|
هل حقا كنّا نستحق هذا زعيما؟
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 687 - 2003 / 12 / 19 - 08:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إنه حقا لتساؤل مؤلم ، ألا وهو لماذا نستحق نحن شخصا مثل صدام ليكون زعيما علينا، حسب ما يدّعي كثيرون وفي مقدمتهم أيتام النظام القومي البعثي المقبور في العراق وحتى أناس يختلفون عنهم ويخالفونهم ؟ ان فكرة "كل شعب يستحق زعيمه" لها جذور عميقة في التراث ، وتكرست نتيجة النكسات التي أصابت الحركات الاحتجاجية ضد المستبدين في منطقتنا . فبينما كان هناك دوما وعاظ السلاطين يسوغون للطغاة المستبدين استبدادهم ، كان هناك أيضا ودوما أناس يائسون استسلموا للأمر الواقع ، كقدر منزل عليهم لا راد له . وقاموا – سواء وعاظ السلاطين أم اليائسون البائسون- ينظّرون في هذا المجال أيضا ، ويدبجون حِكَما وحكايات مأثورة مغزاها أن الله يسلط ظالما على الظالمين ، أو نحن شعب نستحق هذا العقاب الإلهي لكوننا غدّارين ولا نعرف الرحمة ، وما الى ذلك من خرافات. وهذه الفكرة مدعومة ايضا عند أوساط استعمارية غربية ، وهي فكرة عنصرية واستبدادية لتبرير الدفاع عن المستبدين الذين يفتكون بشعوبهم وتسويغ دعمهم لأنظمة القتل والإرهاب في الشرق . وقد أطلقوا على هذه السياسة ”سياسة النسبية الحضارية والتعددية الثقافية" والدفاع عن التقاليد والتراث ، ويتبعها النازيون الجدد لضرب مصالح الشعوب المضطهدة وفي نفس الوقت تبرر تعاون الغرب الاستعماري مع الدكتاتوريين العرب ، والتنسيق مع الأنظمة الجائرة ضد معارضيها. هذه السياسة النازية الاوروبية يتبعها كثير من الأحزاب الأوروبية سواء الاشتراكية منها أم البرجوازية و يتلقفها وعاظ السلاطين ومثقفو ثقافة التدمير الشامل العربية ويتبنونها للمزيد من الارتزاق على حساب لقمة العيش لأبناء شعبنا. وأتساءل أيضا ، لماذا لا يستحق شعبنا زعيما حكيما ينتخبه بإرادته الحرة . ألم يحكم طوال التاريخ في فترات معينة في اوروبا زعماء دكتاتوريون وقتلة ، لماذا لا تستحق شعوب اوروبا في هذا العصر زعماء مثل دمى الأمة العربية ؟ لقد كان في العراق و لا يزال سياسيون شرفاء نحن العراقيين نستحق أن نختارهم لإدارة شؤون بلادنا. فكفى وكفى إهانة لجماهير العراق المظلومة. لا يمكنني هنا أن أبرئ ساحة الكثيرين مما يسمى بالنخبة ، سواء كانوا صراحة يرقصون لفارسهم كدمى حقيرة ، أو الذين كانوا يخدمون سياسته الفاشية عبر أفكارهم الرجعية وتفاهاتهم المقززة التي سموها بالمعارضة ، فلا يمكن تبرأتهم من الجرائم التي ارتكبها النام البعثي ، فهم شركاء له في كل جرائمه ، وستبث الجماهير المظلومة بأمرهم حيث يتسنى لها ذلك. ويمكن أن تكون تلك الفكرة صحيحة بحق هذه النخبة المبتذلة ، ولكن ليس بحق مجتمع ذي أكثرية مسحوقة ومظلومة . فهذه الفكرة بدعة قديمة وجديدة لعرّابي اللبراليّة والنظام العالمي الجديد ، مبنية على اسس عنصرية بغيضة لا يمكن لأى انسان ذي مشاعر انسانية القبول بها . فأنصار" التعددية الثقافية" multiculturalism يدّعون ان حقوق الأفراد تتفاوت حسب الملّية والدين والثقافات ويقولون إن الحقوق الإنسانية لفرد من مواليد العراق او الصومال او ايران او افغانستان تتميز عن حقوق الذي هو من مواليد امريكا ؛ كندا او السويد . ادعياء "التعددية الثقافية" يدّعون ان الشعب العراقي شعب كان على شاكلة دكتاتوره ونظامه الفاشستي وانهم اختاروه لكي يبطش بهم ويدوس على ابسط حقوقهم الإنسانية .حيث ان هذا البلد حسب رأيهم خال من الفروق الطبقية، والنضالات والتضحيات الجسام من اجل حياة افضل ؛ خال من أحرار ومناضلين في سبيل الحرية . وللرد على هذه الأكاذيب يجب القول ؛ لماذا تم اعدام الآلاف في العراق ؟ ماذا كانت تعني المقابر الجماعية والأنفال ، إذا كان حقا كان هذا الشعب يستحق النظام البعثي ؟ و اذا كان حقا الارهاب والدكتاتورية والعادات المتخلفة جزء مقدسا من ثقافة هذا الشعب . ,,شعب أي بلد تحكمه حكومة تليق به ’’ هذه الكذبة الكبيرة تم ويتم ترديدها كرارا ومرارا بحيث اصبحت قطاعات واسعة من الناس في اوروبا وامريكا تصدقها ، كما ان كثيرين من ابناء البلدان المتخلفة سواء كانوا في بلدانهم الاصلية او في المنافي ترددها كالببغاوات . هذه الكذبة كانت تدعوا كل العراقيين ان يفدوا " فارس أمتهم" بالأرواح وبكل غال ونفيس وان مقتل مئات الآلاف منهم لحماية نظام مفروض عليهم من قبل مبدعي "التعددية الثقافية" شأن عادٍ وأداء لطقوس دينية وثقافية آمنوا بها وبقناعاتهم . وبهذا المنوال يبرر ابطال التعددية إبادة اهالي حلبجة بالغازات الكيمياوية وقتل أكثر من 150 ألف من الأبرياء في هجمات الأنفال وسبي نسائهم واطفالهم والمقابر الجماعية التي لم ينته الناس من نبش الكثير منها. ولكن تاريخ شعوب العالم تثبت لنا خطل هذه النظرية اللاإنسانية وهذه الأحكام اللاأخلاقية ؟ فاذا كانت الحكومات حق اتعكس ما يليق بشعوبها المحكومة ؛ فماذا تعني الفاشستية الايطالية والنازية الألمانية، والفرانكوية الاسبانية ، والابادة الوحشية للهنود الحمر في امريكا وجرائم الأوروبيين في أفريقيا وآسيا ،مقارنة بأوضاع العالم اليوم ، وهل كانت تلك الشعوب مستحقة تلك الحكومات وتستحق حكوماتها اليوم ايضا ؟ لماذا لا يستحق اهل العراق اليوم ان يكونوا من واضعي القوانين مثلما وضعوها قبل آلاف السنين ؟ لماذا لا تليق بهم بغداد النور والعلم ، بغداد مركز العالم حينما كانت اوروبا تعيش في ظلام دامس ؟ لماذا لا يستحق الأوروبيين ظلامهم الدامس الذي كانوا يعيشونها في القرون الوسطى ؟ ان نظرة متأنية ومنصفة لمسير التاريخ وتحولاته والمد والجزر فيه ، تبين ان المسألة لا تتوقف على نوع الثقافة والعنصر والدين، بل تتوقف على المسير التاريخي والاجتماعي . لهذا علينا البحث عن العوامل المؤثرة في هذا المسير . واذا ارجعنا المسألة الى الجغرافيا والعنصر القومي وسمو هذه الثقافة او تلك يعني اننا نبرر التفوق العرقي والعنصري للأوروبيين والامريكيين، وهذه الفكرة في عالمنا المعاصر مدعاة للضحك والسخرية. فإن المكتسبات الانسانية من ديمقراطية ،وحريات سياسية ، وحرية التعبير والتجمعات والانتخابات وسواها ليست هبة الرأسمالية و(اصحاب التفوق العرقي والثقافي ) ، وان تاريخ العالم ملك لكل العالم . فتلك المكاسب ثمار نضالات وتضحيات شعوب الارض على مر العصور . ولكننا نرى كيف يتم التجاوز على مطاليب الإنسانية وحقوقها في العالم المتحضر ” أصحاب الثقافة السامية" الانسانيين جدا؟ ونشهد اليوم كثيرا من انتهاكات لمقررات حقوق الانسان وقّعوا عليها بأنفسهم وفق ما تقتضي مصالحهم الأنانية؟ صحيح أن النخبة الراعية لسكان الأرض لها ثقافتها ، لكن ليس هناك من مجتمع من مجتمعات الغرب يخلو من تعدد ثقافات ، والا لتوقف مسير التاريخ . ليس هناك مجتمع ما ولا شعب ما له ثقافة واحدة موحدة ويعيش ويعمل في مستوى ثقافي واحد . طالما هناك طبقات سائدة ومسودة ، وطالما هناك استغلال ونهب وامتيازات وهضم لحقوق الآخرين الاجتماعية والاقتصادية ، فلا يمكن تصور ثقافة واحدة لمجتمع من هذا القبيل ، فتلك الفوارق تنتج اختلافات فكرية وسياسية وتمايز في النظرة الى العالم وتعيد انتاج نفسها . "التعددية" عند الغرب والتي أشبهها بالطائفية عندنا ، تدعونا الى احترام تلك الفوارق وتقديسها ، وتفرض علينا التسليم بقبول فكرة أن مآسي شعبنا نتاج ثقافتنا إذ لا يمكن لنا الا القبول بها، بل الابتهاج بها . ان حقوق الانسان في ظل هذه البدعة أي ”التعددية الثقافية" ، وهي مقولة خطيرة- تتعرض لانتهاكات ، حين تمكن أصحاب هذه السياسة في التأثير في مجتمعات شرقية واستطاعوا تعبئتها أبنائها ضد التمدن والتحضر بحيث أصبحوا يعتقدون أن حقوق الانسان لا تعنيهم، بل أنها ابداع غربي ونوع من الاستعمار . فقتل النساء وفق مبدعي التعددية الثقافية تقليد ثقافي لنا ، لهذا نلمس تساهلا ملموسا مع قاتلي النساء من الشرقيين عند المحاكم والسلطات الأوروبية وتخفيفا لعقوباتهم ، إذ أن القانون الذي يشمل السويدي أو البريطاني مثلا في هذا المجال لا يطبق على المسلمين . فالعنصريون في الغرب على معرفة تامة بثقافتنا وإذا عصت عليهم مسألة ما بخصوص ثقافاتنا بإمكانهم الاستفسار من متخصصيهم في شؤون الحركات القومية الفاشية صنيعتهم ، والقوي الرجعية الأخرى في منطقتنا ، ليحصلوا على المعارف المفيدة لصناعاتهم الإنسانية جدا وتلبية احتياجات صنائعهم المفروضين على شعوبنا المغلوبة على امرها من اسلحة الدمار الشامل وصيانة بوابات اممهم المجيدة وتحرير اراضيهم المغتصبة وإحياء عظام الأجداد العظام والافتخار بهم والتضحية بمئات الألوف قربانا لهم . هكذا تضمن المصالح السياسية والاقتصادية لأوروبا وامريكا في ظل التعددية الثقافية دعمها للعنصرية ويدا بيد مع اشد الحكومات رجعية تؤدي الاحترام ل(ثقافاتنا ) المقدسة .
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا حياة بدون حوار و تفاعل
-
ثمة جذور تركية للتفجيرات الإجرامية الأخيرة في اسطنبول
-
روح في سماء -السليمانيّة- إلى ف
-
الريح القدس
-
شارلي شابلن بفيلمه - الدكتاتور- انتصر على النازية
-
أمام الجدران
-
قصائد للشاعرة چنار نامق حسن
-
الشاعرة الأمريكية -أميلي ديكنسون
-
الشاعرة السويدية كارين بوية
-
ماه شرف خان كردستاني
-
وفي قلوبهم للطغاة عروش
-
أمواج الأحلام
-
قصائد للشاعرة الفنلاند سويدية أديث سودرغران
-
بؤساء- -هوغو- و بؤس الثقافة العراقية
-
قصائد للشاعر السويدي آرتور لوندكفيست
-
العنصرية البليدة في فكر صباح ديبس
-
اربع قصائد
-
يجب أن يكتمل الأمل ، وتحية إلى حركة العاطلين عن العمل
-
همسات داكنة
-
حجارة الوند
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|