أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم العايف - الشاعر(محمد طالب محمد) الهروب من الموت الى الموت *















المزيد.....


الشاعر(محمد طالب محمد) الهروب من الموت الى الموت *


جاسم العايف

الحوار المتمدن-العدد: 2182 - 2008 / 2 / 5 - 08:09
المحور: الادب والفن
    


جاسم العايف: لم يكن اهتمام أدونيس بمحمد طالب محمد جزافاً
حاوره : خالد السلطان
*اللافت للنظر ان العديد من المعنيين بالممارسة الابداعية (الشعرية) شعراء ونقاداً ومتلقين، لايجهلون المنجز الشعري للمرحوم محمد طالب محمد حسب، إنما يجهلون اسمه وهويته العراقية. ولما كنت، استاذ جاسم، أحد أصدقائه ،دعني أسألك بدءاً، مَن هو محمد طالب محمد..؟
ـ- هذا السؤال مثير للألم... محمد طالب محمد، ولد في البصرة وعاش فيها وبعد اكمال دراسته الاعدادية انتقل الى بغداد، وأنهى الدراسة في كلية الاداب، وكان مكتفيا بعدد قليل من الاصدقاء، ومبتعداً عن المهرجانات وكل مايمتّ بصلة لثقافة الأنظمة او السلطات. كان منشغلا بمشروعه الشعري وبالاستمتاع ببعض اللذائذ اليومية، التي توفرها العلاقات الحميمية لأصدقاء لاعلاقة لأغلبهم بالادب. كان يستمتع كثيرا بالحياة اليومية في مقهى (هاتف) في البصرة القديمة, والتي تحولت الى مقهى الشناشيل، واصبحت مخزنا للمواد الانشائية آلآن , وفي بعض النوادي لممارسة بهجة الحياة. ولديه علاقات وثيقة بأصدقاء همهم الشعر والادب والفن، زامله بعضهم في مرحلة الدراسة والبعض الاخر تعرّف عليه بعد تعيينه في سلك التعليم. أصدقاؤه في البصرة صفوة من جيل الستينيات البصري، منهم الاستاذ الناقد جميل الشبيبي والشاعر عبدالكريم كاصد والشاعر شاكر العاشور، والناقد والقاص يعرب السعيدي وله علاقة وطيدة، بحكم الاهتمام والجيرة، بالكاتب إحسان وفيق السامرائي، والشاعر محمد صالح عبدالرضا، والصديق يوسف السالم، وتعرّف عليه أيضا الشاعر حسين عبداللطيف. نشر محمد طالب محمد بعض القصائد العمودية في مجلة الاقلام، أبان صدورها، عندما كان طالبا في كلية الاداب ، ونشر ايضا في مجلة (الكلمة). وانهى الدراسة الجامعية ، بتفوق بسبب من تربيته الادبية واللغوية، حيث ان والده رحمه الله من المتابعين، بدأب وحماس للأدب العربي والشعر بالذات، ولديه مكتبة تحتوي على مصادر مهمة للشعر العربي الجاهلي والأموي والعباسي والاندلسي. وشعراء النهضة العراقيين، كالرصافي والزهاوي، والعرب ايضا, مع اهتمام خاص بالجواهري. المرحوم الحاج طالب اصاب (محمد) بعدوى قراءة الشعر منذ الصبا والاهتمام بالجرس اللغوي والبديع والزخرفة والصرف والنحو والبلاغة، كان الحاج طالب فخورا بولده محمد وبمستقبله الشعري. ومن طرائفه أنه قال لي يوماً وكان يأتي ليجلس في مقهى (هاتف) التي نجلس فيها: (لقد خيّب محمد ظني حينما توجه الى كتابة الشعر الحديث)، فقلت له مازحا: حسنا فعل ذلك لأنه لم يخيب ظننا.
* الأسباب التي أدت به الى الهجرة..؟
- بموجب قانون التعريب في الجزائر آنذاك، تمت الاستعانة بمدرسي اللغة العربية وخصوصا من العراق فكانت فرصة للسفر وقد ذهب محمد طالب محمد للتدريس وهناك تزوج من سيدة جزائرية وحينما عاد وفوجيء بالواقع الذي كان في بداية السبعينيات وهو بداية الانحدار القيمي والاجتماعي وشيوع أمراض الانتهازية والنفعية وارتقاء مَن لايستحق في الادارات ، ورأى أيضاً محاولات جادة سياسية-حزبية نفعية لتجاهل احداث تاريخية مفجعة في الحياة الاجتماعية- العراقية والعمل على تبييض صفحات سوداء مريبة جداً وتاهيل قوى دموية وشخصيات لقتلة من محترفي الجريمة العامة والخاصة من أجل ان تكتسب صفة (الديمقراطية والثورية) فشعرنا بالاشمئزاز الا انه كان اكثرنا قرفا.. وتزامن ذلك مع مرض غريب اصاب السيدة زوجته أتعبها كثيرا. فقد أصيبت بـ(حساسية) محرقة لجسدها وجيوبها الانفية لم تستطع هذه المرأة القادمة من شواطئ البحر الأبيض ، تحمل جو العراق حتى الاجتماعي وقد كان عليها انتظار العائد من الوظيفة او من متع الليل البريئة ... تقول لي:- هناك مايشبه الجهل بشخصية محمد طالب، لقد ارسل ادونيس رسالة بخطه الى محمد طالب، رسالة مملوءة بالاعجاب والحماس لكن محمد كان حييا ولم يرغب ان يطلع الاخرون على ماكتبه ادونيس له، أذكر نهايتها: (يا محمد سلاماً ايها الشاعر).
* هل يمكن أن نعدّ محمد طالب شاعراً شيوعياً، أم مثقفاً ماركسياً تجاوز بشعريته حدود الأيديولوجيا..؟
- دعني اقول لك بصراحة اذا كانت الشيوعية تعني الجلوس في غرفة مغلقة مع الجماعة الحزبية وكتابة التقارير الحزبية الشهرية ودفع بدل الاشتراك المقرر فمن المؤكد ان محمد طالب ونحن جميعا لا نمت لها بشئ ولا نعرف "الحزب الشيوعي العراقي" ولايعرفنا ، اما اذا كان العكس أي الانفتاح على الناس والبحث عن العدالة الاجتماعية والسعي بقوة وفعالية من اجل تحققها وترسيخ قيم الحرية الانسانية المدعمة بحقوق الانسان والحياة في مجتمع متمدن ، وحرية المرأة وحقها في الاختيار والمساواة الكاملة لها مع الرجل بعيدا عن ( التابوات) الموروثة والمصنعة ؛ وتحول البشر الى كائنات فعالة لتغيير شروط وظروف حياتهم.. فنحن منها وهي منا ...كان محمد نشطا جدا في اتحاد الطلبة العام ومتحمسا ومندفعا ، ونجا من الاعتقال في الاعصار الدموي في 8 شباط عام 1963، وظل محمد في جامعة بغداد يواصل دراسته الا انه عندما عاد الى البصرة في الشهر السادس عام 1963 القي القبض عليه واعتقل في (مقر الحرس القومي) الذي كان مقره في نادي الاتحاد الرياضي مقابل ساحة(ام البروم) وكانت تفوح منه روائح الموت وينبعث من ساحاته وقاعته الرياضية والمسرحية ، انين وصراخ الضحايا من النساء والرجال . اعتقل"محمد" هناك وحصل له ما حصل لنا وخرج مدبوغ الجلد وبقي موشوم القلب ومجروح الروح ، في الشعر لم يكتب محمد طالب محمد للمناسبات، لقد احتفى بالانسان وعذاباته اليومية والتاريخية. لقد كان مزدهيا بالانسان وملذاته الانسانية المشروعة التي لايستطيع الحصول عليها بيسر، لأن سلطات الانظمة الاستبدادية الشرقية الوحشية لاتدع مجالا وفسحة لممارسة الحياة الانسانية المدنية المتحضرة. محمد طالب محمد عراقي الحياة، ذهب الى الجزائر واستقر هناك بعد ان ارسل زوجته الى الجزائر على الا تعود ثم لحق بها وقال لي-: لن أعود . دعني اوضح شيئا اساسيا لقد كانت الظروف تسير بنا تجاه اليسار العراقي والحزب الشيوعي بالذات ونحن في مستهل مغادرتنا مرحلة الصبا ولسنا نادمين قطعا على ذلك لقد بُحت حناجرنا من كثرة الصراخ في المسيرات وتهرأت اقدامنا ونحن حفاة من الركض خلف اللا فتات التي ادمنت تلميع صور العسكر بعد ثورة 14 تموز 1958 ومع كل ما واجهناه من عذابات فأننا لن نتراجع أو نندم على الاتجاه والتوجه الذي عُرفنا به ولكننا نحاول ان نوسع من افقنا بعد ان انتهى الزمن الذي كنا نعتقد فيه ان التاريخ يسير على وفق قناعاتنا فللتاريخ مساراته المتعرجة ودمويته وللواقع مخاتلاته وعلينا ان نخفف من غلوائنا.
*بداهة ثمة فارق أكيد بين الشعراء، وهم قلة، وبين من يكتبون الشعر، وهم كثر. هل تؤشر وبعجالة الخاصية الإبداعية لمحمد طالب محمد شاعراً..؟
-ـ هذا سؤال وإستنتاج اتفق معه تماما ، من يكتبون شعرا كثار والشعراء قليلون جدا واتذكر ان (البريكان) كما يذكر الصديق الشاعر عبد الكريم كاصد يرفض ان يُكتب اي توصيف مع كلمة شاعر، لأن اي توصيف لايسمو الى صفة (شاعر) اعتقد ان محمد كان يتعامل مع الشعر على انه الحرية عندما يكون الخوف والقسوة والفقر واللاعدالة الاجتماعية القاعدة، ان ميزة محمد طالب محمد الشعرية هي احتفاؤه الكبير باللغة العربية واستخدامه للغة وكثافتها انه وبسبب من تربيته الكلاسيكية، اهتم بالمفردة اللغوية وتستطيع ان ترى في ديوانه وقفاته وصوره، صوره الباهرة في مخاطبته للبحر والعشب والانسان وللماء وللاسرار، واستخدامه الاحلام في القصيدة ثم هذه النثرية والسردية المصفاة. هذه علامات مهمة شخّصها أدونيس في شعر محمد بداية السبعينيات واحتفى به و بها، لم يكن اهتمام أدونيس بشعر محمد طالب محمد جزافاً، احتفى به دونما معرفة سابقة، إحتفى بنصّه اولاً ونشر له في مجلة (مواقف)، وطالبه بمعلوماتٍ تعريفية، وهذه لم تكن سهلة في السبعينيات على الاقل، لقد احتفى به عبر قصائده التي ارسلها له في البريد وبواسطتي..
* هل تعرّف قرّاء (الأخبار) بقصيدة محمد طالب الاخيرة، أقصد موقفه الإنساني والتراجيدي الذي أدّى إلى استشهاده...؟
- احتفى هو بالموتى، احتفى بصديقه(عبود ) الذي توفى فجأة وكتب عنه قصيدة نشرها في مجلة (مواقف) وكذلك بمصطفى عبدالله صديقنا الذي توفي في المغرب بحادث مرور، ونشر قصيدة رثاء له، وعاد مرة اخرى وأهدى لروح مصطفى عبدالله قصيدة ثانية نشرها في مجلة (اليوم السابع) التي كانت تصدر في باريس وتصل لنا.. وكان موته- محمد- عراقي التفاصيل. لقد اختزل صديقه الشاعر(فوزي كريم) هذا الموت بمقالة له سمعتها مرات متعددة لأنها كانت تذاع في اذاعات المعارضة العراقية السرية، كان عنوانها (محمد طالب محمد... الهروب من الموت الى الموت)، ذهب محمد طالب محمد الى الجزائر واستوطن هناك، وأسس عائلة وأولاداً وفي الهجمة الهمجية التي قادها الفكر السلفي الارهابي المتوحش القادم من الكهوف الاولى لما قبل الحياة الانسانية، تم إصدار فتاوى، وماأكثر الفتاوى التي صدرت او التي ستصدر. فتاوى تمنع التعليم والتدريس، وخاصة الدراسة المختلطة، الفتاوى السلفية التي صدر مايشا بهها في العراق, بعد تحريره من نظام القتلة ، ما الذي يفعله العراقي (محمد طالب محمد) التنويري عاشق الحياة المدنية والرقي الانساني، هل ينحني للارهاب..؟، لم ينحنِ، لقد تفعل وفعّلَ موقف الطلاب وحثهم على الدوام متحديا فتاوي الظلام كما يفعل العراقيون الان، وأفشل بحرصه وممارسته هذه الفتاوى. في اليوم الاول خاف الناس، لكنه كان اول الذاهبين الى المدرسة ، وكسر هذه الفتاوى، وكان محمد طالب محمد واقفا في ذلك اليوم في باب المدرسة كما نُقل الينا، وحاور الارهابي السلفي التكفيري، العراقي محمد طالب محمد في الجزائر بالطريقة التي يحاور فيها الارهاب العراقيون اليوم، فاخترقت رصاصة جمجمة محمد وسال دمه في باب المدرسة، كما يسيل دم العراقيين آلآن، وللعلم روى صديقه الدكتور"عبد الأله الصائغ" ذلك ولكن بتفاصيل مختلفة بعض الشئ؛ لقد تقطع قلب محمد طالب محمد على البصرة في الحرب الاولى، فكتب قصائد عنها وأسجّل حقيقة الوفاء والاعتزاز من قبل الشاعر حسين عبد اللطيف لمحمد طالب محمد، فقد كان حسين رئيسا لأتحاد الأدباء بالبصرة، و أقام له جلسة استذكارية تأبينية صباحية في عام 1996 في المقر "الموحوسم آلآن" ونوّه ان محمد قد غادر العراق لأسباب خاصة، وأقيمت الجلسة وساهم فيها مجموعة من الادباء والشعراء اصدقاء محمد ,وكانت في حينها جرأة كبيرة, ومنهم الاستاذ عبد العزيز عسير بقصيدة عن محمد طالب وملذاته اليومية، وخاصة في لعب البليارد، وساهم جميل الشبيبي، وقرأ حسين عبد اللطيف مقاطع من قصيدة محمد طالب محمد( سفر الخروج) عن البصرة في حرب الخليج الثانية ايام القصف الامريكي، التي تحدث فيها عن بعض امكنة البصرة القديمة ومنها، سوق (القطانة) و سوق (العقيل) و (جسر الغربان) ومقهى (هاتف) ثم انتقل الى (الداكير) وتساءل عن مقهى (حبش) ان موت محمد على يد الارهاب وفي الجزائر لهي الشهادة الحقيقية في ان العراقي وإن لن ينجو من الارهاب والارهابيين الا انه قادر على تحديه وتحديهم كما يفعل الان.
* ألا تعتقد بأن طبع منجز الشاعر المرحوم محمد طالب محمد هو بمثابة بعثه من جديد..؟ وبهذا الصدد ما الذي تقترحه، وبخاصة على وزارة الثقافة واتحاد الأدباء في البصرة وبغداد..؟
-ـ انت قلت بأن محمد طالب محمد، مجهول وهذا حق، فعلاً مجهول، فقد طبع ديوانه، الاول (التسول في ارتفاع النهار) على نفقته الخاصة عام 1974 بعد عودته من الجزائر، ولم يساهم في المهرجانات الثقافية لأسباب معروفة. استعيد هنا ما قاله اخي وصديقي الشاعر (عبدالكريم كاصد) في مقدمته الرائعة لديوان (الاجنبي الجميل) للراحل ( مصطفى عبد الله) واستطيع ان استبدل اسم (مصطفى عبدالله) بإسماء الراحلين ومنهم (جبار العطية، ومحمد طالب محمد، وجليل المياح، وفالح الطائي، وذياب كزار-ابو سرحان- وعزيزالسماوي ومصطفى عبود- ابو النور- وخليل المعا ضيدي وقاسم محمد حمزة وحميد ناصر الجيلاوي .. وآخرين).. كتب اخي الشاعر (عبدالكريم كاصد) في مقدمته لديوان الفقيد مصطفى عبد الله-: ((لسنا نحييّ الموتى ولا شاعرنا بالميت وما نحتاجه هو التفكير لا من اجل فائدته هو فقد ذهب وبقي شعره، لكن من اجل فائدتنا نحن الذين شغلتنا الاحداث والاحتفاء بأنفسنا عن تأمل انفسنا وتذكر ما غاب منا ومما يزيد المهمة صعوبة ان شعرا يحتفي بالناس قد ينصرف عنه الناس، في زحمة مشاغلهم والاكتفاء بما توفر لهم من ثقافة النجوم في سماء ما هي الا بقعة ضئيلة من سماء اوسع وقد يقترب من هذا مصير شعراء كبار من تاريخنا الشعري، ندر من يتذكرهم بدراسة جادة في السنوات الاخيرة بعد ان صار النسيان هو القاعدة والذاكرة هي الاستثناء))...الذين غابوا ياصديقي من صفوة الانتلجنسيا العراقية كثيرون والمصائب والمصاعب التي تواجهنا حاليا أكثر. المؤسسة الثقافية العراقية ان كانت ملكا للدولة العراقية، لا نطالبها بإقامة مهرجانات وتماثيل ولا نريد في العراق قبورا جديدة.. فلدينا من القبور ما لا يوجد في أي ارض اخرى.. ما نطلبه هو جمع ماخلفوه من كتابات متنوعة و طباعتها طباعة لائقة لغرض التعرف على نتاجاتهم والحفاظ على ارثهم الابداعي - الثقافي ليكون في متناول الاجيال القادمة ولتحتفظ الذاكرة العراقية لهم بمكان متميز بدلا من النسيان الذي سيطبق عليهم وعلى ماتركوه .. هذا مطلبنا وهو مطلب ليس صعبا على بلد يعتبر من اغنى بلدان العالم بثرواته التي بُددت سابقا .. وتُهدر الان بشكل ربما اكثر سؤا مماسبق .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشر الحوار والمختارات من قصائد الشاعر ضمن الملف الذي بادر الاستاذ (خالد السلطان)رئيس تحرير جريدة (الاخبار) الاسبوعية لأعداده ونشره بعددها 83 وساهم فيه عدد من الأدباء والكتاب في البصرة
*مختارات من قصائد محمد طالب محمد
(1)
لمّا تهبُّ رياحُ الشتاء الأسيفهْ
نضيعُ.. نضيع..
ولا غير ذكرى تراءى عليها المساءْ
حكاية وجدٍ
وبسمة عُمْرٍ، سرى في حنين المواقد والجبهةُ المتْعَبَهْ
وثمَّةَ دارٌ تطوفُ بأفنائها وحشةٌ مُترِبَهْ
ولا غير ذكرى أسيفهْ..
وقبضةِ ريحٍ ، تلوَّى عليها الشتاء.
(2)
هنالك كُنَّا نعي؛ أنْ يجوعَ الصغارْ
وتنقرَ أبوابَنا الجنُّ.. (ياللوجوم الرهيبْ!)
ويحمله النسر، عبرَ البحار.. وعبر الجبالْ..
إلى الوادي..
تحتشدُ الجنُّ في الظُلماتْ،..
وتنقر أبوابَنا.. وينامُ الصغارْ
وفوق المعابرِ تهربُ ريحُ الشتاء،..
تخلّفُ في الظلمةِ الخوفَ.. (تنقرُ أبوابنا).
* * *
تركتُ الشبابيكَ مفتوحةً،
تبيتُ بها الريحُ تُعْوِلُ، تحملُ صوتَ السعالي
ستقتلني..
وتراخيتُ فوق سريري
وكان عويلاً حزيناً.. وبَرْدا
وفي السحر المستفيق،
رأيتُ رفاقي يسيرون نحو الحقول، (وقد كنت حيا)
(3)
لأختي قبرٌ تمرُّ عليه الفصولُ، ويرقدُ في ظلِّ نخلهْ
تآكلَ تحتَ الهبوبِ، وأَطْفَلَ فوق ثراهُ النهارْ..
نهاراً، وأَطفلَ ليلٌ، وفصلٌ.. وعامْ..
وكنتْ أؤمُّ المقابر تحت ردائي أسى
وفي مقلتيَّ ضياعٌ صغيرْ.
وكانت لأختي ضفيرهْ..
.. ترشُّ عليها العطورَ، وكانت صغيرة..
* * *
ومن بيتنا امتدّ دربٌ عتيقْ
ترشُّ عليه النخيلُ ندى وظلالا
يؤوب ابي منه، يحمل عبءَ النهار،
وظلاً تطاول خلفَهْ،
وشوقاً كبيرا.
وفي البيت تطربُ أصواتُنا، وتعانقُ كفَّهْ
وحين اروح إلى غرفتي، أرقبُ الدربَ يشحبُ تحت الظلام؛
كئيباً أراهُ، كئيبا.
(4)
تكونُ رياحاً بلادي..
إذا اهتزَّ أيلولْ تحت الخريف الحزينْ
وظلّت مزاهرنا يستحمُّ عليها الغبارْ
تكون رياحاً، وننأى
نرود المقاهيَ في سُدَفِ الصمت، شيئاً وضيعاً
وليست لنا مدنٌ للهروبْ.
سيرة
كان يسير على هيأة غابة
محتفلاً بالشمس وبالميلاد وبالعقم
لم توهنه أسفار .. كان على هيأة غابة
يستوقد في الاشتاء كثيراً من اعوامه
ويطل على النهر يصيد السمك صغاراً في سلة
أبصرني في ليلة صيف أتنزه في بابي
وتقاطعنا يوماً في درب الحياة ومضى
----------
ذو وجه أصحر يقبع في حلم داكن،
عن أرض تولد في الشفق الغربي
بظاهر بيته
وتغص بأعشاب وحشية
ذو وجه لا يمكن أن يبصر يوماً ..
إلا في سوق مظلمة يبتاع الخبز
او خلف وجوه الناس يصلي في المسجد
ويرود غمار الحزن، بعيداً في أرجاء رؤاه
عيناه عبور في يوم موحش
لموانئ تعتو منها ريح نكباء
تتفجر من جوف الظلمات
أبصرني وتحدثنا عن موت الاعشاب
أعطاني فلساً مثقوباً وكتاباً
عن حُرَف الناس، وعن غرب ينمو
حول ينابيع الماء بأرض لا أعرفها
---------
حين رأى أمتعتي تخترق الشارع
أطلق عينيه الجامحتين فأمسكني
قال أذهب في هذا الدرب
واسر لي الاسرار الكبرى
لكني لم أر وادي المغربي المغبرّ
ولم أره بعد
ولا...
صوتَ... لادارَ...لا أسفا
غائباً في الظلام الفسيح.
ميناء منسي
أنت البدوي،
الهارب من صحرائك ..
لو لعنت كل بقاع الدنيا،
تبقى صحراؤك طاهرة ..
وقديماً،
طردوك ..
فلم تبك الصحراء ..
لانك بدوي ..
ولأن الكلأ المتروك بلا رعي،
أصبح بدوياً آخر،
يأتي ويروح، ..
وانت سجين،
في طرق بائسة،
نائية عن صحرائك!

*عن الاسفار والحزن
1- تاريخ
منزرعاً في الأوجه، أخشى الطرقات
جئنا من بلد مملوء ناساً،
لأبي وجه حجري وله صوت جائع
يتحدث عن أشياء لم يرها، كالنسل وبابل
أو يلهج بالاوراد، ويطلب ماءً
شارك في صد الهجمات عن الانحاء القصوى في
البلد
وتمنى أن يلحق من فرّ لبيته
* * *
يعمل مثل عباد الله
حطاباً يقتنص الاغصان، ولا يفتأ يمتدح
الاثل
وعلى عينيه كلال سنين، أمضاها في بلد
مملوء ناساً
وكما تنمو الاعشاب .. رأوني ألعب في الباب
وعصفنا في الارض أكلنا التفاح المجدور
ورأينا بعض ينابيع الكبريت
جلبنا أزهاراً شوكية
أشبه رأس غزال .. بعناها في التجوال
- للغرباء عيون ضائعة - بتنا في الغابات
تمردنا في المنعطفات .. وجئنا
- معنا رجل ذو منسأة ضيعناه بسوق
كاد يجف على طرق الصحراء
وبنينا بيتاً ومراحاً سيجناه بأغصان الأثل
هي ذي أمي تملأ ثوباً فضفاضاً وتدب مع الديكه
وتريني بعض الحصباء
لم أحزن إلا أني كنت وحيداً
قصياً في بعض الاعوام، فلا وجهاً حجرياً تلفيه
أو يملأ ثوباً
2- حزن في الطريق
ألغيت حضوري في الزحمة - في الساحات اليقظى
حيث العابر لا يعرفه الناس
والاضواء تفيض على الطرق الغبراء
وانا في غمرة أشواقي أقضي،
في ضعة الصوت اللاغب يجتاز الليل
يناجي ارجاء الحلم الميت
وانا لم تعرفني حين تلاقينا سحراً
والقرية غنت لبهائك .. طاف النور
في داري طاف على المعبر والاشجار
ونأيت ولم تعرفني .. يا للمجد
يوجد في قارعة الدرب بناء فاره
وشجيرات تنمو وتموت مع الصيف بقربه
يستوقفني ما أن أذهب ليلاً للمقهى
شباكان وباب أخضر
وأناس يمضون بعيداً في اعماق المدن
قيل: وليّ أعيته (عصا التسيار) فألقاها، وهموم الناس
واستشهد عن وجد وحنين لله
تصلي ريح البحر
عليه كل مساء
وحصى الارض
لكني .. داهمت رحيل الناس، وضعت، في أوجههم
في أنحاء الارض
لست أنا أول من يبست عيناه من الاسفار



#جاسم_العايف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوهام النخبة وصمت العامة
- ((جناحان من ذهب)) للقاص (احمد ابراهيم السعد)
- -على جناح ليلكة-..الأشعار الأخيرة ل-أطوار بهجت-
- (البار الامريكي ) مجموعة قصصية جديدة للقاص العراقي -وارد بدر ...
- المتقاعدون وقانونهم الجديد
- شاعر الظل الراحل يرثي شاعراً رحل قبله ومختارات من اشعاره
- المسرح العربي والتأصيل
- الشاعر مصطفى عبد الله-الأجنبي الجميل- بين القصة والاوبريت*
- بشِأن قرار تقسيم العراق الى دويلات..!؟
- تلك المدينة..( الفيصلية) -2-
- تلك المدينة..(الفيصلية*) -1-
- شؤون العراقيين ووطنهم وشكاواهم
- الفنان التشكيليّ -هاشم تايه-:أعي أن جزءاً من خصوصيّة أيّ عمل ...
- واقع الحقوق والحريات في العراق خلال عام 2006
- مباحثات بغداد آلان او في المستقبل
- الكاتب -جاسم العايف--: سنبقى نلتفت للماضي بغضب..واشمئزاز من ...
- استذكار حزين ل-:يوم الصحفيين العراقيين
- ملاحظات لابد منها حول.. مهرجان المربد الرابع
- جولة نائب الرئيس الأمريكي في المنطقة ورسالته غير المشفرة
- -قاسم عبد الأمير عجام--:.. بعيدا عن الرثاء


المزيد.....




- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم العايف - الشاعر(محمد طالب محمد) الهروب من الموت الى الموت *