هادي أبو ماضي
الحوار المتمدن-العدد: 2208 - 2008 / 3 / 2 - 09:35
المحور:
كتابات ساخرة
توجهت إلى شارع واشنطن لحضور محكمة الضمير الخاصة بالجرائم الإسرائيلية على لبنان، لم تكن المرة الأولى التي أحضر فيها نشاطا في البيت الدولي للجمعيات في بروكسل، ولكنها المرة الأولى التي يكون فيها بلدي، ضحية عدوان صيف 2006 هو موضوع هذا النشاط، خاصة وأن عائلتي كانت من ضحايا العدوان، ولم يتذكرنا أحد، لا مجلس الأمن ولا محكمة العدل الدولية ولا الحكومة اللبنانية أو المعارضة. دخلت البيت، معرض فني رائع حول العدوان الإسرائيلي في الطريق إلى المحكمة ووجوه من بلدان كثيرة يتحدثون بلغات عديدة. في صالة المحكمة أكثر من تسعين شخصا لحظة دخولي، جلست في الصف الرابع حيث وجدت مكانا قريبا من المنصة. التأخير في الافتتاح ليس غريبا في هكذا مناسبات وقد سمح بوصول دفقات جديدة من المتابعين، "الجزيرة" حاضرة ولكنني لم أتبصر أي محطة تلفزيون غربية، استثارني وجود أفيشات على الجدران، أخرجت الكاميرا وصورت أحدها، محكمة بأفيشات حدث يستحق التصوير.
بدأت المحكمة بحديث إمرأة لم أكن أعرفها قبل الجلسة ، وقد تكلمت بالفرنسية، وتحدثت عن قصة هذه المحكمة التي كما يبدو كانت فكرة شخصية لها قبل نهاية القصف والعدوان وبسبب الموقف المخجل لمجلس الأمن. شخص ملتحي يقترب منها ويعطيها ورقتين ملونتين، تضعهما جانبا وتكمل حديثها، ثم تعود للورقتين وتقرأ شكر للسفير اللبناني في بروكسل ثم تحدد بأن هذا السفير هو من حزب رئيس البرلمان نبيه بري، ثم تقرأ شكر للسفير السوري على حضوره الافتتاح. أخذت صورة تذكارية جديدة للورقة الإضافية لكني لم ألحق تصوير الملتحي الذي أعطى الورقتين. وقلت في نفسي: يا رب سترك، هل سعادة السفير سفير كل لبنان أم سفير الرئيس بري؟ ومنذ متى تشكر المحاكم السفراء والأمراء؟
أخذ الحديث بعد ذلك شخص لم أحفظ اسمه باعتباره من محكمة بروكسل، أيضا أسمعنا خطابا سياسيا لليسار المتطرف في بلجيكا ولم نسمع كلمة قانون دولي. خرجت من القاعة، على الباب في الخارج عدة أشخاص يتحدثون، سألتهم عن السيدة التي تتحدث (السيدة ليلى غانم) وعرفت منهم أنها صحفية تصدر مجلة في لبنان. هل درست القانون؟ كان الجواب: لا ولكنها دكتورة.
عدت إلى البيت وفي نيتي عدم متابعة هذا الحدث الذي أنتظره منذ إسبوعين. لكن زوجتي استجوبتني عن كل تفصيل وتحدثنا في الليل، وقالت لي ضروري تذهب غدا لنفهم القصة وصّور كل شيء.
ذهبت متأخرا قدم للأمام وقدم للخلف، ولكنني وصلت مع بدء المحاكمة التي تأخرت احتراما لتأخري. القاضية الكولومبية تتحدث، السيدة غانم تصعد للمنصة وتهمس في أذنها، أخذت صورة تذكارية جديدة، فليس في كل يوم تستبدل مطرقة القاضي بهمسات التصحيح والتنقيح لمن أحضره. صورت القاعة أيضا ولمحت وجوها أعرفها في التلفزيون، بعد نهاية الجلسة توجهت إلى أحدها:
- أنت الدكتور هيثم مناع إذا ذاكرتي منيحة
- أهلا وسهلا
- ما هو دوركم في المحكمة؟
- لا دور لي في هذه المحكمة؟
- ولماذا أنتم هنا؟
- أنا هنا لندوة تنظمها اللجنة العربية لحقوق الإنسان عن الوضع الاستثنائي والاختصاص الجنائي العالمي
- متى هذه الندوة
- مساء أمس كان في جلسة ومساء اليوم الجزء الثاني.
- ولكن محكمة الضمير شغلكم يا حقوق الإنسان؟
- لهذا أتابع جلسات المحكمة.
- وما رأيك بما يحدث
- لست متحدثا باسم المحكمة
لا أدري ما هي صحة ما قاله الدكتور مناع ولكنني عرفت بأنه قد دعا النائب الإسرائيلي العربي سعيد نفاع ونائب مصري من كتلة الإخوان المسلمين للندوة التي يتحدث عنها. وأن هناك مشاكل بين المنظمين وبين جماعة حقوق الإنسان. ولهذا كان هناك غياب واضح لهيومان رايتس وتش ومنظمة العفو الدولية والجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان والرابطة البلجيكية لحقوق الإنسان وكل منظمات حقوق الإنسان. ويبدو أن طرفا سياسيا لبنانيا خاف من وجود بعض جماعات حقوق الإنسان خاصة وتحديدا هيومان رايتس وتش التي أصدرت تقريرا عن قصف حزب الله لمدنيين في إسرائيل، فغاب الجميع. وكون حضور (جماعة 8 ناقص التيار) كان واضحا. يعني كالعادة، الشباب عميشتغلوا سياسة ولو أنهم انتبهوا فتركوا أفيشا واحدا داخل صالة المحكمة حتى آخر يوم ورفعت أفيشات أخرى كنت قد صورتها.
توجهت لشاب من المنظمين عرفت منه أنه من أصل مغربي ومشارك في التنظيم: أين الإعلام البلجيكي؟ لا أعرف يوجد ناطقين باسم المحكمة. أين هم؟ ذهب يبحث عن متحدث وانتظرت عشر دقائق ثم عدت للقاعة دون أن أراه ثانية. المحكمة مستمرة وشهادة سياسية لحقت آخرها وكل خمس دقائق تقريبا السيدة غانم تهمس في أذن رئيسة المحكمة ثم فتاة شابة صعدت وهمست أيضا في أذنها. في المساء ألقيت نظرة على الصالة المقابلة كان السيد مناع يتحدث وبجواره الدكتور عصام نعمان وشخص نراه على الجزيرة كثيرا ولا أتذكر اسمه. بسبب التعب والسأم لم أدخل القاعة ولم أحشر أنفي في حقوق الإنسان.
عدت في اليوم الثالث وكالعادة وصلت أنا والمحكمة متأخرين، الرئيسة تستدعي الشهود والخبراء، السيدة غانم تهمس في أذنها بين فينة وأخرى، ثم تهمس الفتاة الشابة بأذنها، وحدث جديد، وجه جديد صعد المنصة وهمس في أذن رئيسة المحكمة، علمت فيما بعد بأن اسمه علي فياض، صورته أيضا للأرشيف. أحد المحامين ولم اسمع اسمه جيدا طلب من أحد الخبراء الذين زاروا لبنان تحت القصف والعدوان: هل تعتقد بأن عدم معاقبة إسرائيل تعود تاريخيا وفلسفيا إلى مجازر أوربة بحق اليهود وأن الغرب يريد أن يلبس العرب هذه الجرائم؟ الخبير لا يعرف ما يجيب، أحد القضاة يجيب جوابا ركيكا، والرئيسة تنسى أن موضوع المحكمة هو العدوان على لبنان.
أخليت المحكمة من القضاة من أجل نقاش سياسي في قاعة المحكمة نفسها. أخذت عدة صور تذكارية لقاعة محكمة ضمير تتحول لمهرجان سياسي. ثم ذهب الجميع للغداء بانتظار صدور الحكم وهم غير خائفين على النتيجة التي صارت مثل الانتخابات العربية معروفة سلفا.
أكثر من لبناني مشارك رفض الإجابة على أسئلتي أثناء الغداء. أحد وجوه الجالية المغربية قال لي بأنه غير طرف وغير مشارك لأن الصبغة السياسية واضحة، لم يعد لوجودي من معنى، تركت المحكمة قبل صدور الأحكام،
زوجتي لم تكن راضية عن عودتي قبل انتهاء المحكمة، قلت لها: "تفضلي حضرتك، أنا ما بحب الخطابات السياسية، كنت رايح على محكمة مش رايح على مهرجان تضامن.
باحث لبناني (بروكسل)
#هادي_أبو_ماضي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟