|
همس القوارير
غادة احمد
الحوار المتمدن-العدد: 2217 - 2008 / 3 / 11 - 11:00
المحور:
الادب والفن
إذا تأملت المضاف و جدت انه يحمل الكثير من صفات المضاف إليه من حيث الشفافية و النقاء و الوضوح و الرقة و الصلابة!
فإذا هو أمامك عالم من القصص و الحكايات و الأسرار و التجارب .... من الدموع و الابتسامات ، و لحظات الاعتراف ! ما خُفيّ منه أعظم مما بدا لأِن قيوداً كثيرة في أزمنة طوال قد فُرِضت عليّ ، فإذا تقدمت خطوة أحجمت خطوات ، و إلى الآن لا أراني قد أحسنت صنعاً .
هي لكِ يا رفيقة الدرب في هذه الحياة أياً كان وطنك أو لونك ، فهمس القوارير عالمية كمنبعها الذي تتدفق منه ، فتروي ظمأك أماً كنتِ أم زوجة قد كفاها المولى سبحانه مؤونة الحساب على هبة البنين و البنات ، أرملة أم مطلقة ، شابة عاقلة أم مراهقة ، لا زال بعض التمرد من ملامح جمالك !
و حتى أنتِ أيتها الجدة الحبيبة ، في بيتكِ كنتِ تنعمين بحنان أولادك و أحفادك ، أم من دار للعجزة و المسنين يسافر إليّ أنين همساتك أو لا زالت نبضات قلبك تخفق بمشاعر و أحاسيس شتى و أشواق و ذكريات ، عذراً فعدم الإحسان إليكِ بالحديث عنكِ ما كان نسياناً و إنما جهلاً ظلمت به نفسي كثيراً من قبلك .
هي لكِ أيتها الأنثى لا لأواسيكِ بها أو أوفر لكِ متنفساً لزفرات حارة احتوتها أضلعك ، بل أريد منكِ ما هو اكثر ، أريد أن تشاركيني في إعادة الإخراج و الصياغة لصورتي التي شوهت كثيراً بيد العرف و التقاليد تارة ، و بيد الإعلام تارة أخرى .
و بعيداً عن ثقافة الحريم ! و الذئب و النعجة ! و حتمية الوقوع في الفتنة ، و تشبثاً بالقليل - وعسى الله أن يبارك في هذا القليل- من النضج و الرشد و الحكمة و التي أرى أنني أنا و أنت لا زلنا ننعم بشيء منها ، فهي لك أيضاً أيها الرجل ، و كما همست من قبل ، أياً كان وطنك أو لونك ،
على وشك المغادرة لزهو الشباب و مغامراته و الإقبال على ما هو أجمل وأعمق ! كنت أم شاباً لا زلت تكتشف الحياة و تكتشفك ! عالماً كنت أو مصلحاً ، كاتباً أو داعية ...شاعراً ...مثقفاً ... باحثاً ، مقيماً في مجتمعي أم مغترباً .
من حقك أن توافقني ، تخالفني ، تعترض ، تقترح ، ترفض ... و لكن لا تعتب عليّ جرأة لم تألفها أنت ، لستُ فيها إلا متبعة ! و إن لم يُلزمني ذلك بترك الإبداع في اللفظ أجدد لك به المعنى . و لا تحكم على همساتي بعرفٍ قد تأصل فيك زمناً ، أن ما سأهمس به ناقض للحياء ، إنما هو شرع عليك أن تلزمه و من خلاله تقرأ و تحكم و تعيد وفق أطره صياغة عقلك و فقهك .
و لا تسيء الظن بهمساتي فتراها على الدوام قد كُتِبت بقلم الاتهام ، أبداً ، إنما هي دعوة لتقرأني من داخلي ، مهما كتبت عني فهناك دوماً ما لا يحسن التعبير عنه سواي ، و لتحدد بكل ما يتوفر لديك من إنصاف و عدل أين أنا منك بالضبط .
لست لغزاً كما يدعون ، إنما أنا كائن أحمل الكثير من البساطة و التي تمتنع عليك لعدم فهمك لأِحوالي و تقلبها ، خلقنا الله تعالى في كون تتقلب أحواله من برد الشتاء إلى دلال الربيع إلى تمرد الصيف و من ثم عمق الخريف ، فعلام تطالبني بالثبات ، و لو حصلته ما راق لك و لا أرضاك و لعجزت عن التكيف معه ، ألا ترى هذا التقلب هو سر جمال هذا الكون و المخلوقات ، و أنا منهم . فمن المختلف فيه أنك رجل و إنني اِمرأة ، و هذا اختلاف تنوع ، و من المتفق عليه أن كلينا إنسان ، و همساتي تحتاج أن تحتويها بإنسانيتك ، فلا تشيد في خيالك قالباً بمواصفاتك أنت ، فيه تأسرني ...تكاد تكسرني !
و لا تحسبن همساتي محاولة للتفرد بصناعة الحياة من دونك ، لا يمكنني ذلك و لا أريده و لا أسعى له و لا أقبله ، فهذه فلسفة خاطئة ، لا تنصت لمن يوسوس بها إليك ، و لا يقبلها عقلي و الذي جهدت كثيراً لأِحدثه وفقاً للشرع و الدين فما عاد يقبل بأعراف سادت و لغة بادت ، و تقاليد نُسبت ظلماً و زوراً للإسلام و هو منها براء . و لا تتهمني كلما حدثتك عن حقوقي و التي كثيراً منها قد أُهدر على يديك - و لا أعمم - أنني متأثرة بتلك التي لم تنطلق من الإسلام و هو ليس لها بمنهج أو عقيدة ، و إن كان لها عليّ و عليك حقاً ! أيعجبك أنها تصول و تجول ، تتحدث عني و بأسمي تخطط و تتفق و تعقد ، و صمتي و عزلتي و غفلتي ! هم عندك دليل صدقي و برهان التزامي و تمسكي بإسلامي !
يأتيني حديثك العذب أني شقيقتك في هذه الحياة ، و أتأمله طويلاً ، و أتسائل أتراني شقيقتك في الأحكام الفقهية فقط؟ وأعجب من حديثك عن السلف ، يسيل به مداد قلمك و ما يفوح منه شذا عطري ، و أبحث عني من بين حروفك فلا أجدني ؟ أكان السلف عندك كلهم رجالاً ، أم تحسب أني لم أساهم و لو بضفيرة في فتوحات و انتصارات تكتب أنت عنها اليوم بعد آلاف السنين و ما تشتاق أوراقك لتعانق صفحات سطرتها لمجد أمتي !
أيها العالِم ....أيها الداعية ...أيها المصلح و الكاتب ، أنت قبل كل شيء رجل ، أتراك تعيش صراعاً بين رغبتك و ما لا أشك لحظة في ما تحمله لي من أمنيات و مشاريع جميلة لترتقي بي و بمكانتي ، و بين قلقك و ترقبك إذ ما تربينا عليه طويلاً في مجتمعاتنا من أن الأمر قد استتب لي و لا داعي للحديث و لو بهمسة عني و إلا واجهت من الاتهامات و مع سبق الإصرار و الترصد أنك ما أردت بي إلا سوءاً ، فيتسلل هذا الهاجس بغتة و يصبغ حروفك بألوانه الباهتة ، أم ماذا ؟
و في عمق الليل و سحره الهادئ أعيد قراءة سطورك ، فألمح من بينها حروفاً تجتمع إلى بعضها البعض لتشكل عبارة (لعله سهواً) ! ألم يصدر منكِ تقريراً بأني قبل كل شيء رجل ، أي بشر إذن فأقبلي سهوي إذن فأنت بحاجة لمن يذكرك ، و يُعلِمك عني ما لم تكن تعلم ، و كما نقلت أبنة المسيب علم أبيها ، فاسمح لي أن آخذك من بين أوراقك و أفكارك إلى ليلة أنقل لك فيها علم أمي و عملها و حسن فقهها عش فيها بكل ذرة من كيانك ، و أنصت جيداً ...
تأمله ، أتراك تشعر به مثلي ، فهو خائف وجل ، ما حدث هذه الليلة شيء عظيم ، و أول من لجأ إليها الحبيب صلى الله عليه و سلم كانت اِمرأة ، و آخر من فارق الدنيا و رأسه على صدرها الحنون - ما فارقها شهيداً و لا مصلياً و لا قارئاً لكتاب الله تعالى - كانت اِمرأة ! أتكون مفارقة الرجل للدنيا و يجمعه و زوجه المودة و الرحمة من علامات حسن الخاتمة ، أيكون العكس صحيحاً؟!
كم احتوته لأِنها أحبته ، قناعتها به لا حدود لها فانعكست في تلك اللحظات كهمسات قوية و حنونة تثبته و تعينه على أمره ، و إذا أحبت المرأة أيدت بقلبها و إذا اقتنعت أيدت بعقلها ، فماذا لو اجتمع الاثنين ؟ تنطلق به إلى ابن عمها ، هي التي تقرر مالذي يتوجب فعله في هذه اللحظة و هي التي ترشح ! الشخصية الملائمة للاستشارة ، ليس هو صلى الله عليه و سلم . مصير دعوة ، بل مصير أمة بقرار تتخذه اِمرأة ! ، أمن قلة الرجال يومئذ ، و الشأن ليس خاصاً بالأسرة وحدها ، و صحيح انه هو النبي و هو المعصوم صلى الله عليه و سلم و لكنه بشر ، ما كان في حالة تسمح له باتخاذ أي قرار ، و هكذا كانت مشيئة الله تعالى لتعلن أن المرأة ليست بمعزلٍ أبداً عن اتخاذ القرارات المصيرية ، و اليوم و باسم الإسلام ! تعزل نفسها و يعزلها الرجل ، فلا رأي لها و لا تستشار فيمن يحكم بلادها و يسوس أمرها ، لا تقترح و لا ترشح و لا تنتخب ... ، فهي ليست أهلاً لذلك ، و لا يعنيها في قليل أو كثير ، و لعل القلم قد رُفِعَ عنها في هذا الشأن ! و تسري همساتها رضي الله عنها ، فإذا منطقها خير مترجم لمشاعر شتى تكتنفه و تجعله في حيرة من أمره ، تستوثق من الخبر مثله ، يالها من مسؤولية عظيمة تجاه الكون و البشرية كلها .، هاهي قد علمت ، فماذا يا ترى قد عملت ؟ تدعيم للدعوة بالمال....فقط ! ألمحها تسير الهوينى ... تفكر، كيف ستقوم بإبلاغ الخبر و ما الآلية المناسبة لذلك ، هل يكون بالدخول في الموضوع مباشرة دون تمهيد ، هل تضرب أمثالاً من قصص السابقين من الأنبياء ، فاختلاف المراحل العمرية لبنيات قد أخذ القلق منهن كل مأخذ على حال أب شفيق رحيم يُسرعن بالسؤال عنه ، و في البيت أيضاً أم أيمن ، ينبغي أن تعي ما حدث جيداً فهي ليست بمنأى عن هذه الأحداث ، و نساء قومها ، كم اِمرأة دعتها لتنضم إلى هذا الركب المبارك .
ألا تكون خديجة رضي الله عنها قد أسست أول (كتيبة) ! مؤمنة في عهد الحبيب صلى الله عليه و سلم ، و أنها كانت من النساء ، أقلهن هي و بناتها و أم أيمن ؟
هذه تأملاتي لليلة واحدة فقط ، و ليالي السلف و الخلف ! نساءاً و رجالاً جديرة بتأملاتك ، عسى فجرها أن يشرق لأمتك على يديك ، و يزيدك صبراً على طولها همس قوارير أتت و ستأتي دوماً إليك .
#غادة_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|