أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - عطش الندى - قصة فصيرة














المزيد.....

عطش الندى - قصة فصيرة


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2188 - 2008 / 2 / 11 - 08:41
المحور: الادب والفن
    



بارد هذا الشتاء.
الريح جليد مسنون يعبر وجهي، يصيبني بالدوار، القشعريرة ما يعبرني ويتمدد في مساماتي, الشتاء بارد هذا العام، والفقد والكآبة مقيمان في ثيابي..أهرب إلى النافذة..
خلف النافذة شجرة التوت,الشجرة تخلت عن أوراقها، تجردت. فروعها البنية ممصوصة تزحف إلى الجفاف!
لماذا تتعرى الشجرة؟
وهل يعبرها الصقيع مثلي؟
ملابسي الشتوية الثقيلة تزودني بجليد فوق جليد..تتجمد دمعتي على بياض عيني, أشيح بعيداً حتى لا يضبطني مديري متلبسة، أهرب إلى العمل، التمس دفئاً في إضاءة شاشة الكمبيوتر.
مديري يعاملني مثل ابنته، يقرأني، يبتسم، دائماً يضبطني متلبسة بالفقد.
عندما التحقت بالعمل، اختار لي مكتباً يواجه النافذة المطلة على الحديقة قال: .
- من الحديقة نتعلم الكثير.
أول ما وقع عليه نظري شجرة التوت العريانة. انقبضت. لماذا تتخلى التوتة عن أوراقها الخضراء؟ وهل تبكي أوراقها التي تجف وتحترق عند قدميها؟
***
بالأمس كانت ابنتي في الفراش تتصبب عرقاً، وأبوها عند حافة السرير يعالج جبينها بكمادات الماء البارد..الطفلة تهذي تحت وطأة السخونة, أصابني الذعر وانتصبت أمامي التوتة العارية. سكن الجفاف لساني وسقف فمي, أخذت ابنتي إلى حضني وبكيت..ارتبك زوجي لدرجة الغضب,
- هي بخير، لماذا كل هذا الفزع؟
"قررت أن أطلب إجازة وأبقى معها".
زوجي يمسح الدموع عن وجهي..يقبلني..يبتسم, والطفلة تروح إلى سبات عميق، صدرها ينتظم تصعد ابتسامتها وتدخل في الحلم.. "طردت فكرة الإجازة".
في الصباح ضبطني المدير عند النافذة، أتأمل فروع التوتة، لامعة تخلقت عليها عيون تتهيأ للامتلاء..القشعريرة تغادرني، تعجبت من أحوالي.
عند الضحى مرت على الدنيا لفحة دفء، وحط على التوتة عصفور وعصفورة تقافزا وتبادلا زقزقات رخيمة، وتشابكا بالمناقير، زغزغت العصفورة ريش عصفورها عند العنق، فرد جناحيه فأغمضت عينيها وألقمته منقارها, فافتقدت زوجي.
غادر العصفوران التوتة إلى شجيرات الحديقة, وانتظرت عودتهما أياماً، لم يعودا ولم يزقزقا على الشجرة.
بعد الظهر
كانت طفلتي تحمل عروستها وتنتظر عند باب الدار، ارتمت في حضني وزرعت رأسها الصغير في صدري..بكيت وفي الليل سألت زوجي:
- لماذا تتعرى التوتة والوقت جليد؟
***
الشتاء يتقدم، ورياح التشارين لا تتسامح، يلفحني صقيع الصباح يتربع في لحمي، أهرب إلى العمل أتدفأ على وميض شاشة الكمبيوتر.
****

اليوم قدم لي المدير فنجان قهوة ساخن، ابتسم.
- هل تفقدت التوتة؟
براعم التوتة تتفتح على الفروع، تطلق أوراقاً رقيقة شفافة لم تلّوحها الشمس، مخضرّة على اصفرار يانع, يا الهي الفروع لامعة غنية تدخل طقس الميلاد..البراعم تتهيأ للحياة.

بشائر الربيع
الدفء ينتشر على استحياء، يتخلص من جليد دخل طقس الموت، التوتة بساط من مخمل أخضر معشق بقطرات الندى, والفرشات الملونة تشرب ماء الليل تبحث عن محطات راحة أو مهاجع استراحة.
العصفورة وحيدة تحط على الشجرة..تطلق زقزقة فرحة وتطير..تعود مع وليفها العصفور، يحملان قشاً أبيض, ويقيمان عشهما على الشجرة.
تضع العصفورة البيض، وترقد عليه مناوبة مع خليلها.

في عشنـا
تأملت وزوجي وجه طفلتنا التي استغرقت في النوم، جميلة كما ابتسامتها التي نامت معها، قلت لزوجي:
- لنلعب لعبة جديدة..
- لنلعب.
وأخذنا نتوقع أحلام ابنتنا، اختلفنا وتراهنا، وفي الصباح سألناها عن أحلامها..كركرت ضاحكة من سذاجتنا قالت:
- لم أحلم كنت طوال الليل العب مع عروستي.
ضحكنا وكان وجه الصباح قد اكتمل

****

ذعرت لدرجة الموت
دودة تقرض أوراق التوت,الافتراس/ الموت.
دودة خضراء طويلة ممتلئة، يمتد بطولها خط فسفوري مشع. الدودة تأكل بشراهة..أسمع أنين الأوراق في فمها يقضم لحمي.
تسمرت عند النافذة., بحة سحبت لساني وصعد الجفاف إلى حلقي..مشلولة عند النافذة أقف, صوت المدير يصلني حنوناً
- بردت قهوتك يا ابنتي.
قلت مستغيثةً.
- إنها تفترس الشجرة.
أشرت إلى الدودة، ضحك المدير.
- هي دودة الحرير..لا تقلقي.
المدير يقرأني، قال:
- التوتة سعيدة بغذاء الدودة.
وأخبرني عن يرقة فراشة الحرير، وكيف تصنع شرنقتها من خيوط الحرير, وتعتصم داخلها حتى تخرج فراشة جميلة تطرز المشهد.
الدودة مطمئنة تلتهم حواف الأوراق الطرية, تتقلص وتفرد طولها يشع الفسفور وميضاً خاطفاً..لكن الدودة لا تقترب من ثمار التوت الفجة الخضراء.

الربيع يبدأ مشواره

والنهار يعلن عن دفء كامل
الصباح أبيض نقي، وطفلتي نهضت مبكرة، وكعادتها أخذت تحدث عروستها عن فوائد الحليب، وتتحايل عليها حتى تفتح فمها لترى أسنانها البيضاء اللامعة...
زوجي كعادته يشاكسها ويوبخ العروس الغبية..تنتصر طفلتي لابنتها وترد على الاتهامات باحتضان العروس وهدهدتها، وأنا أقف أمام فساتيني محتارة، عبرت إلى وجه زوجي، فاستقر خياري على فستان الحرير الزهري والزنار الليلكي.
***
على مكتبي استقبلني طبق خزفي أبيض، عليه حبة توت حمراء ناضجة..
مذاق التوت في فمي شهداً ممزوجاً بحموضة لذيذة، والمدير عند النافذة يتأمل العصفورة التي وقفت على الغصن تفرد جناحيها, ويرهف السمع لزقزقات طفله تصدر من عش بين الأوراق,قال:
- فقس بيض العصفورة.
ناولني طبق الخزف الأبيض، وأشار إلى خارج النافذة, رأيت فراشات الحرير تتقافز بين الأغصان تحط على فرع يواجه الشمس. تحيط بثمرة توت حمراء عفية، شربت من ندى الفجر.
لم تطاوعني يدي على قطفها.




#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهادات في زمن الحصار
- أعواد ثقاب في ليل حالك
- أفشالومي الجميل
- حكايات الغربة -2 -
- حكايات الغربة -1 -
- حكايات في واقع الحال -3 -
- حكايات في واقع الحال - 2 -
- أجندة غزة وشطب الذاكرة -10 -
- حكايات في واقع الحال - 1 -
- بيضاء مثل القمر - قصة قصيرة
- أجندة غزة وشطب الذاكرة - 9
- حكايات عن واقع الحال
- أجندة غزة وشط الذاكرة - 8 -
- غزة وشطب الذاكرة -7 -
- البلياردو
- غزة وشطب الذاكرة -6 -
- الطبيب والزائر الغريب
- غزة وشطب الذاكرة - 5 -
- أجندة غزة وشطب الذاكرة- 4-
- أجندة غزة وشطب الذاكرة-3 -


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - عطش الندى - قصة فصيرة