ناهده محمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2198 - 2008 / 2 / 21 - 11:09
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعيش الفرد العراقي حالة من الصراع مع الذات وتوجهه كما هو معروف عوامل داخلية وخارجية , وأقصد داخل وخارج ذاته . إن أحتياجاته المأساوية التي وصلت الى الحد الأدنى من الإشباع تدعو بعض الأفراد الى الحزن والتقوقع والسلبية , والبعض الى المزيد من الفاعلية والإيجابية , أما البعض الآخر فإلى المزيد من الإندفاع نحو القفز فوق أحتياجات النفس الإنسانية وإحتياجات المجتمع وقيَمه والصعود الى مركز الإندفاع المجنون نحو الفوقية ليجعل من نفسه هو القيَم الإجتماعية , وهو المقرر لمصائر الناس , وحسب قسوة الظروف المحيطة فهو يرد عليها بقسوة مماثلة , ولأنه المركز فهو يبث نوع من انواع السلوك المريض المرتبط بالسادية والتي هي مرض قديم لدى الكثير من مراكز السلطة العربية والمحيطين بهم .
والسؤال الآن من يُمارس الشراسة والعدوانية على أبناء الشعب العراقي الطيب وعلى نسائه المُقاسيات الأمرين عبر عصور التأريخ الإجتماعي ؟ , إنها هي الفئة الأخيرة التي جعلت من نفسها المركز والمقرر لمصائر الناس .
إن أي مطلع على علم النفس يرى في المظاهر الموجودة مرضى ومعتوهين ومحبين للعنف وممارسين له , وقد تكون فئة متضررة بقسوة , لكن رد فعلها جاء مريضاً على عكس رد فعل الإنسان العادي حيث قد يتجه الى المطالبة بحقوقه أو الإلتجاء الى العمل أو الدراسة لتحقيق ذاته ورفع الظلم عنه , وقد يتجه الى المخدرات لنسيان واقعه , وهذا الحل الأخير هو رائد ايضاً لدى الإنسان العراقي وخاصة الشباب , وللقوى الخارجية دخل في ترويجه , أما الحل الدموي وإشعال فتيل الديناميت في لحوم البشر فهو أُسلوب معروف في إنهيارات الحضارات الإنسانية , فقد حدث في المانيا وروسيا وفي أفريقيا وفي إنهيار الحضارة العربية . وما يحدث الآن في الوقت الحالي هو نهاية لسلسلة الإنهيارات العربية , ولدينا شواهد وشرائح كثيرة للفعل العدواني الدموي لهذه الفئة ومعظم هذه الضحايا هن من النساء لكونهن العنصر الأضعف .
شريحة رقم ( 1 ) .
خرجت الست ( فوزية – 60 سنة ) من مدرستها بعد إنتهاء الدوام المدرسي ولم تعُد الى بيتها , وبعد بحث طويل وُجدت مدفونة في حديقة بيت إبنتها مقلوعة العينين ومكتوفة اليدين .
شريحة رقم ( 2 ) .
خرج الطفل ( نور – 8 سنوات ) من المدرسة , وفضل اللعب امام إحدى محطات البنزين , ولم يعُد الى البيت , ثم وُجد مقطوع الرأس قرب إحدى حاويات القمامة .
شريحة رقم ( 3 ) .
وُجد سائق التكسي ( حيدر – 40 سنة ) مقتولاً ومقطوع الأصابع ومرمي في أحد الأزقة الشعبية وعلى وجهه وجسمه علامات تعذيب طويل , لأنه رفض دفع المبلغ الخيالي المطلوب .
لو نظرنا الى الأُسلوب لوجدناه واحد , فالتعذيب قبل القتل , والقتل بإسلوب شنيع ينُم عن مرض ( سايكوباثي ) أو ربما ( شيزوفرينيا ) , والدافع قد يكون مادي أو سلطوي , أو كلاهما معاً , مع خلل واضح في العمليات العقلية وفي ردود الأفعال الحادة والغير مبررة .
إن الممارس لهذه الأعمال لا يقيم وزناً لأي حياة إنسانية وبضمنها حياته , وقد تقع ذروة الرغبة في العنف وممارساته حول ذاته , أي قد يدخله هذا في مداخل نسبة النجاة فيها 10% مثلاً أو أقل وهو ما ينتظره الممارس ويريده , إذ أن ممارسته لأية حياة طبيعية تصبح مستحيلة وحتى مع وجود المادة , فإحساسه سيتصلب ويصبح كقطعة حديد أو خشب متحركة قد تحترق بأية لحظة . أما القسم الآخر من الشعب فلا يستطيع إلا أن يعاني ويستسلم وكثير من هذه المعاناة تتجه إتجاهات سلبية خاصة لدى النساء والأطفال , حيث التقوقع في البيوت خوفاً من شراسة العالم الخارجي , ويُعاني الأطفال من كثير من الأمراض النفسية وأنواع ( الفوبيا ) , والتي تؤدي الى انواع من التشنجات العصبية والإنهيارات قد تصل الى حد الجنون أحياناً , فكثرة المآسي وإتساع أحجامها هو أكبر من قدرة هؤلاء الأطفال على التحمل والإستيعاب , وتظهر عليهم انواع مختلفة من عدم إنتظام العمليات العقلية وعدم القدرة على الإستيعاب والتركيز مع مصاعب في الكلام والنطق وخاصة ظاهرة ( التأتأة ) , وسرعة الكلام وعدم وضوح النطق أو عدم القدرة على النطق تماماً , وتقع ظاهرة الإرتعاش والتبول اللا إرادي في داخل البيت والمدرسة في المكان الأول للمشاكل النفسية لدى الأطفال والكبارأحياناً للأسباب النفسية المذكورة مع الإرتعاش العضلي والإغماء . كل هذا والطفل العراقي لازال مقبلاً على التعليم لكن الكثير من الأطفال إتجه الى التقوقع في البيوت وخاصة الفتيات , أو الإتجاه الى العمل المهني وترك الدراسة .
لقد اصبح مستوى الأداء المهني للفرد العراقي بعد أن كان معروفاً بالمهارة أصبح متسماً بالسرعة والعشوائية وعدم الكفاءة بسبب المخاوف الكثيرة والأخطار المحيطة . أما الفاعلية فقد لوحظت لدى فئات من النساء العراقيات وخاصة الأرامل والمعيلات لعوائلهن , فهي تخرج عند الصباح وتعود مساءً واضعة حياتها على كفها فهي قد تعود أو لا تعود كما حدث لنموذج رقم ( 1 ) . وحيث بقيت آلاف النساء بدون أزواج وأبناء وإضطررن للسكن بمفردهن وهن يتعرضن لحوادث ومخاوف كثيرة ويعشن حالة من الرعب النفسي الدائم وقد يُصبن بتخيلات مرضية وأوهام بسبب الوحدة والخوف وبسبب الأخطار المحيطة , والتي قد لا يزيد منها خيالها بل يجسدها لها في داخل البيت وخارجه , وهذا يدفعها الى التقوقع والإقلال من العلاقات الإجتماعية والإبتعاد عن المجتمع تماماً . وقد يندفعن الى الإنغماس في أحلام اليقظة مثلها مثل الشباب حيث تتعدد أنواع الحرمان , كالحرمان من الزواج والنزهة وحتى النوم الهاديء والكفاية الذاتية , ويشمل هذا كافة افراد المجتمع ذكوراً وإناثاً , وتتجسد مخاوف النساء والأطفال في الظلام الحالك الذي يعيشه الشارع والبيت في العراق , وتتضخم ( الفوبيا ) في الظلام خاصة بين الأطفال حيث تصبح عفاريت القصص والأساطير أفعال حقيقية واشخاص يتحركون في الظلام وينشرون الرعب والمخاوف وينتج عن هذا الظلام الثقافي , حيث ينخفض المستوى الدراسي للطالب الذي يدرس ويمتحن على ضوء الشموع , وكذلك المستوى الثقافي للمثقف العراقي بعد أن كان متميزاً دائماً , ويكاد يُسجن الفرد داخل ذاته , فالأسوار محيطة بمنزله ومنطقته والإتصالات الهاتفية مُعطلة , فيبقى الفرد العراقي بلا علاقات إحتماعية أو عائلية وبلا منتديات ثقافية , ويدخل الفرد في نفق جديد لم يمر به قبلاً رغم انواع المُعاناة ويتشكل الإحساس بالإغتراب واللاجدوى وفلسفة الإنتحار بين الكثير من شباب البلد حيث لا أمل ولا حلول .
أما أُسلوب اللجوء الى المخدرات والذي يعتمد على تجاهل الواقع المُعاش والتسامي فوقه عالياً من قِبل بعض الشباب وحتى الأطفال فقد أصبح أُسلوب شائع , وحصة النساء هو الإدمان على الحبوب المنومة والمهدئات , وهكذا تتعطل إرادة الفرد العراقي لرفض الواقع وإتخاذ اسلوب الهروب من الأعلى هابطاً شيئاً فشيئاً الى الأسفل حتى الموت .
وتنتشر حالياً المخدرات يأنواعها بين طلاب المدارس والجامعات , ومن الغريب أنها تُوزع في السجون وخاصة في فصل الصيف حيث يدخل السجين في غيبوبة طويلة غير مُسبب لأية متاعب للسجانين ! .
وأخيراً إن كثرة الأمراض النفسية والعصبية لدى الفرد العراقي حالياً , دعت الى كثرة الدجالين والمشعوذين المعالجين بأساليب السحر والشعوذة ومقارعة ( الجن ) في رؤوس المرضى المصابين , خاصة المصابين بالصرع أو التشنج العصبي أو الكآبة وحتى الجنون , وتُستخدم في هذا اساليب غير علمية بل تعتمد على الدجل وسحب النقود من جيوب المرضى .
إن البناء النفسي السليم بحاجة الى مجتمع سليم البنية الإجتماعية , وإحساس دائم بالأمان والكفاية للفرد مع وجود عائلة سليمة البنية الإجتماعية متراصة تتميز بأحاسيس المودة والتسامح لكي ينشأ الطفل والشاب العراقي وهو مبني بناءً نفسياً سليماً , مع الإشارة الى أن مشاكل العائلة العراقية التي تتعدد وتتكاثر من إفتراق الأبوين بسبب الطلاق أو الموت الى الفاقة الإجتماعية والتحلل القبَمي , قد أدى الى بناء هش لشخصية الطفل والشاب العراقي . وهذا يستدعي الى الإهتمام بالنظام التعليمي والتربوي مع إعادة بناء كامل للبنية التحتية .
· هامش – إن الشواهد المذكورة هي شواهد حقيقية حدثت في الأشهر القليلة الماضية .
#ناهده_محمد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟