|
ملا حسن -أبو ئاسو-..وداعا!
كفاح حسن
الحوار المتمدن-العدد: 2209 - 2008 / 3 / 3 - 11:02
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
في صيف العام الماضي، كان لقائي الأخير مع الفقيد الرفيق ملا حسن. حيث إلتقيته في منزله المعلق في الوادي الصخري الساحر الذي ينحدر من وسط مدينة راوندوز الراقدة عند سلسلة جبلية متلاصقة، تضفي على المنطقة جمالا، و تمنح ساكنيها الآمان. ففي وسط هذه القمم المتناطحة، تجلس راوندوز متحدية كل الغزاة. فعندها تقهقرت جيوشهم عبر التأريخ.
و رغم وهن المرضى الذي كان الرفيق أبو ئاسو يصارعه، طالعني الفخر و الكبرياء الذي يحمله و هو يتطلع لقمم الجبال المطلة على المدينة. فيشير إلى القمة التي ترقد قرية ملكان خلفها. و يوجه نظري لقمم حصاروست، حيث تنتصب عندها قرية روست التي مر بها معظم أنصار الحزب في الستينيات و التمانينيات الماضية. و على بعد تلوح قمة هندرين، حيث المعركة البطولية الخالدة التي خاضها جنود مجهوليين من أنصار الحزب الشيوعي في منتصف الستينيات. و كان يشعر بالألم من الإهمال الذي لحق مدينت راوندوز، رغم التضحيات التي التي قدمها أبنائها في النضال التحرري القومي الكردي. وفي لقاء له مع مسعود البارزاني حدثه بجرأة و غضب عن هذا الإهمال. فهذه صفة ملاصقة لملا حسن، هي صراحته و جرأته التي ورثها عنه أبنائه.
ملا حسن .. ترك راوندوز في مطلع شبابه ليلتحق بالعمل كمعلم في مدرسة ريفية عند ضفاف أهوار الجبايش في أربعينيات القرن الماضي. و هناك إنخرط في العمل في صفوف الحزب الشيوعي. في الجبايش ، شعر الشاب الحالم بمجتمع عادل بالتشابه مابين معاناة فلاح الأهوار و صائدي الأسماك فيها و رعيان الماعز في جبال ووديان راوندوز. و هناك بدء في بناء أفكاره الأممية بشكل طبيعي و بدون تكلف.
لقد إلتصق ملا حسن بالحزب، بالرغم من مصاعب النفي و السجن و المطاردة التي لاحقته طيلة حياته.
و كان لملا حسن دورا بارزا و ملحوظا في إعادة تشكيل قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي في شمال العراق بعد إنهيار التحالف الهش الذي أقامته قيادة الحزب مع البعث. لقد عمل ملا حسن كجندي مجهول دون ضجة، و لكن بدأب و همة عاليتين. ثم إنتقل إلى مجال العمل التنظيمي لإعادة بناء منظمات الحزب في محافظة أربيل من خلال قيادته للجنة محلية أربيل قبل عام 1983.
و كما أشرت ، كان ملا حسن جريئا و صريحا، حيث يبشر بآرائه و مواقفه، غير آبها بعواقب و مضار هذه "الصراحة". ففي ندوة حزبية في وادي باليسان، تحدث أبو ئاسو بصراحة عن أهمية تعزيز المشاعر القومية كوسيلة لبناء المشاعر الأممية. فقد إقترح إعادة بناء منظمات الحزب على أسس قومية و طبقية. و لم يتحمل حاضري هذه الندوة تلك الصراحة ، و إتهموه بالتعصب القومي! و نتيجة لذلك تمت تنحيته من مهمته الحزبية، و أرسل إلى دورة حزبية إلى موسكو، ليتخلص من "الترسبات القومية"!!؟ و رضخ فقيدنا لهذا الجمود، و إلتحق بالدورة الحزبية، و إنكب على الدراسة فيها . و لكن هذه الدورة الدراسية لم تنجح في لوي قناعاته و آرائه التي إستلهمها من حياته العملية سواء في الحزب أو في سلك التعليم. لقد عاد مسرعا إلى الوطن فور إنهائه للدورة الحزبية دون تأخير أو تكاسل.
وتم تكليفه بالعمل في قيادة قاطع أربيل كمسؤولا إداريا عن أفواج و سرايا القاطع. و أدى مهمته بكل أمان و حرص و نزاهة . فكان كالخليفة عمر و كالإمام علي. فلقد كان حريصا على أملاك الحزب، و عدم التبذير أو الإهدار بها. و كان حريصا على أن لايستخدم موقعه من أجل جني الإمتيازات.
لم يكن ملا حسن متعصبا قوميا، بل مناضلا حقيقيا ربط مابين النضال القومي و النضال الأممي. فبعد إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية، و حملة الأنفال سيئة الصيت التي أرادت ذبح الريف الكردي ديموغرافيا و إقتصاديا. إنسحبت فصائل البيشمه ركة و الأنصار إلى مواقعها القديمة عند الحدود العراقية الإيرانية، عند وديان جبل مامند. و في هذه المواقع و تحت ثقل الهزيمة، بدأت الطروحات القومية الشوفينية سواء الكردية أو العربية تنتشر كالنار وسط الهشيم في مقرات الأنصار. و هنا كان للفقيد أبوئاسو و رفاق قلة معه دورا بارزا في محاربة هذه الطروحات منطلقين من قناعة فكرية طبقية و أممية.
فالفكر القومي و الفكر الماركسي يسيران في خطان متوازيان لايلتقيان. حيث فشلت حركة القوميين العرب من أن تكون حركة ماركسية. كذلك فشل الماركسيون عندما لبسوا ثياب القومانية. فكلاهما يرقصان خارج الحلبة.
و رغم عدم قناعة فقيدنا بالدعوة لتشكيل حزب شيوعي كردي، إلا إنه سارع للعمل في قيادة هذا الحزب، ليستطيع أن يدافع و يبشر عن أفكاره الأممية داخل الحزب، و ليسد الطريق على من حاول إستخدام تشكيل هذا الحزب لقطع الصلة بين الشيوعيين الأكراد و رفاقهم الشيوعيين العراقين. لقد أصر الرفيق على ضرورة بقاء التنظيم الشيوعي الكردي داخل الحزب الشيوعي العراقي. فوجود فقيدنا في قيادة الحزب الشيوعي الكردي أنقذ هذا الحزب من براثن القوميين المتمركسين.
لقد كان أبو ئاسو عطوفا و محبا لرفاقه . و لم يكن قادرا على كتم مشاعره و أحاسيسه. فبعد حادثة إستشهاد مفرزة الشهيد بروسك عند موقع سد به خمه ، كلفته قيادة قاطع أربيل تبليغ عوائل الشهداء بخبر إستشهاد أبنائهم. و كنا في مقر على ضفاف الزاب المقابلة لقرية ريزان . و إستطعنا إقناع ريبوار الحلاق بسهولة بعدم الحزن على فقدان الشهيد أخوه، و ليثبت لنا ذلك بدأ يرقص و يغني! بينما كان صعبا جدا علينا تبليغ والدة الشهيد سفين بخبر إستشهاد إبنها. و تركنا الأمر للرفيق أبو ئاسو. و بدأ يتحدث في جلسة جمعت الأنصار في المقر و عائلة الشهيد عن الخصال الحميدة للشهيد سفين ، ثم أجهش في البكاء و هو يبلغ أم الشهيد بإستشهاد نجلها . و هبينا لتهدئة الرفيق ملا حسن.و تكررت نفس الحالة، عندما حضر فاتحة وفاة والدي في صيف 2002 التي أقيمت في جامع الحوزة الشيرازية في الشام. فما أن بدأ خطيب المنبر في الحديث عن عناء عيال الحسين في معركة الطف، حتى بدأ فقيدنا يجهش في البكاء. إن ذلك يدل على نبل مشاعر الفقيد التي لا يستطيع كبتها.
لقد عملت مع الفقيد منذ عام 1985 و لحد مغادرتي مواقع الأنصار في ناوزه نك في عام 1990. و كان لي الفقيد معلما و نموذجا. و عندما كتبت روايتي اليتيمة "المطاردون"، طلبت منه قرائتها و إبداء الرأي بها. و قد لبى طلبي بكل إهتمام. حيث قرأها سطرا سطرا، وكتب عليها ملاحظاته و تصحيحاتها. و كان حريصا لأن تجد روايتي طريقها للنشر. حيث كان معجبا بها، ووجد فيها مرآة حقيقية لواقع المجتمع الكردي. ولازلت أحتفظ بمسودة الرواية ، و ملاحظات الرفيق ملا حسن المكتوبة عليها.
وحرصت على زيارته إلى منزله في راوندوز في صيف 2007 عند زيارتي لشمال العراق. و كانت زيارتي له مليئة بالود و الرفاقية. و كان يتحدث غاضبا عن الوضع المزري الذي وصلت إليه البلاد، و الموقف المتردي للأحزاب الطائفية الحاكمة.
و هاهو ملا حسن يغادرنا بهدوء بدون ضجة . و بأسف شديد لم يتم توديعه بشكل لائق من قبل رفاقه و حزبه. و هو الذي أمضى زهرة شبابه و سنين عمره الطويلة راهبا صوفيا ناسكا للحزب و رفاقه. فهو الكادر الحزبي و الأنصاري الذي لعب دورا مهما في حماية الحزب و بناء قوات أنصاره. فلم أقرأ في أي موقع من مواقع الحزب و رابطة الأنصار في شبكة الأنترنت أي إشارة عن الفقيد أبو ئاسو. بينما إنشغلت نفس هذه المواقع في أيام سابقة بوفاة رفيق آخر لم يكن دوره يصل لمستوى دور ملا حسن. أملي أن يكون هذا بسبب هفوة غير مقصودة. لأبو ئاسو المجد و الخلود و لعائلته الصبر و السلوان
#كفاح_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأشجار تموت واقفة
-
شامي غريبون -عشاء الغرباء-
-
مناجاة لفتى الفتيان
-
أحلام كالأوهام..و أوهام كالأحلام
-
الجموع تصيح ..إعدم!!؟
-
من لم يمت بالسيف مات بدونه
-
نفتح قلوبنا لنلقاك ياوضاح
-
أستاذنا العزيز..وصلت الوصية، ولكن ما باليد حيلة! - تعقيب على
...
-
في وداع النصير أكرم
-
وضاح..كفاك جيلان محمولان على سفر!
-
غادرتنا..لتسكن قلوبنا
المزيد.....
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|