|
مسارات السياسة في الإقتصاد العراقي
ساطع راجي
الحوار المتمدن-العدد: 2212 - 2008 / 3 / 6 - 07:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قرارتحويل الاقتصاد العراقي الى اقتصاد السوق يعتمد كثيرا على المعطيات والافكار السياسية دون اهتمام كبير بوقائع الممارسة الاقتصادية، فقد اتجهت السياسة العراقية نحو زج العراق سريعا في معترك السوق العالمية المعقدة وربطه بالمؤسسات المالية العملاقة وكأن العراق لا يحتاج لتغيير مساره الاقتصادي الا الى قرار سياسي في حين تثبت الارقام يوميا إن العراق بلد يعيش على واردات النفط وهذه الثروة هي ملك الدولة وليس في العراق رؤوس اموال ولا كفاءات ادارية قادرة على ادارة هذا القطاع اذا ما تمت خصخصته ويبدو ان التوجه الوحيد الممكن للخصخصة سيكون عن طريق فتح الاسواق العراقية لرؤوس الاموال الاجنبية ولكن دخول الاستثمارات الاجنبية لقطاع النفط سيثير الكثير من الصخب والضجيج والتشكيك في نوايا القائمين على العملية السياسية وهو ما ظهر بشكل واضح في التعامل مع قانون النفط المعطل . يتحدث بعض الساسة عن اقتصاد السوق بفهم محدود ومشوش حيث يرون ان تشجيع رؤوس الاموال يتم عن طريق تعاقد الدولة او الاجهزة الرسمية مع شركات محلية او اجنبية للقيام ببعض المشاريع لصالح القطاع العام وصيغة التعاقد هذه اضرت كثيرا بالواقع الخدمي والاقتصادي واصبحت طريقا واسعا للفساد، بينما تم تناسي الفهم الواضح لإقتصاد السوق الحر القائم على فتح المجال امام رأس المال للعمل والابتكار وليس تمرير المال من الخزينة العامة الى الشركات وجيوب مالكيها مما يجعل من هؤلاء مواطنين مميزين حيث يتم التفكير بهم اولا ومن ثم تأتي بعد ذلك مصالح بقية الشرائح. لقد شهد الملف الاقتصادي في العراق حالة متطرفة من التسييس التي تريد حرف الوقائع بإتجاه واحد وعليه فقد تمت المبالغة بتأثير الديون على عملية إعادة الاعمار كما تمت المبالغة بإهمية إرتباط العراق بالمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهو ما أدى الى ربط العراق بإلتزامات ثقيلة لن يجني من ورائها الكثير من الفوائد، بل على العكس ساهمت هذه الالتزامات في رفع الاسعار وتدفق السلع الاجنبية على البلاد بشكل غير منظم مما أضر كثيرا بالزراعة والصناعة الوطنيتين، صحيح أن المنافسة بهذا الشكل أدت الى توفر سلع رخيصة ومتنوعة لكن هذه النتائج مؤقتة، فمع تأكد موردي السلع والتجار من توقف الانشطة الزراعية والصناعية المحلية فأنهم سيطلقون سياسة احتكارية تؤدي الى رفع الاسعار كما أن عدم وجود قطاعات انتاجية محلية سيؤدي الى اتساع رقعة البطالة ولجوء الدولة الى خيارات مضادة لمبادئ السوق الحر حيث ستضطر الى دفع المزيد من الدعم النقدي المباشر فضلا عن الدعم غير المباشر للمواطنين كما ان الدولة ستضطر مستقبلا لتقبل البطالة المقنعة والتوسع في التعيينات وبالتالي ستذهب الموازنة الى الرواتب، إنها حلقة مفرغة يريد البعض دفع العراق إليها عبر تجاهل الحاجة الى سن تشريعات حماية للإنتاج المحلي وكذلك عبر إضعاف الدعم المقدم للصناعيين العراقيين وكذلك المزارعين والاهم من ذلك التلكؤ في تأهيل المؤسسات الصناعية المتقادمة والمتوقفة عن العمل، وكل ذلك جزء من يهدد الامن الاقتصادي للبلاد ويخل بتوازنها الاجتماعي. إن الاسراع في ربط العراق بالسوق العالمية لن يؤدي الا الى نتائج سلبية لأن العراق غير مؤهل لهذه المرحلة بعد، ومن الافضل ان تتجه الدولة الى سياسة دعم واسعة لمختلف القطاعات بشكل مدروس ومجدي بما يشعر المواطن إنه ما زال مالكا حقيقيا لثروة بلاده وإن النخبة الحاكمة لا تريد الاستيلاء على هذه الثروة كما يقول اعداء العملية السياسية، عبر تحويلها الى ملكيات خاصة لشركات بعيدة عن الاراضي العراقية ولا يعرف عنها المواطن العراقي الا الشيء القليل. هناك حاجة ملحة للتفكير بمسارات الثروة الوطنية ولكن ليس بالصيغة السابقة التي أحالت الثروة الى ملك للحاكم بل بصيغة تجعل المواطن هو المستفيد الاول من هذه الثروة ويلزم لذلك التقليل من الاستماع الى نصائح البيروقراطيين والاكاديميين الذين تسيطر عليهم شهوة تحرير الاقتصاد، بل الافضل هوالسعي بإتجاه فتح الباب امام الاستثمارات الجديدة مع الاحتفاظ بالقطاعات التي تديرها الدولة حتى الآن أو مشاركتها جزئيا مع القطاع الخاص. الساسة الحاليون يعدون المواطنين بتقديم الخدمات والتوسع في الدعم ولكنهم من الناحية العملية يدفعون العراق للشراكة مع مؤسسات ترفض هذا التوجه مما يؤثر على وحدة الخطاب السياسي ويقلص من مصداقيته، خاصة عندما يتجاهل هؤلاء الساسة إن دولا رأسمالية عتيدة مثل الولايات المتحدة واليابان ما زالت تفرض قوانين حماية لبعض منتجاتها التي تعتبرها جزءا من أدوات امنها الوطني، وإن دولا رأسمالية أخرى تمتلك معظم الاسهم في شركات تصنف على انها خاصة بما يسمح للدولة بإدارة تلك الشركات وخاصة في مجالات النقل والاتصالات والصناعات الثقيلة وهناك دول تشارك كمساهم ثانوي في بعض الشركات الخاصة بهدف دعم القطاعات الجديدة والضرورية لحياة المواطنين، كما إن هناك حالة من التجاهل السياسي لتجارب مستعجلة في تحرير الاقتصاد مرت بها دول المنطقة، وبعض دول الكتلة الاشتراكية التي هرولت بدون تخطيط نحو اقتصاد السوق وعقدت صفقات بيع خاسرة وفاسدة لمؤسساتها العامة ثم سرعان ما عادت الى التدخل في الاقتصاد بعد ان اكتشفت عدم قدرة القطاع الخاص على القيام بالدور الاكبر في ادامة الحياة، ويتجاهل بعض الساسة الممسكين بالملف الاقتصادي إن معظم دول العالم تجني اموالا طائلة من الضرائب التي تفرضها على المداخيل والاستثمارات مما يجعل الضريبة الممول الاول لخزينة الدولة. لقد شهد العراق حالة سابقة من الخصخصة غير المدروسة وغير الامينة في عهد النظام السابق الذي سارع الى بيع المؤسسات الزراعية المنتجة ومصانع التعليب الى القطاع الخاص الذي حصل عليها بإسعار زهيدة بسبب الفساد والعلاقات الخاصة بالسلطة وسرعان ما تفككت تلك المؤسسات المنتجة او تردى إنتاجها ليبدأ العراق بإستيراد سلع كان ينتجها بكفاءة ومن ثم وجد العراقيون انفسهم بلا غذاء عندما فرض عليهم الحصار. العراق يمر بفترة سياسية حرجة من بين أهم متطلباتها ان يشعر المواطن العادي بتأثير مباشر للتغيير السياسي في حياته اليومية والا فإنه سيعتبر عملية التغيير ذات توجه خاص لنفع القوى الحاكمة ليس إلا.
#ساطع_راجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شفير المواجهة
-
الملامح العراقية للإتفاق القادم
-
خرائط معقدة
-
محنة قانون المحافظات
-
المستقبل في الجدل السياسي
-
القدرة على التغيير
-
الموازنة ..حكاية طويلة
-
العراق وانتخابات الرئاسة الأمريكية
-
إمكانيات التقدم السياسي
-
الارهاب والاستبداد
-
تجربة الهيئات المستقلة
-
جدل الاتفاق العراقي الامريكي
-
قضية الحرية
-
باريس تقترب...
-
زيارات متداخلة
-
خطوات سريعة
-
واجبات متراكمة
-
مستقبل الصحوة
-
جدل الموازنة
-
البهائية
المزيد.....
-
مشهد ناري مضاء بالمشاعل على مد النظر.. شاهد كيف يحيي المئات
...
-
من الجو.. نقطة اصطدام طائرة الركاب الأمريكية والمروحية العسك
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة
...
-
ضغوط وحرب نفسية وسياسية.. ما المراحل المقبلة من تنفيذ اتفاق
...
-
سقوط قتلى إثر تحطم طائرة على متنها 64 شخصا بعد اصطدامها بمرو
...
-
تواصل عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة دعوة حكوم
...
-
تحطم طائرة ركاب تقل 64 شخصًا بعد اصطدامها بمروحية عسكرية في
...
-
مبعوث ترامب يوجه رسالة لمصر والأردن
-
أنباء عن وجود بطلي العالم الروسيين شيشكوفا وناوموف على متن ط
...
-
شبكة عصبية صينية أخرى ستضرب إمبراطورية ترامب للذكاء الاصطناع
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|