات أم جعجعة بلا طحين؟!
- مرض يدعى -المظهرية-!
- وَقْفَة تستحق الإشادة والتقدير!
- اغتيال مغنية.. ما ظَهَر منه وما استتر!
- -نار الغلاء- فاكهة الشتاء!


المزيد.....




- خبير عسكري يكشف سر زيارة زيارة نتنياهو لواشنطن
- ترامب: لدينا مناقشات مخطط لها مع أوكرانيا وروسيا
- المهاجم الدولي الجزائري أمين غويري يدعم هجوم مرسيليا
- المكسيك ترفض البيان الأميركي وترامب يقر بتداعيات الرسوم الجم ...
- تدشين معبد هندوسي ضخم في جنوب أفريقيا
- سياسي بريطاني سابق يعلن انضمامه إلى المرتزقة الأجانب في أوكر ...
- تبون: الجزائر تحافظ على توازن علاقاتها مع روسيا وأمريكا
- رئيس كوبا: الضغط الأمريكي على المكسيك يهدد استقرار أمريكا ال ...
- قادة الاتحاد الأوروبي يناقشون تعزيز الدفاع والإنفاق العسكري ...
- توسك يعلق على تصريحات ترامب حول فرض رسوم جمركية على السلع ال ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - تخلُّف -السؤال-!