أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أوزجان يشار - الكأس الأخير















المزيد.....

الكأس الأخير


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 2210 - 2008 / 3 / 4 - 07:16
المحور: الادب والفن
    



وضع ضياء نادل البار كأس الويسكي أمام مراد عامر بعد أن حرص على ان يملئة و يهزة بطريقة استعراضية و كأنة مشهد يومي يتقنة و يمارسة بجدارة وهو يقول .. استاذ مراد هذا آخر كأس لك .. لقد شربت كثيراً هذه الليلة .. و قبل أن يفتح مراد فمه ليحتج .. جاء صوت مدام جورجيت.. هذا الكأس القادم على حسابي يا مراد بيك .. تناول مراد كأسه و غادر كرسي البار المواجه لضياء إلى حيث الطاولة المقابلة للبيانو حيث تعزف جورجيت كل ليلة .. تأمل مراد تلك اليونانية .. بدت و كأنها مازالت في مطلع العقد الثالث رغم تلك التجاعيد التي منحت عيناها قدر رائع من توهج الأنوثة في الأربعينات.. قطع أفكار مراد صوت الكرسي الذي جلست عليه جورجيت لتقابل كرسي مراد .. و كان مراد في آخر العقد الرابع من عمرة و لكن كل من يراه كان يعتقد بأن عمرة اكبر بكثير من ذلك.. بدأ الرجل يتحدث وآهة تصدر من القلب والكلمات تتدفق... لست مختالا ولست معجبا بنفسي.. ربما لم تعد لكلماتي رنين تئن له القلوب .. ضيعت سنين عمري حتى نبتت هذه الشعيرات البيضاء وملأت وجهي وصدري .. آه .. لقد شبت بسرعة ياصديقتي .. و الخطوط التي تزحف فوق معالم وجهي ترسم ملامح رجل جديد لا اعرفه ولم أقابله من قبل.. هل تعرفي ما معنى هذا .. أنه الفناء و الإفلاس .. فأنا لا اعرف كيف أبيع ما تبقى من العمر.. أقول لكي بصدق بأني الكلمة.كيف هربت الدنيا من بين أناملي... كنت دائماً تقولين .. ابحث عن فرصة .. وأقول أني أكره هذه الكلمة .. لست بائعا ولست مشتريا ولكني اشعر اليوم بأنك ربما على حق.. حقك في أن تداومي على نصيحتي و أنا اشرب من آخر كؤوسي... ياللعجب يا جورجيت .. لا أعرف لماذا أنسى كل ماتقولية بمجرد أن افتح عيناي صباحاً.

يا صديقتي أن الحقوق تضيع تماما مثل العمر و لا يبقى شيء سوى الذكرى .. الكلمات .. الأشياء و الأماكن و الوجوة كلها تتغير .. كلها ليست خالدة .. و الإنسان ليس خالدا إلى الأبد .. وأنا عجوز .. هذه حقيقة وان مت فلن يبقى شيء جميلاً يتذكرني به أحفادي.

قالت جورجيت : إنما العيب فيك أنت يا مراد .. لم تحسن تربية أولادك .. فما بالك بأحفادك .

قال مراد وقد ارتعشت الشعيرات البيضاء حول فمه و اهتزت لحيته البيضاء : جورجيت .. هل بدأ مسلسل التقريع المهين ؟

قالت : لن أعتذر فما كان بينك وبين صغارك سوى العداوة و الجفاء والقيل والقال .. حتى تدخل الغرباء بينك وبين أولادك فلم يتبقى شيء من الحب و لا من المودة.. لقد تفننت في زرع ثمار الفرقة حتى زالت آخر بادرة للحوار.. هنا أقول أنها الإفلاس كما تقول ولكنني يا صديقي العجوز أخشى عليك من هذه النهاية.

قال : تنتهزين فرصة ضعفي وفراق أولادي ثم تعبثين بمشاعري .. لا أريد أن اشرب كأسك هذا..

ضحكت جورجيت : لقد أنهيت آخر قطرة فيه قبل أن احضر إلى طاولتك .. أني صادقة معك .. لقد عبثت أنت بأغلى ما تملك وكان الغرور حليفك و سلاطة اللسان قرينك و أعجبك أن تكون نجم الشباك و لكن في شبابيك الجيران و الأصدقاء و الأقارب.. فلم تنق أبدا بصديق ولا حفظت عهداً لحبيب, وكان الاعتراض وحده دينك قبل أن تسمح لعقلك أن يميز أو يشعر – كنت تعترض لمجرد الاعتراض فقط.. والآن لأنك صرت عجوزا تمزقك الآلام و المحن فأنت تحاول أن تبيع متاعبك و افلاسك . قال مراد وهو يقذف ببقايا كأسة في جوفه: أن حياتي كانت مجرد حالة خاصة جدا لذلك كنت دوماً متحفزاً للركلات و الطعنات .. صدقيني أني كنت اشعر بالالم و انا اعترض و انا اتكرمش داخل ذاتي تاركاً كل شيء يضيق حولي. لقد بنيت يا جورجيت مجد من وهم .. كنت اعتقد بان حياتي تتحرك أمام عيناي خلف سجن من الفولاذ .. لكن ها أنا اكتشف بأني أنا هو من كان خلف الفولاذ .. أنهاللحظات.يكة حديدية لا أستطيع منها فكاكا لذلك آثرت السلامة ولست متعجلا لشيء الآن .. أن اللحظات . التي اتخذت فيها قراراتي كانت لحظات خاصة ــ لذا رويدك يا صديقتي الجلادة.. قد تقولين أن ما تعرفينه هو حالة عامة وليست خاصة ــ ولكن هذه الشعيرات البيضاء التي غزت رأسي ليست تاجا يتوج رأسي وليست مجرد حالة صوفية أمر بها ولكن هذا النبت الأبيض هو محصلة سنين طويلة قضيتها متأملاً ما ستجود به هذه الحياة العسيرة التي عشتها و الآن لا يعتريني شك باني أعيش لحظات الألم التي انتظرتها طويلاً .. لذلك ياصديقتي ــ أصدقك القول سواء طال العمر أو دنا .. ثمة بريق أمل بان أنجز شيئاً ما تجاه نفسي و تجاه غيري أيضاً.

قالت جورجيت بحدة مصطنعة : ماذا تقصد ؟

قال وهو يتحسس الشعيرات البيضاء المتناثرة حول ذقنه وشفتيه : لا اعرف و لكن هناك وميض يشاكسني .. يخبرني بان دوام الحال من المحال .. المشكلة بأني احتاج أن أثق في هذا الوميض و أنا الذي اشك حتى من خيالي.. آنا لا احتاج لمزيد من التقريع و الاتهامات التي تنصب على رأسي من ذات اليمين وذات اليسار من الصديق قبل العدو .. انظري حولك تجدين الفساد و قد شاع و عاث و من الظلم أن أتحمل وحدي نتاج عصري و زمني... اسمعي يا جورجيت .. قالها مراد متابعاً حديثه .. الكل يسعى للاستيلاء على ما بقى من جسدي ولا يهم قدر هذا المتبقي .. لا يهم .. أن رأسي تطن يتلك العبارات التي تنتمي بكافة الاتهامات فهل هناك وقت للرد أو لاتخاذ القرار ؟ كان قراري أن أحول دونهم والجذع الأخضر الوحيد الذي أبقيته نابتا .. من جدول صاف .. الحب.. نعم الحب هو حبي لتلك القطعة من أرضي وأرض أجدادي.. كنت شغف أن المسها و أتوسدها و أقبلها.. أسقيها برماد جسدي وإذا ما جاء موتي.. أريد أن ادفن فيهيستيقظون يوماحفادي يستيقظون يوما فيقولون .. آه هذه بقايا من تراب الجد الكبير .. لنهب ونصحو من تلك الغفوة الدائمة .. لعل ذرات التراب يسقيها هؤلاء الأحفاد فتنبت نبتا أخضر . لقد خفت أن أوافق وأن أجهر بالموافقة على بيع الارض و لكن إذا ما بعت تلك الارض لن يبقى منهم أحد .. سيحصلوا جميعاً على الفتات ثم يهربوا بعيداً حيث لا لقاء بعد اليوم. ليتهم ما تركوني في مشيبتي اتعذب و اعاني .. هناك عدو جاثم فوق صدري.. لا أستطيع منه فرارا ولا فكاكا .. أنا لست عاجزا برغم الكبر ولكني أريد أن اموت فوق ارضي و ان اختار موقع قبري .. أنها قطعة صغيرة .. أليست أعظم وأروع من الضياع !! تجدينني مشردا .. لا احد يضمني .. لا بيت يأويني .. لا جدار يسترني .. من يضن على بذلك سوى العدو ! .

قالت : أن عدوك يملك القوة ..

قال : أنا أملك الحق والبرهان .

قالت : منذ زمان بعيد و أنت تملك الحق والبرهان , فماذا فعلت ؟

قال : ماذا تقصدين ؟ حوارك هذا يطعنني اكثر.

قالت : (( الذي لا يرضى بالخوخ .. يرضى بشرابه )) ..

قال متحفزاً : تعبثين بشيبي و وقاري .

قالت : لا أقصد و لكني ارى الشيب و لا ارى الوقار ..

قال: هذا يكفي ..

قالت : قد يأتي الفجر بجديد .فلا تيأس ..ومن يعلم ؟!

قال : انه الغيب إذن ؟

قالت : إنه الحلم و ليس الغيب ..

قال الرجل: أين المفر إذن ؟ ..

ضحكت وتمادت في الضحك..

قال : مم تخافين ؟ .

قالت: من الخوف ذاته ..

قال ثائرا: تتهميني بالتخاذل و الإفلاس .. وأنت مازلت تخافين الخوف نفسه !!

هزت كتفيها .. ولوت شفتيها .. عضت أصبعها .. سرحت وتساءلت : أي أمل هذا الذي يداعب الرجل العجوز ؟ .

وشعر بثقل همومها .. ابتسم و قال ماذا لديك يا جورجيت غيري ليكون همك؟

قالت : لنعد إليك والي همومك ..

قال الرجل: أن همومي هي الفرع و ليست الأصل ..

قالت : أتريد أن تثقل كتفك بأحمالي .. ما كفاك أحمالك ووهنك !!!

قال: لست نعامة أدفن رأسي في الرمال و اترك مؤخرتي للركل و الرفس و ... و لكني مازلت أرى هذا البريق من الأمل .

قالت : وقد اتسعت حدقة العين : أمل .. أتقول (( الأمل )) ؟

قال: و هل هناك شيء ما يستحق الأنظار سوى الأمل.

هنا قالت سميرة نادلة الحانة لضياء وهى تجمع الكؤوس و الزجاجات الفارغة متحدثة بصوت خافت مع ضياء .. إلى متى يستمر هذا الحال .. أني أتعجب كيف يستطيع هذا العجوز أن يجالس كرسي فارغ و يتحدث معه كل مساء هكذا بلا ملل.. أتراها الخمر أو خرف الشيخوخة ؟! لماذا لا يريد أن يفهم بأن جورجيت قد ماتت منذ خمس سنوات وهذا البيانو لم تلمسه أنامل بعد موتها..

رد ضياء بحدة و كأن هذا الحديث قد أهانه شخصياً .. لا عليكي أنت بما يفعل.. فقط اذهبي إلية بفاتورة الحساب و دعيتا نذهب إلى بيوتنا لكي ننام .. أنة يرى و يسمع و يدرك ما لا تستطيعي أنت أن تدركيه أو تفهميه ...


* أوزجان يشار



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رهاب الحديث امام الجمهور
- يا سكان الأرض اتحدوا..!
- بيئة العمل و المخاطر المهنية
- ثائر ليبرالي ام مصلح اجتماعي
- الكلور الحارس الغادر
- لحم البشر و آداب المائدة
- الغيرة بين شارلوت وياسمين
- توم هانكس مبدع يمتطي الصعاب
- المياه محور الصراع القادم
- القرآن وماكينة الخياطة
- ومضات من حياة فولتير
- الطبيب و المقبرة
- بدلة أول عيد و أول يد أنثى
- الملائكة تتكئ على عصا
- أسنان البحر
- المحظورات و أول و آخر صفعة
- أوروبا تعزز المعرفة الفيزيائية بين شعوبها
- فوضى الزحف إلى المدن
- صياغة العقول تبدأ من توم وجيري
- طقوس و تنوع الانتحار عبر التاريخ


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أوزجان يشار - الكأس الأخير