|
دوريس لسنغ مناضلة بلا شعار
ايناس البدران
الحوار المتمدن-العدد: 2221 - 2008 / 3 / 15 - 10:10
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
فاضحة بلا فضائح و مناضلة بلا شعار .. فوزها فاجأ الجميع فصاحبة(المفكرة الذهبية) اكثر راديكالية من نادين غورديمير ، و اكثر فضائحية من الفريد يلينيك . كان تعليقها الاول حين سمعت بخبر فوزها بجائزه نوبل للأدب لعام 2007 : -انهم لا يحبونني ! هي مناضلة بلا شعار ، و تعتبر من رموز اليسار و الحركة النسوية وصفت بأنها لا تعرف سوى الادب ذلك انها عاشت كثيرا و رأت كثيرا حتى فازت بجائزه نوبل و هي على اعتاب الثامنة و الثمانين .تعد الروائية ليسنغ غزيرة في نتاجها اذ تأتي في الصف لاول من صفوف الكتاب الذين اصدروا اكثر من ثلاثين كتاب في ثلاثين عاما ، لها خمس عشرة روايه و اثنتا عشرة مجموعة قصصية و اربع مسرحيات و اكثر من ديوان شعر اضافة الى خمس كتب في النقد . حين اعلنت الاكاديميه السويديه في ستوكوهولم فوز الكاتبة البريطانية دوريس ليسنغ بجائزة نوبل للاداب لعام 2007 استقبلت الروائية الخبر بالبرود الانجليزي المعتاد و علقت بطريقة ارستقراطيه قائلة: -لقد سمعت الخبر حين كنت اقود مركبتي . تعد الروائيه ليسنغ واحدة من اهم كتاب الرواية المعاصرين في العالم ، و قد عجز النقد الادبي عن وضعها في خانة او تصنيف لا لسرعة انتقالاتها الاسلوبية و الشكلية في كتابة الروايه و حسب ، و انما لتنوع ثقافتها و الحياة التي عاشتها ، فقد شهدت حضارات و ثقافات مختلفة ، مثلما انتقلت من اثر فكري و التزام اخلاقي الى اخر اكثر من مرة . فتحت عينيها على سحر الشرق قبل ان تنتقل و عائلتها الى افريقيا السوداء بوعد لم يتحقق بألثراء ، فالحياة الموعودة لم تكن بمستوى الحلم الذي بثته شركات الدعاية لاستمالة الاوربيين للانتقال و استعمار افريقيا فضلا عن مظاهر القسوة و الظلم التي طالت السكان الاصليين. تزوجت دوريس مرتين و رزقت بثلاثة ابناء ، بعد طلاقها الثاني اعلنت انها لا تصلح للزواج ،آمنت بالشيوعية و معاداة العنصرية ، و النضال من اجل مقاومة الامبريالية حتى وصولها الى لندن في الخمسينيات وهي تحمل مخطوطة روايتها الاولى ( العشب يغني) التي اطلقت شهرتها منذ ذلك الحين ، غير انها تخلت عن حماسها للشيوعية و انتقلت مباشرة الى القضية النسوية كنوع من نزعة تحرر حقيقية ازاء الظلم و الاستعباد البشري ، و عدت الحركة اهم حركة تحرر في العالم حيث انها تنطوي على قيم انسانية و اخلاقية كبيرة . اما التحول الحقيقي في حياة دوريس فكان التصوف ، و التصوف لا يعني هنا التقشف و الزهد ، انما يعني الوان الصفاء الروحي و التأكيد على التطور الوعي والايمان بأن الفرد لا يمكن ان يتحرر الا اذا كان على فهم للعلاقة بينه و بين مصير الكون . تنتمي رواية ( مذكرات من نجا) ترجمة محمد درويش ، دارالمأمون - بغداد ، و قد تكون اهم اعمال لسنغ و اخطرها بشكل او آخر ، تنتمي الى الادب " القيامي " الذي يرصد العالم في نهاية حقبة او منعطف كوني و يستشرف المستقبل وفق مقدمات شديدة التعقيد قد يجد الناقد للاحداث الروائية المبلبلة عمدا بألافتراضات و الغرائب و الكائنات اللامعقولة و الفنطازيا ، التي قد يجد فيها جوابا على حياتنا المبعثرة بين فوضى و اكاذيب و خوف من حروب كونية قادمة . تدور احداث الرواية في مدينة غامضة غارقة في الفنطازيا هي اقرب الى القرية الكونية التي اشار اليها مارشال مكلوهان، و اكثر ما يميزها ان فيها منطقتين شمالية و غربية و هما متفوقتان منذ البداية و لعل الروائية ارادت ان ترمز بهاتين المنطقتين الى العالم الغربي الامبريالي المادي.. اما المنطقتان الشرقية و الجنوبية فقد توقفت فيهما الخدمات تقريبا ، ربما كرمز استخدمته الروائية اشارة للعالم الثالث . بطلة الرواية تسكن المنطقة الشمالية التي بدأت تعاني من تفشي مظاهر الفساد و البطالة و التفكك و من شح المواد الغذائية ، مما اضطر السلطات الى توزيع الحصص الغذائية في المدينة على الناس الذين باتوا يغادرونها تدريجيا ، و مع حالات الفساد تبدأ عصابات شابة هي اقرب الى الصرعات مثل الهيبز و البانكس و البيتلز بالتشكل ، فضلا عن العصابات الموجودة اصلا ،فالكاتبة تحاول من خلال عمل و اقعي ـــ فوق واقعي يرصد المحيط و يستشرف المستقب اشعارنا بوجود خطر حقيقي و ان كان مؤجلا متمثلا بنزعهة الفوضى التي ضلت تتفاقم حتى تمخضت عن خطر حقيقي و شر . و حتى ذلك الوقت كانت بطلة الرواية مجهولة تماما لا يعرف القارئ لها اسما او عمرا و لا ملامح ، تعيش وحيدة بعد خروج الناس .. و ان كان خروجهم تعبيرمجازي عن انصراف كل انسان لنفسه وعدم اكتراثة بألاخر . في ضوء هكذا اغتراب لا تجد الراوية حرجا في القول : ـ انا اخشى جيراني . لم تقل انها تكرة جيرانها بل تخشاهم ، وتلك مشكله العالم الحديث التي تفسر سباق التسلح و سياسات العدوان ، حين تعلق على كل هذا باشارة جميلة و موجعة قائلة ـــ كانت نشرات الاخبار و الصحف تواصل الحديث اياما طويلة عن طفل واحد اختطف من عربته ، ربما اختطفتة امراة بائسة تعسة ، و كان من شأن رجال الشرطة تمشيط الضواحي و الريف بأعداد تصل المئات بحث عن الطفل و المراة الخاطفة لمعاقبتها ، اما الخبر الثاني فيحكي عن موت مئات الاشخاص ثم الالاف ثم الملايين من دون ان يلتفت الى موتهم احد . فتعلق الراوية قائلة ـــ اننا لا نزال نؤمن و نريد ان نؤمن ايضا ان الشيء الاول وهو القلق على طفل واحد مخطوف و معاقبة المجرم الفرد هو الشيء الذي يرمز الينا حقا ، اما الشيء الثاني و هو الكوارث التي يرتكبها البعض و التي تتسبب بهلاك الملاين فهي مادة اخبارية لا ينظر اليها اولئك البعيدون عن منطقة الخطر ، وهي بالتالي مجرد حادثة ثانوية ( قد ) يؤسف عليها بكلمة عزاء خاطفة ثم تنتهي بالنسيان . و لانها وحيدة – و تخشى لكنها لا تكره – فمن الطبيعي ان تقبل بمن يلوذ بها بألفتاة اميلي ذات الاثني عشر ربيعا ، و الاسم المؤنث لاميل الذي كان يوجه اليه جان جاك روسو خطابه التربوي ، التي لم يكن من شأنها ان تسلي وحدتها حسب ، بل ان تعيد انتاج الحياة في بيتها مع صديقها المراهق جيرالد و حيوانها الغريب هوغو المرافق لها الذي هو مزيج مترع بدفء الرمز بين كلب و قطة او بين الوفاء و الالفة في صيغة تؤكد استمرار الحياة ، وعلى هذا فان خلية الحياة الجديدة هي التي ستؤسس لعالم جديد بعد ان شاخ القديم و تلاشى حد التفسخ . بطلة الرواية لم تتاخر بالاعتراف لنا ان ظهور أميلي في حياتها لم يكن بسيطا، فقد جاءت الفتاة بما يشبة المعجزة الحيادية ، لكن البطلة رضيت بها كما ترضى كل النساء غير المنجبات بأبناء التبني ، و هي التي وجدت نفسها في و ضع الأم تقريبا و لا تستطيع الا ان تسمع صوت النشيج و هي قرب اميلي فتسالها : ــ ألا تسمعين شخصا يبكي؟ فتجيبها اميلي بسؤال : ــ لا.. أ تسمعين انت؟ ليس هذا حوارا جزافيا فكل من المرأتين مزودة بجهاز حساسية مختلف .. ان بطلة الرواية لا يمكن الا ان ترأف و تعطف ، اما اميلي فتعيش ازمة تحولاتها الوجودية امام الاسئلة الكبرى التي لا تجد لها حلا .. و على هذا فأن مابينهما ليس صراعا ولا عدم تلاؤم ، بل هو عملية تكيف لكل منهما مع الواقع ، عملية مرفوضة و مطلوبة في ان واحد . ـــ اننا لا نستطيع ان نتكيف مع أي شيء ، هذا امر شائع، لكن ربما ينبغي لك ان تحيا في ظل مثل هذا الزمان كي ترى مدى فضاعته . هكذا تقول بطلة الرواية على لسان الراوية ، قبل ان تهتدي اليها اميلي .. و على هذا نستطيع تخيل صعوبة التأقلم بين المرأتين ، و مدى حاجة كل منهما الى الثانية و استكمال قوس الفرح بظهور صديقها جيرالد و رمزية هوغو الايجابية عندما جعلت منه دليلا و املا لاميلي و جيرالد في الطريق الى العالم الجديد ، و بهذا نستطيع ان نطمئن على من نجا .
#ايناس_البدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجها القمر
-
الليلة الاولى بعد الالف
-
غثيان
-
مقابلة صحفية اجريت من قبل احدى المجلات العربية
-
فجر منقوش على لوح الروح
-
مناديل العنبر
-
كاردينيا
-
النمرة
-
الابرة والتشظي
-
في الردهة
-
عواء ذئب
-
- النمرة - قصة قصيرة
-
حوار مع القاصة ايناس البدران
-
أشارات ضوئية
-
- على حافة الرحيل - قصة قصيرة -
-
جدائل الشمس - قصة قصيرة
-
الجدار - قصة قصيرة
-
وجه السماء - قصة قصيرة
-
-الاكتواء بثلوج كلمنجارو - قصة قصيرة
-
-صورة من زيت وماء - قصة قصيرة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|