أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود جلبوط - قصة قصيرة ...ألاعيب الذاكرة














المزيد.....

قصة قصيرة ...ألاعيب الذاكرة


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 2195 - 2008 / 2 / 18 - 06:43
المحور: الادب والفن
    


كان يمشي عشواء على رصيف شارع من شوارع المنفى يعبر الدقائق القليلة الفاصلة ما بين السنة الماضية و القادمة عندما دوى فجأة انفجار شيء كاد يلامس وجهه , نظر بحركة غريزية سريعة إلى الأعلى يلاحق الشيء الذي كاد أن يصطدم رأسه فرأى السماء تمتليء أنوارا ملونة كتلك التي تحدثها الألعاب النارية , وانتبه من سروده أن الشارع الذي أغراه للتمشي على رصيفه يمتليء هرجا ومرجا وعربدة اصطدام زجاجات الخمر بأحجاره , فأدرك لتوه أن السنة التي كانت للتو تلاعب ذاكرته قد رحلت : هاهي سنة أخرى تزيد في المنفى .
في البدء أفزعه الانفجار المفاجيء و قد سهت الدقائق التي تصل السنة الماضية من السنة الآتية عن ألاعيب ذاكرته , ثم هاقد عادت الذاكرة تواصل البحث عن شيء من دم ولحم لكنه متناثر بفعل قصف حقيقي لطائرات متعددة الأنواع , حوامات و ف1 ولا تنتهي عند ف16 , فتتناثر بهجة المكان الصاخبة بصور الذاكرة المتدافعة لدخان كثيف وحطام منازل وألعاب أطفال مردومة بانت أجزاء منها بالقرب من أشلاء بشرية , يد هناك و رأس هنا , قدم في إحدى الزوايا , وفي زاوية أخرى ألبسة تحولت أسمالا وأغطية فراش وأسرة , ولا يهم في لعبة الذاكرة أسماء الأمكنة , فسيان إن كانت في لبنان أو فلسطين أو العراق أو باكستان أو أفغانستان , مخيما في الشمال أم في الجنوب أم في الوسط , في غزة أم في الضفة , أم هي ناقورة1 , 2 , 3 , أم معدلة , مدينة كالفالوجة , أم صيدا أم بيروت , أم غزة , فالدم واللحم هو دمنا والقاتل واحد , إسرائيل وأمريكا , أمريكا وإسرائيل .

لا يدري إن كان قد ضاق ذرعا من ألاعيب الذاكرة أم من دوي الانفجارات , أم من صياح الناس وعربدتهم , ما يدريه أن كثافة النيران تسبب له ضيقا في تنفسه الضيق أصلا , ولا تعود مشاعر الفرح العارم التي تسيطر على المكان حوله في هذا اليوم الإستثنائي من كل سنة بقادرة على أن تنطبق على ما أصاب روحه , فهو ومنذ زمن طال لم تعد أروقة الفرح تتأهب لمؤازرته رغم كل ما بذل , ولم تجد نفعا محاولات اقتفاء الأثر , بل يشعر أن روحه قد تجعدت للدرجة التي لم يعد يجدي معها كل محاولات تسويتها بأي تسوية ولا حتى على حرارة المشاعر التي يحاولها معه من يحيط به من الذين يحرصون على استعادة لياقته وابتسامته.

ما الذي حصل ؟ سأل نفسه . تهرب منه تفاصيل الأشياء , لماذا لم يعد يذكر تراتب الأحداث ؟ „ألأن العهر يسود كل نشاط السياسيين حوله والكتبة؟ „أم أن الردة قد قتلتنا ؟أم „الأسرلة“ ؟ وأي „أسرلة“ هذه التي ندعي المعاناة منها ؟“
لا يذكر بالضبط متى بدأ انهيار الذاكرة ولا بأي أروقة تاهت , كل ما يذكره أنه كانت هناك ذاكرة تداخلت حتى راحت تسد الرؤية.
„لا ترمقيني أمي هكذا بعتاب , أعذريني فلم يتبقى لنا من الذكريات ما ندافع به عن حاضرنا , أن نستحضر أصالتنا ضد ما يحاولون „لأسرلة „وأمركة وعينا , لقد قتلوا يا أبي ذاكرتنا , مزقوها وعبثوا في محتوياتها وأعادوا تشكيلها بما ينسجم مع عولمتنا , ولم يعد هناك فيها صورة أصلية لنا نصوغ من وحيها مستقبلنا“ .

يتدثر معطفه بكلتا يديه ليتقي قشعريرة ألمت به في هذا الطقس الزمهريري , أي ريح تثيرها تلك الريح به فتمزقه . تهب فجأة في وجهه نار , وترتجف نفايات الألعاب النارية المتساقطة من السماء تحت قدميه .
„كيف وجد الألم مكانا له فيك إلى هذا الحد يا ولدي والصدر قد ضاق بألمه إلى أضيق مما يتسع لكل هذا القهر؟“
تمتم في سره بينه وبين نفسه كيف أن جسد صديقه الذي مات على الضفة الأخرى من المنفى قد رق للدرجة التي لم يعد له حق بالعذاب .
شعر بتعب شديد يسري في جميع أنحاء جسمه , اتخذ له مجلسا على أحد المقاعد المنتشرة في محطة انتظار الترام , يستلقي على المقعد علّ بعض من الوجع في ظهره يغادره : „ربما تهب عاصفة ثلجية تنزل في صدرك ألما , أتعبت إلى هذه الدرجة يا بني ؟ نم فلعل مداعبة الغفا وحدها تهدؤك , وانسى قليلا , ودع العاصفة تمر . نم يا حبيبي ولا تخف فأنا سأسهر عند رأسك لأزكي الذاكرة فيك , وأطرد الليل من حولك , سأجلس على حافة أحلامك , أسكن الألم فيك الذي لا يهدأ , سألتحفك حتى الصباح . استرح يا بني وكفاك ما خسرت من روحك في خضم المآسي حتى شاب شعرك , نم يا حبيبي فأنا سأجلس بين أنينك ووجعي حتى يطلع فجرك“.



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غادر الحكيم السديم العربي
- معطيات مفزعة عن واقع البناء في القدس الشرقية
- قصة قصيرة جدا
- قصص قصيرة جدا من مجموع ندى الذاكرة
- قصة قصيرة جدا ....من مجموعة - ندى الذاكرة-
- قصص قصيرة جدا من مجموعة - ندى الذاكرة-
- (موضوع مؤجل)....قراءة في كتاب منشور باللغة الألمانية يتناول ...
- في المشهد الأوربي
- الكلمة القذرة
- ماذا يحصل للفلسطينيين في لبنان؟
- رأي حول محاكمة رجالات النظام العراقي السابق
- ترجمة مقال من اللغة الألمانية للعربية لداعية السلام المناضل ...
- أسئلة ولدي الصغير الصعبة
- في المشهد الفلسطيني
- سقوط الورقة الأخيرة
- إعلان
- مرة أخرى في المشهد السوري
- ذكرى النكبة , ثم النكسة , على قصف أو حصار المخيم المباح
- مايجري خلف المشهد السوري الأخير
- نكبة الشعب الفلسطيني المتجددة


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود جلبوط - قصة قصيرة ...ألاعيب الذاكرة