|
التفكير والتكفير
حسين ابو سعود
الحوار المتمدن-العدد: 2194 - 2008 / 2 / 17 - 09:17
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تظهر بين الفينة والاخرى اقوال او فتاوى يطلقها اشخاص ، تترك تبعات ثقيلة على الامة وتدخلها في جولات جديدة من الجدل العقيم ومنها فتاوى التكفير ، واول اختلاف حدث بين المسلمين ادى الى تكفير الطرف الاخر وقتاله هو ما حدث لمالك بن نويرة في حروب الردة وقتله على يد خالد بن الوليد، فقيل ان ابن نويرة مرتد كافر يجب قتاله فيما قال اخرون بانه مات على الاسلام الا انه وقومه امتنعوا عن دفع الزكاة للخليفة لسبب ما ، وبعد حروب الردة تجرأ الخوارج على تكفير مخالفيهم واستباحوا حرمهم واباحوا قتلهم ، فالتكفير ليست عملية بريئة مجردة من التبعات وانما هو عمل يؤدي بالنهاية الى قتل واراقة دماء. وان من فكر من الخوارج عاد الى الصف العام ورجع عن التكفير حيث استطاع عبدالله ابن عباس اقناع جماعة منهم قيل انهم يزيدون على اربعة الاف نفر فاعادهم الى معسكر الامام علي بن ابي طالب . التكفيري في العادة لا يفكر والتفكيري لا يكفر وان حرف الكاف الذي يتقدم في التكفيرفيشينه ويتاخر في التفكير فيزينه يقلب الموازين راسا على عقب التكفير لا يستطيع التعامل مع التاريخ والجغرافية والعلوم الانسانية الاخرى بينما الفكر يتعامل مع الحقائق وتفاصيل الحياة اليومية بكل لطف . ويقال ان الشيخ جلال الدين الحنفي وهو سني المذهب ذهب الى النجف الاشرف ليطلب من المراجع الدينية هناك اصدار فتوى بتكفير الشاعر معروف الرصافي لنشره قصائد تحتوي على نفس الحادي ولكن المراجع رفضوا ذلك باعتبار ان اعذب الشعر اكذبه ويمكن تفسيره بعدة معاني ، علما بان الشيخ الحنفي كان متحاملا على الرصافي لاستهزاءه في قصيدة له بعمامة الحنفي الصغيرة واشادة الاخير بشعر جميل الزهاوي الذي كان منافسا للرصافي . وقد اسقط مؤخرا احد كبار رجال الدين نفسه من انظار العلماء عندما اصدر فتوى بتكفير شريحة كبيرة من المسلمين لمجرد اختلافه معهم في الرأي، في الوقت الذي كان عليه ان يعمل على رأب الصدع ووحدة الكلمة كجزء من واجب العلماء العاملين تجاه الامة ، وكرد فعل طبيعي على هذه الفتوى تصدت اقلام من الطرف الاخر للرد ، فتم استهلاك الكثير من الجهد والوقت والمال والورق على قضية مطروحة من مئات السنين ، ولا ولم ولن يتم الاتفاق عليها وافضل طرق حلها هو مداراة الطرف الاخر والتعايش معه خاصة وان الدين الواحد انتهى بظهور المذاهب المتعددة ، وقد احصت كتب الملل والنحل والفرق اضعاف ما جاء في الحديث من ان الامة ستفترق الى ثلاث وسبعين فرقة ، واضطر المتخصصون الى تأويل هذا الحديث بطرق مختلفة للتخلص من المعضلة ، وبرزت الحقيقة المرة وهي ان التمذهب والتدين نقيضان لا يلتقيان ابدا ، وان هناك مسؤلية كبرى تقع على عاتق المخلصين من علماء الامة منها التوجه الى التفكير بدلا من التكفير ، فالتفكير يجمع والتكفير يفرق ، وان الايات القرانية الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة التي ترغب في التفكير كثيرة وقد لا تقابلها اية واحدة او حديث واحد في تكفير اهل القبلة ، والمفكرون اناس على مستوى من الرقي والسمو فيستطيعون التعايش مع بعضهم مهما كان حجم الخلافات القائمة بينهم ، والتكفير اعلان عن الهزيمة ويبدأ حيث ينتهي التفكير ، واما اذا تحول التفكير الى التكفير فتحل عند ذاك الكارثة، واي كارثة اكبر من ان تقوم جماعة من الخوارج بتكفير شخصية استثنائية مثل الامام علي بن ابي طالب. فالتفكير يعطي الحياة والتكفير يعطي الموت والقتل والدمار ومعاداة الجمال حتى يؤدي بالبعض الى التطاول على تماثيل باميان وملوية سامراء وقبة العسكريين وضريح الجيلاني ، ولو تُرك لهم المجال لنفثوا احقادهم على عجائب الدنيا السبع ونسفوها من الاساس . فالتكفير خط متعرج يربك العلاقات الانسانية ويربك الاديان والمذاهب والبلاد والعباد ويدخلهم في حروب عبثية لا طائل منها كما حدث في النهروان في الماضي او كما يحدث في العراق وافغانستان في العصر الراهن ، فالحرب يجب ان تكون اخر الحلول للخلافات القائمة التي تحتاج الى فكر وعقل وتفاهم . التفكير يؤدي في حالة حدوث كارثة طبيعية في مكان ما الى المبادرة بتقديم المساعدات الانسانية للمنكوبين بغض النظر عن اللون والجنس والمعتقد ، واما التكفير فانه يمنع مساعدة من يدخلون في دائرة الكفار كونهم لا يستحقون المساعدة ومن هنا يتبين بان التفكير ينتهي دائما الى الايجاب وان بدأ سلبيا ، فهذه الدنيا ميدان حرب مستمرة وكل له سلاحه فهؤلاء سلاحهم الكلمة واولئك سلاحهم الخنجر ، مع ان السيف ليس دائما اصدق انباء من الكتب ، وسيظل هذا الصراع قائما وهذه الحروب مستمرة حتى يحشر الله عباده يوما فينبئهم بما كانوا فيه يختلفون ، فالتكفيري لا يفكر والتفكيري لا يكفر فهما كما قلنا نقيضان وان تشابهت احرفهما ، وعدم التفكير لدى ارباب التكفير يجعلهم يسعون الى هدم الكعبة وسرقة الحجر الاسود وتحطيم التماثيل وتفجير الاسواق والجامعات وتفخيخ جسر الائمة، و وأد البنات والبنين والتكفير يقتل الصالحين كما قتل القوم الحسين بن علي ، واما التفكير فانه يعيد الحر بن يزيد الرياحي وزهير بن القين العثماني الى جادة الصواب ، والتفكير يحترم دور العبادة والكنائس والاديرة وقبور الصوفية وتماثيل بوذا ، اذ ان العقل هو من آليات التفكير وهو اشرف واعظم من آليات التكفير الذي يضم كل شئ ما عدا العقل ، فالعقل يأتي مقابل الجهل كما ان الخير يقابل الشر (دائما ). وهذا القران الحكيم الذي يخبرنا بانه لا يضرنا من كفر واتخذ له سبيلا غير سبيل الرشاد ووضع لنا قاعدة ذهبية نتعامل بموجبها مع الطرف الاخر ، وهي كما في الاية الكريمة ( لكم دينكم ولي دين ) والفرق بين الكفر والفكر ليس موقع الكاف فحسب .
#حسين_ابو_سعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فقاعة خرساء من عقل الوجع النائم
-
اليماني الجديد ومسئوليات المرجعية
-
تأليب الدين على التدخين والمدخنين
-
وراء كل امرأة معذبة ، امرأة
-
اناشيد الصوت المتكرر
-
ما تبقى لي من كربلاء
-
قصائد وفاء الربيعي دعوة طفولية لعناق البحر
-
في رحاب ملكة سولاندا
-
ورود الموسوي
-
رسالة سريالية الى الحبيبة
-
شوق لاحاديث العراق
-
شعر
-
ويظل الغناء للمدينة مستمرا
-
غبار على رسائل الغرام
-
المرأة تحكم العالم
-
حرب بلا راء
-
ما اقل الزاد واطول الطريق
-
انتحاريون ولكن شرفاء
-
فن قلب الحقائق
-
سجين في حي سكني
المزيد.....
-
أمريكا تصادر طائرة ثانية لرئيس فنزويلا.. ومسؤول: كنز من المع
...
-
آيسلندا: مكتب الأرصاد الجوية يصدر تحذيرا بالطقس الأحمر بسبب
...
-
روسيا لترامب.. حل نزاع أوكرانيا بالأفعال
-
لبنان.. غارات إسرائيلية ليلية عنيفة تستهدف البقاع وإقليم الت
...
-
كوريا الجنوبية تطور مدمرات بحرية لجيشها
-
متصفح Firefox الجديد يحصل على ميزات الذكاء الاصطناعي
-
أسوشيتد برس: مصر أبلغت واشنطن أن اتفاقية السلام مع إسرائيل ف
...
-
تبادل للأسرى بين إدارة العمليات العسكرية السورية وعشائر لبنا
...
-
صحف عالمية: خطة ترامب لغزة طوق نجاة لنتنياهو وتشتت مسار الأح
...
-
أزمة الإيواء بغزة تتفاقم مع تنصل إسرائيل من تنفيذ البروتوكول
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|