أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - ياسين الحاج صالح - جوزف سماحة: المناضل ضد المثقف















المزيد.....

جوزف سماحة: المناضل ضد المثقف


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2205 - 2008 / 2 / 28 - 10:52
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


حتى وفاته قبل عام، ثابر جوزف سماحة على الانحياز لتصور عالِم وتقدمي للقومية العربية، تصور يفتح العروبة على قيم التحرر والمساواة والديمقراطية في العلاقات الدولية، ويعترض على الامبريالية في الغرب دون أن يرد الغرب إلى الامبريالية، ويرث روابط الحركة القومية العربية بالعالمثالثية والتحرر الوطني والاشتراكية، أيام كانت هذه تمثل خروجا إلى العالم وانتسابا إليه لا انسحابا منه وخروجا عدميا عليه.
ثمة تصور آخر، ماهوي وأصولي، كان يتقدم ويفرض نفسه منذ سبعينات القرن العشرين. تصور يرد القومية إلى الهوية، ويعرف الوطنية بدلالة الموقف من "خارج" غربي متماثل مع نفسه، فلا يجد سندا إيجابيا لدعوته في غير "الإسلام". عبر عن صعود هذا التصور منذ ثمانينات القرن السابق مؤتمرات تعقد في بيروت، توحد بين القومي والإسلامي. وأسهم مفهوم "الأمة" الذي تواطأ قوميون عرب وإسلاميون على تقاسم معناه في منح شعور بالاستمرارية. جوزف سماحة نفسه كان يستخدم هذا المفهوم الملتبس أحيانا.
بدا كأن الصيغة الماهوية من القومية العربية لا تجتهد لمحو أميتها، بل بالأحرى لمحو ما تعلمته ثقافيا في "عصر النهضة" أو "العصر الليبرالي" (الليبرالية والعلمانية وتحرر المرأة..)، وفي زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية (التحرر الوطني والاشتراكية). ولعل من شأن نظرة سريعة أن تظهر الفارق الشاسع بين مثقفين قوميين في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين وبين أبرز خلفائهم اليوم. نظرة سريعة أخرى إلى مطبوعات "مركز دراسات الوحدة العربية" حتى التسعينات ومطبوعاته اليوم تجسد الفارق.
لم ينزلق جوزف سماحة إلى تزكية أمية "الأمة"، إلى تعريف الأمة بأصلها و"طبيعتها" لا بـ"ثقافتها"، لكنه ظل محدود الأثر على النزوع العام للفكرة القومية العربية نحو مزيد من "الطبيعة" و"الأمية" و"الأصل"، ومن الامتناع على الثقافة أو ممانعتها. لماذا؟
لقد تمركز تفكير جوزف سماحة في الشأن العربي حول العامل الجيوسياسي. هناك إسرائيل وأميركا والوطن العربي والأمن القومي العربي والمقاومة والممانعة والحرب والتسوية. والمقاربة الجيوسياسية هذه قومية بالفطرة وصراعية بالضرورة. ترى العالم عبر ثنائية هم ونحن، العدو و"الأمة". إن لم ينزع هذا التفكير إلى تصور الدول ككيانات سياسية مصمتة، تتماثل مع نظمها الحاكمة، فإنه لا يوفر أساسا متينا للتفكير في البنى الاجتماعية والثقافية لدولنا وسياساتها. لا يتعدى ما يمكن أن يقال في مثل هذه الحال كلاما عاما عن الاستبداد. أو ردا للدول العربية إلى محور ممانعة ومحور "اعتدال".
والحال يبدو أن جوزف سماحة لم ير أو لم يشأ أن يرى النكوص الماهوي للفكرة القومية العربية. لقد استند في نقد أوضاع دولية وإقليمية جائرة إلى فكرة كانت تمعن في خسارة روحها النقدية والتحررية. وبصورة نسقية كان نقد سماحة القومي يقوده إلى الاصطفاف إلى جانب قوى "ممانعة"، فيسكت على استبداد سياسي فاحش، وعلى نزعات أصولية متفاقمة، وعلى ممارسات طائفية غير خفية للممانعين من دول ومنظمات (لا تقتصر عليهم بلا ريب، لكنهم غير مقصرين فيها).
يبدو كذلك أن جوزف سماحة ورث نزوعا نظريا متأصلا عند القوميين العرب إلى التحفظ على الدولة "القطرية" وبذل الولاء للأمة، فلم يهتم بمنازعة تشكيلات ما دون الدولة لهذه على شرعيتها، ولا عني بأن الدولة القلب للممانعة تتصرف مثل منظمات مادون الدولة، ممعنة تخريبا في "الأمة" المحكومة. ولا يتعارض إسقاط القوميين للدول من دائرة اهتمامهم النظري مع عشق خالص لها في المجال العملي. عشق اقتضى الدول الأكثر انتسابا إلى الفكرة القومية العربية إلى تفظيع بمواطنيها لا نظير لها في العهود الاستعمارية، وإلى تطويب الدول أملاكا شخصية تورث. ولقد أسهم المفهوم المشترك للأمة في إضعاف شرعية الدولة، كيانا ومؤسسة حكم، من فوقها (الأمة العربية) وسهل إضعاف شرعيتها من تحتها (تنظيمات ما دون الدولة التي تطابق ذاتها مع مفهوم للأمة الإسلامية). ورغم عمى هذا المفهوم عن مشكلات الأقليات إلى أنه كان يظهر عقدة نقص واضحة أمام أية أقلية أو منظمة دينية تنتحل النطق باسم "الأمة".
ليس جوزف سماحة غريبا عن هذه الإشكاليات. يقربه منها المفهوم الذي ربما تمحور تفكيره في السنوات المنقضية من هذا القرن قبل وفاته حوله: "الممانعة". لم يبتكر المصطلح، لكن لا ريب أن لترويجه لهذا المفهوم الفضل الأول في تزويد المعسكر الممانع بوعي ذاتي كان عاجزا كل العجز عن تزويد نفسه به. يتكون المعسكر هذا كما ألمحنا من دول استبدادية، بل طغيانية، ومن تشكيلات ما دون الدولة ذات إيديولوجية إسلامية. ورغم أن الأخيرة حركات منخرطة في مقاومة صريحة لإسرائيل، إلا أن مقاومتها لا تطل على أي أفق عام أو مشروع مستقبلي، يتخطى تقديس المقاومة نفسها. ويتكثف غياب المشروع في دلالة المفهوم السلبية التي تحيل إلى المنع والامتناع والتمنع والمناعة.
وقد يكون الأصل في ذلك افتراض أن المشروع موجود، وأن المقاومة والثبات هما كل ما يلزم. ولعل جوزف سماحة لم يكن بعيدا عن هذا الافتراض. لكن أين المشروع؟ أين الحركة القومية التي يمكن أن توحد بين مطلبي التقدم الحضاري والنهوض الثقافي وبين الاستقلال الوطني والتعاون أو، إن شئت، الوحدة العربية؟ علما أنه لا معنى للكلام على مشروع، ولا بالخصوص مشروع قومي، دون توحيد المطلبين؛ علما كذلك أن الحركة القومية العربية في تجسداتها الناصرية والبعثية كانت قدمت صيغة ما لوحدة المطلبين. وإن تكن صيغة متهافتة بسبب التمركز المفرط حول السلطة المطلقة التي أفقدت المشروع روحه وحلت محله.
انقضت ثلاثة عقود أو أربعة على إخفاق المشروع ذاك ونهضت خلالها حركات إسلامية طامحة إلى السلطة، محافظة اجتماعيا وفقيرة فكريا. ويبدو أن زمانها هي الأخرى آخذ بالانقضاء.
لكن لم لا تكون "الممانعة" هي الحركة القومية الجديدة؟ لم لا يكون النظام السوري وحزب الله وحماس... هم الحركة القومية الجديدة؟ ليكن، ما هي ثقافة هذه الحركة؟ ما هي قيمها؟ أين الحرية والمساواة؟ أين القانون؟ أين الدستور؟ أين الدولة؟ وقبل الجميع، أين القومية؟
.. وغياب المشروع يسوغ استراتيجية جديدة، يحتل تجديد الفكر وتوسيع الطاقة الاستيعابية لثقافتنا مركزها. ومن التقاء فكر متجدد وثقافة ناهضة بحركة اجتماعية يمكن أن يتشكل مشروع جديد أوسع أفقا وأغنى بالطاقة التحررية. بيد أنه يندر أن تجد التجديدات الفكرية معادلا حركيا مزامنا لها. قد ينقضي جيل أو أكثر بينهما. وهذا يمنح الأولوية الآن للنقد: نقد السلطات ونقد الدين ونقد السياسة ونقد الثقافة ونقد "الأمة" ...
ولعل في ذلك الوفاء الأصدق لجوزف سماحة الذي بقي "ثوريا" حتى أيامه الأخيرة. فحيثما تكون الثورة غير ممكنة، ولو لأن فكرتها مشوشة اليوم، فإن النقد ممكن. فهو استمرار بطريقة أخرى للثورة، وهو بعد منقذ من الجزع والبؤس ونفاد الصبر، الأعراض التي يظهر مثقفو العمل أو الثورة السابقون من أمثالنا استعدادا خاصا للإصابة بها.
والنقد هو ما لم يكتف به المثقف اللامع جوزف سماحة. رغب أن يكون قريبا من "العمل". وحين اقترب كثيرا... مات. لم أكد أتعرف على جوزف سماحة، لكن أفضل أن أتخيل أن المثقف اللامع والصحفي الرفيع المستوى جوزف سماحة مات لأنه أراد أن يجعل من الصحافة أداة نضال وعمل، في زمن ربما يناسبه أكثر أن تبتعد الصحافة والثقافة عن العمل لتنقذ نفسها. لكن، من يدري؟ ربما دهمته، فقتلته، نوبة شعور مسمم بأننا إنما نتخبط تخبطا مشينا لا ينتهي.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -المسألة الدينية- موضوعا لتفكير نقدي
- من تطييف المجتمع إلى استلام الطائفية للسلطة
- هل يمكن لتركيا أن تكون مثالا إيجابيا للسوريين؟
- من صنع إسرائيل؟ ومن هم -عملاؤها-؟
- أزمة حركات المعارضةالعلمانية العربية ... فكرية
- في نقد الثقافة السياسية السورية
- نحو شرعية الفرد لا شرعية الهوية.. ونحو ثقافة نقدية لا قومية
- إيديولوجيات السوريين وصعود الجيوسياسي
- الطائفية كحصيلة للفقر السياسي وحدٍّ له
- في النقاش السوري حول العلمانية وما وراءه
- لا عاصم من اعتقال المثقفين في عاصمة الثقافة العربية
- -وضعية علمانية-: أفكار في شأن العلمانية والإسلامية والدولة
- وجهان، ليبرالي واشتراكي، للنقد الديمقراطي
- في أصل -ثقفنة- المعارضة في سورية
- عقد من أجل إصلاح سورية
- من الغرق في السياسة إلى الجفاف السياسي.. ثم إلى أين في سورية ...
- عن -مثقفي السجن- بالأحرى، لا عن سجن المثقفين - إلى أكرم البن ...
- بصدد الشعور بالنقص الحضاري وآلياته المعرفية
- هل في سورية -مجتمع-، أم أنها -دولة- فقط؟
- ضعيفة، خائنة، وغير موجودة: -تمثيل- النظام للمعارضة في سورية


المزيد.....




- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
- متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
- نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
- اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا ...
- الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
- اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
- مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع ...
- رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51 ...
- العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل ...
- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - ياسين الحاج صالح - جوزف سماحة: المناضل ضد المثقف