|
الحكمة مزينة بالضوء وبالموسيقي.. وريادة النوع
علي البزاز
الحوار المتمدن-العدد: 2191 - 2008 / 2 / 14 - 09:52
المحور:
الادب والفن
ذاكرة الطفل ملوّنة وموسيقية، يتابع العالم بأكثر من عينين، يستنشقه بغير أنفه بل بحواسه كلها، يداه كالمجسات، يدهشه عالم الصور وله القابلية بالحفاظ علي اشكالها لفترة تضاهي قدرة الشريط السينمائي. ذاكرة الطفل هي اقرب للعمل السينمائي من حيث التقنية / المونتاج وابتكار الصورة / الحلم. عالم من الرفاهية تخومه الموسيقي والصور الصافية في فيلم التحريك السينمائي ابن الغابة * إخراج ومونتاج العراقي ثامر الزيدي. انها مجازفة درامية وسينمائية تقديم قصة حي بن يقظان للفيلسوف ابن طفيل موجهة للاطفال ومتحاشية صرامة وعقلانية النص الاصلي. بحث فلسفي اجتماعي ما زال له تأثير كبير علي الفكر العالمي قدمه الفيلم للاطفال بأسلوب فيلم التحريك موشحا بالضوء والموسيقي والاغنية وكل هذا الثراء يتسرب مدغدغا عالمهم. قصة حي بن يقظان تتحدث عن فلسفة اجتماعية خلاصتها ان الانسان نتاج بيئته يكتسب منها كل شيء، عاداته لغته افكاره، تدور حول الطفل حي الذي يقذف ليعيش في الغابة معاشرا الحيوانات متعلما منها، ومن الطبيعه مكتسبا عاداته ولكنه يتفرد بالتفكير الذي يمنحه اياه العقل فيهتدي به إلي الخالق دون الحيوانات التي ترعرع وتربي بينها. قُدمت هذه الفلسفة الاجتماعية والعقلية للاطفال بفيلم تحريك سينمائي شفاف ومدهش. تاريخ فيلم التحريك يعود قبل اختراع السينما من قبل الاخوين لوميير وفيلمهما وصول القطار الي المحطّة (1895)، لما لفيلم الكارتون من علاقة مباشرة مع الرسم. يقول بيرنار جينان: في سينما التحريك، الفنان مؤلف الفيلم يخلق صورة صورة حركة لا توجد في الواقع ولكنه في وقت العرض، يمنح الحركة لعالم تخلّق من خياله، احلامه ورؤاه الخاصة . اما رينيه لالو، مخرج التحريك الفرنسي، فيقول: السينما الحقيقية، هي سينما التحريك، فن يقترن بالمستقبل (من كتاب سينما التحريك ، ترجمة صلاح سرميني). شهد فيلم الكارتون مراحل تطور عديدة: في عام 1556 تم تأسيس المقهي في مدينة اسطنبول وذلك قبل مئة عام من وجودها في مدن مهمة مثل باريس، ولندن وامستردام، ومن المقهي انطلق فن الحكاية المتحركة التركية التي تسمي (قرقوش) وتمخض عنه ما نسميه اليوم بمسرح المدينة وفي عام 1892 قدم اميل راينو اول عرض للصور المتحركة علي الشاشة، مرورا بالمسرح الضوئي واستعمال الفانوس السحري وتوّج فيلم التحريك كصناعة سينمائية من قبل ديزني عام 1928 ميكي ماوس . يشارك فريق عمل كبير في فيلم التحريك من رسامين وتقنيين وحرفيين ضمن ادارة المخرج، كل هذه الجهود الكبيرة مع الالوان الشفافة والاغاني موجهة لمخيال الطفل الذي يحفظها ثم يعيد صياغتها بمونتاج يشكل عالمه، دهشته، فرحه او حزنه. فيلم ابن الغابة (حصل علي جائزة الجمهور في مهرجان القاهرة متفوقا علي فيلمين احدهما فنلندي والاخر كندي) احتضن الصورة واللون ليشرح فلسفة قصة ابن طفيل مما للصورة من اسبقية علي عين الطفل من الكلام، الصورة المتحركة بحلّة من الضوء هي التي تثير ذاكرة الطفل وتبقي عالقة فيها كشريط سينمائي اضافة الي سعة كادر الصورة لونيا ومكانيا، فالطفل لا يحب اللون السادة ولا المكان الضيق الذي يحاول دائما الخروج منه متناغما مع رغبته بالنضج واكتشاف العالم. حركة الصور من مكان إلي آخر وتغير اشكالها لها من السحر والجذب ليس فقط علي عالم الطفل بل وعلي احاسيس الكبار الذين اصبحت افلام التحريك تدهشهم ايضا، كل هذه المتطلبات الحسية والسمعية البصرية مع تبنيّ تقنيات عالية في فن رسم الصورة والمؤثرات الصوتية يزدان بها هذا الفيلم الذي يُعتبر اول فيلم تحريك عربي سينمائي طويل. يقول المخرج ثامر الزيدي عن فيلمه: ما يتعلق بتحقيقنا لحكاية (حي بن يقظان) وصعوبتها لجهة مضمونها الفلسفي، فقد وضعنا نصب اعيننا اهمية تطويع افكارها وتقريبها لذهنية الطفل دون الوقوع في التسطيح وسخرنا في التنفيذ المنجز العالمي، واعتقد اننا نجحنا إلي حد كبير بشهادة النقاد العالميين (من مقابلة في جريدة الشرق الاوسط). تمكن الفيلم من شرح فلسفة القصة التي تنص علي ان الانسان يكتسب عالمه من المحيط عن طريق الصورة الموشحة بالوان قزحية، فها هو حي يشاهد القرد كيف يقفز، والاسماك كيف تسبح والبرق المسبب للصواعق والحريق ويتعلم منهما بالمشاهدة والخبرة وليس بالتلقين الكلامي الذي وان ينجح احيانا لكنه لا يدوم مثل التربية بالمشاهدة مما للصورة من سحر السيطرة وديمومة البقاء، الكتابة للطفل اصعب الفنون لأنها تواجه عقلية تختلف عن مخيلة الكاتب وعالم بريء يختلف عن عالم الكتابة الموجه والمنحاز. ويزداد الامر تعقيدا في السينما، فاما ان يتحول الفيلم إلي نصّ تعليمي ممل واما إلي رسوم جميلة ذات محتوي ضعيف ولذلك فان خلق فيلم تحريك يجمع النص والصورة ليس بالامر السهل الذي يعتقده البعض، فيلم التحريك الناجح سيرافق الطفل في مراحل حياته المختلفة لان السينما هي انجع وسيلة تعليمية، حتي في الحياة العامة نري بشدة حاجة الصورة التوجيهية في شارات المرور والبنايات والمطاعم دون الكتابة بسبب من عالمية الصورة وتأثيرها الجماعي الدائم. حرص الفيلم علي اختيار اغان ذات فوائد تربوية تفيد الطفل في حياته تتغني بالانسان والطبيعة وحب الام لخلق الفائدة الاجتماعية التربوية محاكاة لغاية القصة الاصلية. عندما يشاهد الطفل الفيلم سيصبح جزءاً من محيطه ولو مؤقتا، يتعلم منه الرسالة الحياتية وهذه بالضبط فكرة رواية حيّ بن يقظان . حيّ لا ينسي امه الغزالة التي أرضعته رغم كونه انسانا وليس حيوانا وينقذ القرد من الطائرالمتوحش ويذود عن حيوانات الغابة التي بدورها تلاحظ ان حيّا يختلف عنها في ملابسه ويمشي علي رجلين اثنتين وتنبهر بمهارة اصابعه، الامر الذي يحيلنا إلي الفكرة الازلية بأن الطبيعة هي الام ومنها تعلم حيّ واكتسب عاداته وبفعلها توسعت مداركه. يشاهد بن يقظان صورة انسان مرسومة علي احد اسوار الغابة يقول ان هذا اعرفه وشاهدته من قبل فيذهب إلي الماء ليري صورته منذ اول مرة. يقصد انه شاهد عالم البشر حينما كان طفلا قبل ان تضعه امه في سلّة في مركب خوفا من المتوحشين الذين قتلوا والده وفتكوا بالقرية باساليب مرّوعة وتكررت صور القتل هذه غير مرة في بداية الفيلم التي لم تنسجم مع شفافية ورقّة المعالجة الدرامية اضافة إلي رسالة السلام التي حملها وكم سيكون رائعا لو اختصرت تلك المشاهد التي تربك الطفل أو استبدلت بتعليق كلامي سرعان ما يتلاشي ولا يحفر مثلما تنقش الصورة او اية معالجة سينمائية اخري باستثناء الدم. تعرّف حي علي صورة الانسان من خلال ما يسمي فلاش باك، مخيلة الطفل عبارة عن شريط سينمائي والدماغ هو جهاز العرض. والطريف أن صورة ذلك الانسان كانت مرسومة وسط الطابوق الذي يعني البناء، فالعمران خاص بالانسان. يقول بن يقظان: لا اريد ان اغادر هذا المكان الذي ما ان رأيته حتي تغيرت نظرتي للعالم وفعلا يبدأ بالتفكير بشخصيته وبالكون من حوله ويهتدي إلي الخالق. العمران وموت امه الغزالة مهدا له امكانية التعرف علي طبيعته الانسانية. عنوان القصة الاصلي له دلالات فلسفية: الاسم حيّ له علاقة بالعقل الذي ميزه عن الحيوانات وبه تعرف علي وجود الخالق، الانسان يبقي حيا في الذاكرة ويخلد بعقله الذي يملي عليه البناء والعمل وهو الذي يجعله واعيا متنبها ويقظا لما يجري من حوله فالحيوانات تندهش من نباهة وسرعة البديهية عند حي . وقد استوعب الفيلم دلالات العنوان الاصلي سينمائيا وفكريا، الغابة تثير لدي الطفل واقعا من الالوان والطيور والانهار ينسجم مع مخيلته الطرية اذ هي شاشة لاستقبال اللون والحركة. ثم ان حيا في النهاية اصبح من مجتمع الغابة وهو ابن الغزالة. من اهم اسباب نجاح الفيلم هو المونتاج الجميل والسلس الذي يتلاءم مع آليات عمل احاسيس الطفل والدراية بفنون وخبايا عالم الصغارحيث عمل المخرج ثامر الزيدي منذ الستينيات من القرن الفائت علي مسرح الطفل وقدم برنامجا للاطفال صندوق الدنيا وشارك في مسلسل إفتح يا سمسم ويوشك الان علي الانتهاء من فيلم تحريك سينمائي آخر عنوانه لؤلؤة الصحراء بالتعاون مع شركة الرحباني للإنتاج الفني. سيشهد فيلم التحريك تطورا هائلا مستفيدا من تقنيات الكومبيوتر والرسم الحديث مع التطور المذهل للمؤثرات الصوتية والتي ستساهم مستقبلا بتنمية طرق التعليم التربوية والعناية الجادة بثقافة الطفل لخلق عالم يسود فيه الخير
#علي_البزاز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفيلم الوثائقي ( بلاد مابين الحربين ) *العراق منهوب الكرامة
-
الفيلم الوثائقي - سندباديون - تيتانك عراقية معاصرة
-
الفيلم القصير - المهد -عدالة السلوك
-
الفيلم العراقي القصير - الليلة الثانية بعد الالف - الحكاية ا
...
-
الفيلم الوثائقي – الدرامي - ذاكرة وجذور - ذاكرة الثلج االحار
-
أحقاً كان الزرقاوي مُطارداً ؟
-
-بعيداً عن بغداد- لقتيبة الجنابي المكان المنفي يعثر على صورت
...
-
الفيلم الوثائقي -المراسل البغدادي الحلم يبدد رغبة العدم -
-
الفلم الوثائقي دبليو دبليو دبليو كلكامش صداقة كلكامشيه وعراق
...
-
مهرجان روتردام السينمائي تطور أم تراجع؟
-
أضرحة وتعاويذ لتوطين النار وحفظ الأسرار الكتب الصناديق في م
...
-
المعرض الفوتوغرافي العالمي الأرض من السماء
-
الفيلم الوثائقي (أم ساري) الحرب: إرهاب للمستقبل
-
فيلم -العراق في أشلاء
-
مهرجان السينما العربية في بروكسل
-
الفخاخ أكمن لعدالتها الآن
-
عن فيلم الطريق إلى بغداد-الجزء الثاني - مشرق الارض - تربية ا
...
-
عن فيلم الطريق إلى بغداد: غياب الفيلم كشخصية
-
ذكرى رحيل الشاعر والرسام احمد أمير ..1 ..غياب مؤطر بمشاعل..
...
-
الحرق أسهل حلول الضعيف: فلم وثائقي عن العراق
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|