|
الفن الملتزم وثقافة العولمة
يوسف هريمة
الحوار المتمدن-العدد: 2188 - 2008 / 2 / 11 - 08:40
المحور:
الادب والفن
في عصر العولمة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية أصبحت كل المفاهيم خاضعة للقلب والتأطير وحركات التأثير والتأثر داخل هذا النسق الثقافي المنفتح بشكل كبير على عوالم أرحب لم تكن متاحة في عصور ما قبل هذه الحركة العالمية وما شهدته الثقاة من تحولات كبيرة على مختلف المستويات. وكأي مجال من المجالات الإنسانية المتعددة داخل السياق العالمي عرف الفن موجة من التحولات على غرار باقي المجالات والساحات الفكرية الأخرى، ولم يستطع أن ينفصل عن هذا الغزو العالمي والرؤية الثقافية للفن كما يراه صانعوا العولمة الثقافية والمنظرون للانفتاح العالمي الضخم. كان الفن رسالة من الرسائل الأساسية في أي بناء حضاري ولم يكن منفصلا عن ثقافة المجتمعات الإنسانية بشكل من الأشكال، فهو المعبر عن قضايا الناس وهمومهم وتطلعاتهم وآمالهم نحو المستقبل القريب، وهو القناة الأولى والرئيسية في أي تغيير ثقافي لأنه يحمل سياسة القرب من كل المستويات الشعبية ومن كل الطبقات الاجتماعية. كان رسالة إنسانية حينما كان الفنان مسؤولا عن التأطير الثقافي والتوعية السياسية والاجتماعية والفكرية للناس إلى جانب المدرسة والأسرة والمجتمع، وحينما كانت أقدام التغيير تسير بالفنان المسؤول ومن خلاله إلى الإشعار بكل التحولات التي يثيرها المشهد الاجتماعي من قريب أو من بعيد. لكن عالم اليوم والانخراط في مشروع العولمة الجارفة زعزع الكثير من المفاهيم والرؤى حول القيمة الحقيقية للفن المعاصر والفنان العربي الملتزم بمسؤولية التغيير وليس الملتزم بالمفهوم الأخلاقي بنمط معين من الفن المثالي الروحاني الصوفي البعيد عن إفرازات الواقع الحقيقية. أصبح الفن العربي فنا يعكس الواقع المتخلف والحصار المضروب على هذه العقلية السامحة لكل القيم الغريبة عن مجتمعها بالبروز، فلم تعد قضايا الإنسان بمختلف مستوياتها هي همّ الفنان بقدر ما اختزلت أطروحاته في لعبة الجسد وما يدور في فلكها من إشكالات خطيرة تعكس بالفعل حجم الفكر الجنسي لدى المواطن العربي بشكل عام. لقد استطاعت بالفعل العولمة الثقافية عبر قنوات مختلفة إعلامية سياسية اقتصادية أن تخرج الإنسان العربي من كبته الجنسي وعزفت على وتره الحساس ليختزل كل قضاياه وإشكالاته المختلفة في لعبة الجسد، ونظرة إلى واقع الحال تؤكد بأن المواطن المسحوق يستطيع أن يلبي دعوة الداعي لحضور حفل فنانة أو فنان ولو على حساب قوته اليومي ولا يلبي دعوات تخرجه عن نسق رؤية الصدور شبه العارية واللحوم البيضاء التي يسيل لها لعاب مسعوري الجنس مهما كانت طبقاتهم بله طبقة محرومة من الجسد لا تراه إلا في أحلام بائسة أو على شاشات تلفاز أو في حفلات فنية دون إمكانية القرب منه بمستوى من المستويات. إن الواقع الفني العربي يرزح تحت رحمة هذا الجسد الذي استغله مساعير الجنس من جهة، وبتواطؤ مهووس من شركات إنتاج عالمية من جهة أخرى تستغل هذا البعد الجنسي لتحريك أزمات الشباب نحو الأفق المسدود دون التلويح بالبدائل المتاحة للخروج من هذا السؤال المؤرق. وبين رغبة هذا وسؤال ذاك يضيع الإنسان العربي المسحوق وراء ركام ثقافة عالمية لا تحترم إنسانيته وإمكانياته المادية والنفسية والاجتماعية، وتضيع في الوقت نفسه رسالة الفنان المسؤول عن تبليغ رسالة المجتمع والحديث باسم الطبقات المسحوقة والفقيرة والمعدومة الحيلة في وسط همجية اقتصادية وثقافية لا ترى الحل إلا في ما تكرسه من قيم تنعكس سلبا على كل التصورات والإطارات للمواطن العادي. غاب الفنان المربي والمحفز والمثقف والمناضل والحامي والثائر والسامي والإنساني والجاهر بالحق والمعلم والمؤطر، وحضرت الأجساد ترقص طربا على جثة المواطن المنهوك بمشاكله وقضاياه وتعزف لغة السخرية على الكبت الجنسي المستشري في أوصال الطبقات المحرومة، لتنسيها حصارها النفسي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والفكري، وتتيه بها خارج إنسانيتها ومسؤوليتها اتجاه نفسها وغيرها. لن تحرك الفنان جثث ملقاة على الطريق بين شوارع بغداد أو طفل يتضور جوعا في سجن غزة أو فتنة قادمة مسرحها الضاحية والضواحي ولا هجوم مرتقب على الإنسانية بمسميات عديدة، ولكن تحركه شركات الغرام المفقود والجسد المسحوق وأغاني:" "فين الواوا بوس الواوا خلي الواوا يصح" حتى لو ندرك معانيها. أحببت أن تكون مداخلتي عبارة عن مدخل لطرق الإشكالية على أن أترك لكل المتدخلين الفرصة لإبداء الرأي في هذا الموضوع الشائك والمسكوت عنه في الكثير من الأحيان، راجيا أن تكون محطتنا هذه لنتذكر الفن الجميل والرسالي بمختلف مستويات تعبيره عن قضاياه ومشاكله وأمانيه، وإليكم هديتي وهي عبارة عن فيديو لأغنيتين من توقيع مجموعة السهام المغربية حول السلام والقضية الفلسطينية، وهي أحد المجموعات الرائدة في هذا الباب إلى جانب العديد من المجموعات الأخرى الممتدة عن المد الغيواني في سبعينيات القرن الماضي: http://fr.youtube.com/watch?v=u-MeztTeiZU http://fr.youtube.com/watch?v=0AABCh...ture=re lated
#يوسف_هريمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وتكسًّرَ غُصن الزَّيتون...
-
سامر إسلامبولي وأزمة القرآنيين !!!
-
الفتوى وإشكالية الفقه الإسلامي
-
حيرةُ الحبِّ...؟؟؟
-
هدية للحوار المتمدن
-
طقس القضيب وتمظهراته الثقافية
-
العنصرية والأمثال الشعبية المغربية !!!
-
ويجعل الأقلام شيبا...؟؟؟
-
باسم آية الكفر والإيمان
-
التثاقف اليهودي المسيحي: نسب المسيح نموذجا
-
دموع بريئة... !!!
-
الشذوذ الجنسي: حرية أم أنحدار؟؟؟
-
العطالة وإقالة العقل العربي !!! المغرب نموذجا
-
المعراج وأزمة فكر الأنثى!!!
-
أنا وقلم التمرد!!!
-
أُحِبُّكِ لَكِنْ أَخَاف؟!!!
-
نحو تأسيس مفهوم الكهنوت
-
قلمي ومعركة الاستبداد
-
دمعة على أعتاب جسد: الجزء الأول
-
دمعة على أعتاب جسد: الجزء الثاني
المزيد.....
-
السعودية.. رحيل -قبطان الطرب الخليجي- وسط حزن في الوسط الفني
...
-
مصر.. كشف تطورات الحالة الصحية للفنان ضياء الميرغني بعد خضوع
...
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|