أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - صائب خليل - أغنية الخوف















المزيد.....

أغنية الخوف


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 2181 - 2008 / 2 / 4 - 11:23
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


ترددت اصداء الطبول في الغابة الشاسعة قادمة من شمالها القصي حيث تعيش تلك القبيلة المنعزلة وحيث تكثر الفواكه وأيضاً الوحوش والثعابين. لاتخطئ الأذن ذلك الإيقاع الممزوج بالرهبة ، والذي يعلن بدأ احتفالات "عيد الخوف". عيد يقام كل سنتين لتمجيد اله "الخوف والشجاعة"، اكثر الآلهة قدسية للقبيلة ولإنتخاب زعيم القبيلة الجديد للسنتين المقبلتين.
في ساحة احتفال القبيلة كانت طقوس عيد الخوف واصواته المميزة تملأ المكان: على دق الطبول المستمر، كان طبيب القبيلة – الساحر – يجلس عند اقدام تمثال اله الخوف - الذي يتوسط الساحة وله وجه قط نصفه مخيف ونصفه يكاد يغفو، ويتكفل الساحر بالراغبين في سحب عيونهم الى الجانبين بعملية تجعلهم اقرب الى الشكل الصيني، حيث يعتقد هؤلاء ان عيون البشر كانت في الجانبين قبل ان يصيبهم اله الرعب بلعنته التي جعلتهم خائفين وعنيفين، واهم من ذلك حرمتهم رؤية الأخطار التي لاتكون امامهم مباشرة وافقدتهم القدرة على متابعة اكثر من خطر واحد في الوقت نفسه وصارت الأخطار "المتحايلة" قادرة على تصويب انظارهم الوحيدة بعيداً عنها. كان الطبال يضع هذا كله في اغنية قديمة:

أغنية الخوف

قديماً كانت عيون البشر،
وجميع الحيوانات
على جوانب رأسها...
لتراقب الخطر من جانبين..
فالخطر لا يأتي وحيداً ابداً..
وجاء الرعب ليلة..فاصاب حيوانات ونجت اخرى..
اصاب الإنسان والقط وحيوانات اخر..
ومن الطيور اصاب البوم
من اصابه الرعب، زحفت عيناه الى وجهه
وهربت حكمته إلا القط، فقد امسك بذيلها
من اصابه الرعب، صار عنيفاً
ينشر الرعب حوله..
يا اله الخوف
لتشفنا من رعبنا وعنفنا...
أعد الينا حكمتنا ونظرة الود الى جفوننا
أعد لنا عيوننا المتوازنة،
لنكتشف سراط الشجاعة الدقيق بين خطرين

***

في النهار ينشغل الطبيب الساحر وفريق من مساعديه في ورشة "تعديل المخاوف المنحرفة" وهنا يتم فحص المتقدم الذي يشكك في سلامة شجاعته لإكتشاف ان كان يخاف اكثر او اقل مما يجب من اي من الأمور.
تتم اجراءات الفحص بان يطلب الطبيب من المتقدم ان يتكلم عن امر ما، ثم تطفأ الشموع ويقوم المساعدون بتقليد اصوات مختلف "الأخطار": الكلاب الوحشية، القطط الكبيرة، الثعابين، التماسيح، ورجل يمثل محارب عدو، القردة، وايضاً الحشرات والحيوانات الضخمة وكذلك أصوات النساء والرجال.
وبينما يستمر الشخص بالكلام يسجل رجل قرب الطبيب ملاحظاته بغصن يابس على الأرض، حتى إذا انتهى العرض كان لدى الرجل تقرير مفصل عن كل تشوه في مخاوفه.
وعلى اثر الفحص يتكفل مساعدي الطبيب بإجراءات لإعادة خوف المتقدم الى قيمته الصحيحة فيعدل خوفه الزائد او تهوره في موضوع انحرافه فإن كان يخشى شيئاً اكثر من اللازم، حرص القائمون على تقريبه منه اكثر من مرة وتبيان محدودية خطره, وان كان متهوراً امامه، حرص الطبيب ان يجعله يتسبب له بالألم مرات عديدة ايضاً، فإن كان الموضوع حيواناً جعله يعضه او يخدشه وان قرر الطبيب ان الرجل متهور امام النساء اجبروه على تلقي اهانات مؤلمة من ثلاث نساء على التوالي، وهكذا..
يسلم "المريض" بعد ذلك قائمة بما مطلوب منه عمله خلال السنتين القادمتين ويعين له شخص يراقب انجازه ويمنعه من التراجع او المبالغة لتجنب الإنحراف الى الجهة المعاكسه.
بجانب هذه الخيمة، هناك ايضاً خيمة خاصة لفحص الأطفال وتصحيح مخاوفهم ويعين لهم مرشدون من اطفال اكبر منهم سناً ممن يعتبرون من الأكثر توازناً في القبيلة وهي منزلة مشرفة يفخر بها هؤلاء وتعدهم للسباق على مركز قائد القبيلة في السنوات التالية، ويتم الفحص فيها بنفس الطريقة بشكل اساسي..ويستمر الغناء على ايقاع الطبول...
أغنية الغزال

الذئب والتعب
فكين لخطر مزدوج
الذئب والتعب
يحاصران الغزال
الذئب يدفع الغزال إلى التعب
والتعب يدفع الغزال الى الذئب
الذئب يراه الجميع
لكن الغزال الشجاع وحده
يبقى يراقب فك التعب ايضاً
الغزال الشجاع وحده
يجد الطريق الضيق بينهما
الغزال الشجاع وحده
يعيش طويلاً


مع غروب الشمس بدأت احتفالات "سراط الشجاعة", وهي قمة العيد واثارته القصوى. على انغام الطبول والإغاني يتم اعداد صفين متقابلين من الحيوانات المفترسة المربوطة جيداً بأوتاد متعددة لتحديد حركتها حيث سيتقدم المتسابقين على زعامة القبيلة بالمرور بينهما. يبدأ الأطفال المساء بالمرور في المنطقة السهلة نسبياً بين الكلاب المفترسة والفهود والثعابين السامة وجميعها مربوطة جيداً. يصحب الأطفال الصغار مرشديهم الأكبر سناً، اما الأطفال الأكبر قليلاً فيسير كل طفل خلف قط يتقدمه ويرشده الى الطريق الدقيق الأمين، حيث تعتقد القبيلة ان القط دقيق جداً في تقدير مسافة الخطر. ثم يبدأ الشباب الصغار استعراضهم في منطقة اكثر صعوبة ومع وحوش اكثر خطراً، لكنها تتم بالكثير من المرح وضحك الفتيان والفتيات.
وأخيراً تبدأ الرقصات واغاني تمجد الخوف والشجاعة وتعلم الشباب الخوف السليم، ثم يسحب الأطفال للنوم بعيداً عن الإحتفال حيث يخشى على سلامة شجاعتهم من مشاهد مرعبة قد يتسبب بها اي خطأ للمتسابقين. يعاد فحص حبال الحيوانات ومسافات وصولها للتأكد ويعلن الساحر بدأ احتفال انتخاب زعيم المقبيلة فيتقدم خمسة من الشباب سيفوز احدهم في نهاية المساء اما الأربعة الباقون فسوف يموت اغلبهم وقد ينسحب بعضهم في منتصف الطريق...وتتحمس الحيوانات هي الأخرى واغلبها قد مر بالتجربة واستأنسها وازداد بها وحشية، فتدور الذئاب حول نفسها بانتظار المتسابقين بينما تتقافز الفهود والنمور وتصرخ وتزأر....يتقدم اول المتسابقين ليخترق المجاميع الأولى من الفهود والثعابين والذئاب بسهولة وحين يقترب من الغوريلاً يهيج هذا ويثور ويستفز النمر الجالس مقابله في الصف حيث ينهض هذا وهو يشد الحبل بقوة هائلة في كل مرة يحاول فيها القفز على القرد، الذي هدأ في هذه الأثناء وجلس بيعداً يتظاهر بالهدوء بخبث. وحين مر المتسابق الأول وجد نمراً هائجاً مرعباً من اليسار وغوريلا هادئة تمضغ الأغصان في اليمين فانحرف نحو الأخير قليلا، فإذا بالغوريلاً يقفز عليه كلمح البرق ويمزقه ارباً....

صرخت القبيلة صرخة واحدة وهم يرون ابنهم الشجاع يتقطع تحت اسنان ومخالب الغوريلاً، لكنهم لم يتدخلوا....فتلك من طقوس الإحتفال وشروطه...وعادت الطبول التي صمتت وجيزة كأنها الدهر، لتعزف من جديد وعادت الحناجر الى أغنياتها تشجع بقية المتسابقين على الإستمرار في الإحتفال وتشرح حكمة الخوف المتزن الشجاع:

أغنية سراط الشجاعة

من اسرف في الأمان من الشمال
تهور دون ان يدري..على اليمين..
لاتحسب كثير الأمان حكيماً

وإن رأيت متهوراً على اليمين،
فابحث عن قلقه في الشمال
لاتحسب المتهور شجاعاً

لاتبق طويلاً في امان
فتصدأ شجاعتك،
ولا تتعرض للكثير من الخطر
فتستهلك شجاعتك

للشجاعة فضل ردع الدوار
عن العيون المحدقة بالأخطار
لتجد السراط بينها
سراط الشجاعة الحكيم

لا تحتقر الخوف
لاتدفعه بعيداً عنك..
الخوف صديق

إعتن بمخاوفك وعد اليها...
زنها وتأكد ان احداً لم يسرقها..
مخاوفك الموزونة تعويذات غالية
فلتوزع تعاويذك بإعتناء
على ابواب الخطر
كما توزع قطرات الماء الأخيرة
على خطوات المسافر في الصحراء
ما الشجاعة إلا التوزيع الأمثل للخوف
يقودك للسراط الدقيق
سراط الشجاعة الحكيم



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلبجة وغيرها...تحدثوا لنا ولا تتعبوا...نريد ان نعرف لغتكم..
- عندما تقود الخيوط الى الإتجاه غير المناسب لتفسير الإرهاب: مص ...
- لماذا كانت جريمة قتل مبدر الدليمي -شديدة الغرابة-؟
- الإتفاقية الأمريكية العراقية: وزير الخارجية وقضية لاتجد سوى ...
- مرة ثانية يبدأ التأريخ من جديد على الفلسطينيين وسيبقى يبدأ م ...
- الخلط بين مقاييس نجاح -التجربة- و -تطبيق النظرية- – مناقشات ...
- وثائق سرية:أميركا فكرت باحتلال حقول النفط عام 73، فكيف مع قو ...
- إعلان النوايا: العراق وقصة الفصل السابع
- تصميم مقترح لشعار وعلم العراق
- الإحساس بالدونية في منطق شاكر النابلسي واسلوبه
- اخيراً، همسات انتصارات قادمة لشعب العراق....
- من لم يكن منكم صداماً فليرم المالكي بحجر
- اصوات اليوم واصوات الأمس
- حول نقل التجربة بين مجتمعات مختلفة: مناقشات يسارية مع د.كاظم ...
- شروط نفي النظرية - مشاركة حوار اليسار كاظم حبيب – سيار الجمي ...
- إكشفوا اين اختفت المنحة النفطية الكويتية للأردن قبل توقيع ال ...
- العراق والأردن - ديون غريبة ومفاوضات مريبة
- العلاقة المخجلة للحكومة العراقية بالحكومة الأردنية
- الجزية السرية 1- العجائب السبعة للعلاقة العراقية الأردنية
- السجن بمناسبة شهر ذي الحجة


المزيد.....




- مشتبه به بقتل فتاة يجتاز اختبار الكذب بقضية باردة.. والحمض ا ...
- في ظل استمرار الحرب والحصار، الشتاء يضاعف معاناة نازحي غزة و ...
- قصف إسرائيلي عنيف يزلزل الضاحية الجنوبية لبيروت
- صدمة في رومانيا.. مؤيد لروسيا ومنتقد للناتو يتصدر الانتخابات ...
- البيت الابيض: لا تطور يمكن الحديث عنه في اتصالات وقف النار ب ...
- نائب رئيس البرلمان اللبناني: لا توجد عقبات جدية تحول دون بدء ...
- استخدمت -القرود- للتعبير عن السود.. حملة توعوية تثير جدلا في ...
- -بيروت تقابلها تل أبيب-.. مغردون يتفاعلون مع معادلة حزب الله ...
- مشاهد للجيش الإسرائيلي تظهر ضراوة القتال مع المقاومة بجباليا ...
- ماذا وراء المعارك الضارية في الخيام بين حزب الله وإسرائيل؟


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - صائب خليل - أغنية الخوف