مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 2213 - 2008 / 3 / 7 - 09:36
المحور:
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
المرأة و ضحايا جرائم الشرف ؟
كل التقدير والشكرلأسرة وإدارة " الحوار المتمدن " التي تطلق الحملات بين الحين والاّخر , والمناسبة تلو الأخرى على كتابها وقرَائها , لإلقاء الضوء والحوار والتحليل على أهم أمراضنا الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية وغيرها التي تعاني منها شعوبنا , للتضامن معها أولاً - و للمساهمة بإعطاء الرأي والمقترحات ثانياً , لإيجاد الحلول لمشاكلنا وأزماتنا التي تنخرنا في الصميم وتجعل الإنسان فيه مشلولاً ومضطهداً , بالتالي توقف وتجهض عوامل التقدم والتحديث , والتنمية والتحرَر , وترجع للوراء بلادنا مئات السنين ..
هذا العقد عقد المرأة بامتياز كما أطلقت عليه منظمة - هيأة الأمم المتحدة –
في خضم هذه الثورة النسائية تتبارى الأقلام والسجال المتواصل من كل اتجاه وعلى كل صعيد . تكثر المؤتمرات , المهرجانات , المحاضرات , الندوات , الكتب , اللقاءات , الحملات , في كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة . ... كلها تشرح وتقيم ونفند حقوق نصف المجتمع المغيَب , السلبيات , والإيجابيات , ماذا حققت هذه الحملات وماذا لم تحقق , ما هي المنجزات وأين الفشل ولماذا ؟ وما هي المهمات التي تقع علي عاتق الجميع ( المجتمعات والدول ) من هذه القضية والأدوار المناطة بالحكومات والمنظمات والأحزاب , و ما هو دور الإعلام , دور المجتمع , منظمات حقوق الإنسان – وزارة حقوق الإنسان إذا وجدت وعملت باستقلالية وضمير ؟؟
ثورة يومية حقا ... شهرية و سنوية دائمة و مستمرة المهمات والمسؤوليات .. عرس شعبي .. و " ورشة عمل " لرفع الإجحاف الذي لحق بالمرأة العاملة الكادحة طوال اّلاف السنين , ولقد حققت الكثير , وما زال أمامها الكثير لكي تنجزه , ومنها قضية " جرائم الشرف " .
...." .....فانحنى يسوع يكتب بإصبعه في الأرض .... رفع رأسه وقال : " من كان منكم بلا خطيئة فليرجم هذه المرأة بحجر . فخرجوا واحدا بعد واحد, وكبارهم قبل صغارهم , وبقي يسوع وحده والمرأة في مكانها . فجلس يسوع وقال لها : " أين هم , يا امرأة ؟ أما حكم عليك أحد منهم ؟ " فأجابت : " لا , يا سيدي ! " فقال لها يسوع : " وأنا لا أحكم عليك , ... .... إذهبي ولا تخطئي بعد الاّن " ." ( إنجيل يوحنا : 8 – المرأة الزانية ) .
معركتنا اليوم هي الإنسان بداية .. " معركة الكيان الإنساني " الشامل الكلي , بكل أبعاده الجسدية والروحية والفكرية والقانونية , و في طليعتها قضية المرأة , بالتحديد , قضية الشرف جانب منها .
الذي سأقوله هنا لا يختلف كثيراً عمَ قيل , وكتب الكثير عنه سابقا .. وسيكتب الكثير لاحقاً , فهو موضوع الساعة وهاجس أكثر البلدان والشعوب الطامحة للتحرَر والديمقراطية ..
فعلاً .. كتب عن هذا الموضوع الكثير من الكتب والدراسات وتناوله الكثير من الكتاب والكاتبات والباحثات والشعراء كل في اختصاصه ومن زاويته , وقد أشبع تحليلاً ورأياً ونقدًا ومقترحات .. وما زال يقلق الكثير من منظمات حقوق الإنسان , والمنظمات النسائية خاصة , لأننا فعلاَ لا نزال في بداية الطريق ..
ينشأ الإنسان أو الفرد , في بيت وأسرة ومجتمع ودولة , أي يحيا الإنسان في ثلاث دوائر أو حلقات هي المسؤولة عن تكوينه ونشوئه , والتي يترتب عليها عبر قوانينها وتقاليدها وأنظمتها , تنظم وتحدَد حياة الناس وعلاقاتهم وأمنهم والحفاظ على أرواحهم وحرياتهم عبر شبكة كبيرة من المؤسسات الإجتماعية , والدستورية الفعَالة التي لاتقوم دولة إلا بالإتزان والتوازن بينها بشكل متساو وعادل ..
... فقضية جرائم الشرف قضية خطيرة , قضية إنسانية مؤلمة وموجعة إنسانياً حقاً – قبل كل شئ - قضة ساخنة وملتهبة متصاعدة يومياً ومستفحلة جنائياً , وهي في ازدياد وتيرتها يوما بعد يوم منذ عقد مضى وأكثر . فهل السبب هو إنفتاح العالم إعلامياً وأخبار هذه الجرائم لم تعد طي الكتمان أو التعتيم أو داخل الأبواب المغلقة كما كانت ؟ ؟ أم هي نتيجة الإنحدار في النظم السياسية والقانونية والأخلاقية ؟ والإنفتاح والحروب , وتصادم الأفكار التحرَرية مع الأفكار المحافظة المتزمتة ؟ , وعبور سلبيات العولمة وفواحشها واّثارها السلبية التي تركت سياطها على مجتمعاتنا المتخلفة وزادتها تخلفا على تطرفاً ؟؟ لا أدري ربما كل ذلك , و هناك الكثير من الأسبا ب الأخرى لا شك هي الدوافع في ازدياد وارتكاب هذه الجرائم البشعة في حق المرأة ونحن في عالم الفضاء عالم الحرية والأبعاد .. والقرية الكونية .. واحترام حقوق الإنسان .. وخياراته وإبداعاته الخيالية التي تخترق الجدران القارية والحدودية واللغوية وكل ما هو بعيد ومختلف ومتعدَد ..
لا شك أن هناك تقصير كبير , وثغرة واسعة , في بعض الشرائع الدينية المطبقة في مجتمعاتنا التي تعتبر المرأة كائناً دونياً ( ناقصة عقل ودين ) والتي تعامل المرأة بالتمييز العنصري وتحصر دورها بالخدمة والإنجاب وتكبلها بالكثير من الضغوطات والموانع , وثانياً دساتيرنا المشوَهة وقوانينها الذكورية التي تميز الرجل عن المرأة , وما يؤثر كل ذلك المناخ على تعميم الثقافة الطبقية الفوقية للمجتمع اللاإنساني واللاديمقراطي وعلماني ..!؟ .
الجميع يعلم التوصيفات والتعابير والأمثال والأقوال حول المرأة , والاّراء والتقاليد والأعراف الرجعية القديمة والسلفية في تحقير واضطهاد المرأة عبر اّلاف السنين - ففي هذه العادات و الثغرات الدستورية يخترقها الكثير من المهووسين بالجنس والغرائز وليس الحب , لأن الحب مقدس وراقي ومحترم وطبيعي للإنسان في علاقة عاطفية , أو أسرية هي الأنبل والأرقى والأجمل في حياة الإنسان ..
وبعض الأفراد الذين لم يبلغ الوعي لديهم مستوىً ناضجًا , يصطادون في الماء العكر عبر الوشاية أو العداوة أو الإغتصاب, أو الزواج من غير دين أو طائفة – حتى أحيانا غير عائلة - أو الكذب , أو أسباب قاهرة جدا جدا أو عوز وتشرد وحروب وووو غيرها من الضغوط الإجتماعية والإقتصادية .. ويحصل أو لايحصل أي شئ للفتاة أو المرأة مما يدعو نه " الشرف " .... وتقع الجريمة البشعة .. بقتل الفتاة البريئة بواسطة الأب أو الأخ أو القريب بطقوس وحشية دموية يخجل الضمير الإنساني من سماعها أو مشاهدتها .. كما رأينا وشاهدنا سابقا – وكل يوم - من أسماء وأفلام شوهت مكانة المرأة والحس الإنساني والحضارة البشرية .. !؟
تقول الشرائع التاريخية , والدينية : " ....... لا تسرق . لا تكذب . لا تزن . لا تشته إمرأة قريبك . لا تشته مقتنى غيرك ... الخ " .
وتقول الحقائق والوقائع والوثائق البشرية الماضية والحاضرة المعاشة : أقتلوا , أسرقوا , أكذبوا , اغتصبوا , أسرقوا مقتنيات غيركم , احتلوا أرض غيركم , اغتصبوا واقتلوا إمرأة جاركم , أطفال جيرانكم , صديقكم , أبناء بلدكم ........ . أقتلوا خرَبوا استبيحوا هجَروا اطردوا شردوا جوَعوا المئات الألوف بل الملايين ..
أي تقدمية هذه , وأي قانون , وأي دين هذا , أي حضارة تمارس في وطن القداسة وطن الإنسان الأول والحضارات الأولى ... .!؟؟
أي مدنية وأخلاق وقوانين يسجن , ويظلم و يباد فيها البشر ويذبح دون رفة عين أو اختلاج ضمير , في كل فجر ويوم جديد .. !!؟
إن انعدام السلام والأمن , وعدم فصل الدين عن الدولة , واستمرار الإنظمة الإستبدادية المزمنة في قمعها وظلمها , وجشع الرأسمالية المتوحشة , والقوانين الرجعية الطبقية التي تميز بين الرجل والمرأة , وانتشار الحروب والمنازعات والإحتلالات , واقتصاد السوق , والخراب والدمار والتسيب والتهجير , وما يرافقه من تخلف اجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي ووو.... إلى ما هنالك من سيادة وسيطرة التيارات الدينية الرجعية المستوردة , والمحلية , المستنفرة , و فرق الإرهاب , والمذهبية والشوفينية وتنامي العنصرية والطائفية , وتخريب العلاقات الإجتماعية , إلى جانب اضطهاد وتغييب التيارات الديمقراطية واليسارية , وما يرافقها من تعطيل لدورة الحياة الطبيعية والتقدم والبناء والتحرر والتطوير --- مما ينعكس كل هذا الجو الموبوء ويولَد إلى جحيم لا يطاق وتكون الأسرة الخلية الأولى في المجتمع التي تؤلف الأساس في بنيان المجتمع السليم المتماسك , إلى التفكك والإنهيار فتقع الضحية أولاً على المرأة لأنها هي العنصر الأكثر اضطهاداً وسلباً لحريتها وكيانها وأكثر للتحرش الجنسي والتدخل في لباسها وحجابها وتعليمها وتسخيرها لشتى المهام القذرة مرغمة كما في جنوب العراق مثالاً صارخاَ على ذلك و ظاهرة الإنتشار فيه أكثر من بقية المناطق !!؟؟
فتتفشى ظاهرة جرائم قتل النساء لشتى الأسباب - طالما المجتمع مستباحًا بهذا القدر من الوحشية والفوضى والإستبداد , واللاقانون .. والمليشيات المنفلتة من أي قانون وثقافة وضمير والتي حلت محل الدول والمؤسسات والحكام , تتحكم في لباس المرأة وحجرها , وزواج المرأة واغتصابها .. وإشاعة الفوضى .. وشريعة الغاب ..
وسيادة الجريمة ومافيات سرقة الفتيات والأطفال من الجنسين وبيعها في سوق النخاسة ترعاها الطبقات المستغلة في كل مكان من هذا العالم الساقط في وحل الأنانية والسلطة و الجريمة والتغول المالي والجنسي ..
.......
أجمل ما أنهي هذا المقال ما قالته الرائدة المصرية والكاتبة نوال السعداوي :
بعنوان :
" مكافأة الجاني وعقاب الضحية مرتين
كان يشتهي فتاة صعبة المنال
لها عقل في رأسها تعتزَ به أكثر
من أي شئ في جسدها .
تعقبها حين خرجت من باب المدرسة
وخطفها مع ثلاثة اّخرين .
في منزل مهجور اغتصبوها واحد وراء الاّخر .
ثم ألقوها في الطريق .
أصدرت المحكمة قراراً بإعدامهم الثلاثة .
إلا أن واحداً منهم تقدَم للزواج منها .
هكذا عوقبت الضحية مرتين وكوفئ الجاني .
وأطلق سراح الثلاثة دون كفالة .
حسب المادة 291 من القانون الحالي " ...... يتبع
5 / 3 / 2008 / لاهاي
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟