مؤتمر البرلمانيين العرب ومخطط تعميم النموذج العراقي في الهيمنة الامريكية على البلدان العربية

سعاد خيري

الحوار المتمدن-العدد: 2219 - 2008 / 3 / 13 - 10:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

خططت الادارة الامريكية منذ عقود لجعل هيمنتها على العراق بالاحتلال العسكري واقامة القواعد العسكرية وتشريع نهب ثرواته نموذجا لهيمنتها على جميع شعوب الشرق الاوسط . وزينت مخططها هذا بالوعد بتحويل العراق الى واحة للديموقراطية ونواة للشرق الاوسط الكبير المزدهر. ومرت خمس سنوات والبشرية وليس شعوب الشرق الاوسط فقط تشاهد هول هذا النموذج من النهب والدمار الذي حل بالعراق جراء الاحتلال فقد دمرت معظم معالمه التاريخية ونهبت متاحفه ومعاهده ومكتباته وهدمت بناه التحتية فدمرت محطات الكهرباء، واصبحت الملايين تعيش في ظلام، و70% من السكان لايحصلون على مياه صالحة للشرب وهدمت المدارس والمعاهد والبيوت على رؤس ساكنيها بالمتفجرات والغارات الجوية بحجة ملاحقة المتمردين او الارهابيين. وقسمت المدن والقرى بل وحتى المحلات على اساس طائفي تعزلها الجدران الخرسانية .ويعاني سكان ثاني اغنى بلد في العالم بالنفط من الفقر وفقدان فرص العمل رغم تضاعف عوائده نتيجة تضاعف سعره بل وعليهم الوقوف طويلا للحصول على ما يحتاجونه من وقود . وتحولت شوارعه واسواقه الى ساحات للقتل الجماعي. وتتناقل وسائل الاعلام صور مروعة لاشكال القتل والتمثيل بالجثث وتلقى العشرات منها في المزابل ويوارى المئات منها في مقابر جماعية . وترتعد البشرية هلعا من حرب الابادة التي تحملها الشعب العراقي خلال خمس سنوات من الاحتلال التي تقدر الاحصائيات الدولية ضحاياها بما يزيد عن مليون ونصف عراقي معظمهم من المدنيين المسالمين وما لايقل عن ثلثهم من الاطفال ، وما يقرب من اربعة ملايين من المهاجرين والمهجرين يعيشون التشرد والغربة ويعانون الحرمان من وسائل العيش والرعاية الصحية والتعليمية لاطفالهم . وتعاني المرأة عموما من اقسى اشكال التمييز ضدها وسلبها لما نالته من حقوق عبر عقود من النضال والتضحيات. ويستباح دمها بعد اغتصابها في الشوارع والاماكن العامة. وتعاني ملايين الارامل من اشد اشكال الحرمان من السبل لاعالة انفسهن واعالة اطفالهن اليتامى . وجرى اغتيال اكثر من 3200 من علماء واطباء ومختصين واجبار عشرات الالاف على الهجرة تحت التهديد، لافراغ البلاد من قاعدته العلمية ومستقبله الحضاري .
انها صورة تفوق بهولها مخلفات الاحتلال الهتلري لبلدان اوربا، وكانت احد اهم الاسباب في اختيار قوات الاحتلال اربيل محلا لعقد المؤتمر الثالث عشر للبرلمانيين العرب وليس بغداد . فالمدينة لم تتعرض لاي تدمير بعد الاحتلال لان حكومة الاقليم رحبت بالاحتلال واسندته بقواتها مقابل ذلك حقق الاحتلال الكثير من اهداف قادتها على حساب الشعب العراقي عموما والشعب الكردي خصوصا. وعم الاعمار العشوائي والبذخ الاقتصادي السطحي للتمويه على الاسترتيجية الامريكية في ابقاء العراق بعربه وكرده بلا مستقبل اقتصادي واجتماعي وثقافي . ويمكن لهذه المظاهر ان تبرر للمستعدين لخداع انفسهم وشعوبهم بالصورة المزيفة عن العراق الديموقراطي المزدهر بفضل الاحتلال الامريكي.
ورغم كل الجهود التي بذلت لتقديم صورة مشرقة للعراق بفضل الاحتلال ولاسيما في مجال الديموقراطية فقد ثارت بوجه رئيس وفد الجامعة العربية اعنف وسائل قمع الرأي الاخر، لمجرد وصفه العراق بالبلد المحتل . وتناوب المعنفون مطالبين علي الجاروش بالاعتذار وعدم تكرار وصف العراق بالبلد المحتل!! واسهبوا في تقديم الادلة على تمتع العراق بالاستقلال والسيادة وفي مقدمتها قدرته على عقد هذا المؤتمر بدون قيود !! في حين لا يتميز هذا المؤتمر عن سائر المؤتمرات العربية الاخرى من حيث عدم جدواها بل وتمريرها لكل مخططات الامبريالية الامريكية وادواتها الانظمة الرجعية العربية الا بانه يجمل ابشع جرائم العصر ويقدمها كنموذج للشعوب العربية. وجاء تبرير نائب رئيس البرلمان العراقي خالد العطية لوجود 160 الف جندي امريكي في العراق يصولون ويجولون في جميع مدن العراق بدباباتهم وغارات طائراتهم ينشرون الموت والدمار بانه وجود مشروع لانه جاء وفقا لاتفاقية امنية!! مع العلم ان الاتفاقية الامنية لم يتم عقدها حتى الان ولايمكن للشعب العراقي ان يوافق على عقد اية اتفاقية امنية مع الامبريالية الامريكية لادامة احتلالها الذي كلفه وسيكلفه المزيد من الابادة والدمار . ولم ينشر أي رد له او أي دفاع عنه وعن أي وصف للديموقراطية التي يتمتع بها الشعب العراقي !! بل ولم يجرأ بعد ذلك أي من النواب العرب او العراقيين على بحث القضية العراقية الاساسية و المطالبة بتحرير العراق من الاحتلال او دعم اية مقاومة للاحتلال سلمية كانت ام غير سلمية ولا المطالبة بمحاكمة الادارة الامريكية وقوات احتلالها عما اقترفته من جرائم بحق الشعب العراقي . وانصبت مطالبات الجانب العراقي و كلمات الوفود المؤتمر المرخص امريكياعلى ان دعم القضية العراقية تنحصر في دعم نضاله ضد الارهاب باعتباره العدو الرئيس، ومن اجل المصالحة و انهاء المقاطعة السياسية التي تمارسها البلدان العربية ضده. لكي تتمكن حكومته المنصبة من القيام بدورها في الترويج لنموذج الهيمنة الاحتلالية الامريكية على البلدان العربية تمهيدا لفرض هيمنتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية على الشرق الاوسط الكبير

#سعاد_خيري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات