أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الأسدي - تعالوا إلى الطفولة العراقية في غينس














المزيد.....


تعالوا إلى الطفولة العراقية في غينس


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 2179 - 2008 / 2 / 2 - 10:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في لوحة عالمية كلاسيكية عالمية ظهر إبراهيم الخليل أبو البشرية الثالث كما يسجل ذلك في كتب التاريخ الديني، الرسول العراقي الرحالة من أور الذي جاب الوطن العربي من العراق إلى مصر وفلسطين ثم وصولا إلى الجزيرة العربية من اجل البحث عن الحقيقة الإلهية وحدها؛ فبدا الشيخ الجليل وهو يمسك سكينا باشطة بيده اليمنى وقد تلّ ولده المستسلم لقدره، إسماعيل، إلى أسفل لذبحه قربانا للرب ولرؤية رآها في منامه. كانت اللوحة خلاصة كاملة لقصة بدء البشرية بالبحث عن الحقيقة الآتية من الرؤى.
ولم تكن تلك الحادثة عابرة في الموروث الديني القديم، بل هي علامة مهمة على طريق البشرية من اجل الطفولة في كلّ أرجاء الأرض. يمكننا أن نرى رقبة إسماعيل وقد ركز الرسام اكبر كمية من الضوء عليها، فبدت لامعة أكثر من أية نقطة أخرى: مكان الذبح المفترض. كما أن النبي وضع على جسده رداء احمر قانيا منسرحا إلى أسفل ليذكر الرائي بكمية الدم الذي سيراق من اجل رؤيا؛ فأضفى على اللوحة أبعادا في الرغبة بإهراق ما يكفي من الدم الطفولي الصابر من اجل رضا الله. ستجدني إن شاء الله من الصابرين. فيذبح الولد من اجل رؤيا أبوية.
ثمة ما يكفي من الدروس والعبر الإنسانيتين في الحوادث المغرقة في القدم. وبدا المَلَك وهو طفل يشير بسبابته إلى الأعلى على أنه مبعوث عن الرب بعدم ذبح الطفولة حتى وإن كانت قربانا إلى الله تعالى. ثم يطل عن بعد في اللوحة كبش بقرنين كبيرين تعويضا عن حلم إبراهيم في ذبح ولده الذي أستسلم بطواعية لحلم أبيه وقراره. هذه اللوحة النابعة عن الحادثة تحمل في طياتها ما يكفي من معان لحماية الطفولة أينما كانت في العالم أيضا.
ومنذ تلك الحادثة التاريخية المروعة والعالم ينظر إلى الطفولة بعين مختلفة. لسنا مدعوين إلى تأمل جديد في تلك اللوحة الجميلة فقط. استيقظ الكاتب ووجد البشرية كلها تتناول من كيكة صفراء واحدة كبيرة لم يسجلها كتاب (غينس) للأرقام القياسية. ثم ماتت البشرية، كلها بعد أول لقمة دون أن تزدردها. كيكة من طراز خاص. كان أبو البشرية الثالث يبكي بصمت. والكيكة أمامه. رؤيا. أيضا.
لسنا مدعوين إلى حفلة عيد ميلاد جميلة لطفل مرّ على وجوده في العراق عاما كاملا، حيث يجلس الأهل وسط ضحكات الأطفال المرحبين بمرور عام على الحياة/ الكيك الآخر الملون، والمرطبات، والحب للطفولة البريئة التي لا تعرف الفرقة ولم تمتحن بالتعصب والاحتقان الطائفي والعنصري بكل أشكاله. حفلة أخرى تحدث وسط انطفاء دائم للسيد التيار الكهربي. نحن مدعوون إلى التحقق من دور الطفولة في حيواتنا. كان الفيلسوف ياسبرز – وهو رجل قد حضر المشهد المروع لصناعة كيكة صفراء مميتة أيضا- قد حدد بقوة: أن الحقائق المطلقة التي شغلت الفلاسفة بماهيتها وكينونتها ووضعت من اجلها الكتب الضخمة؛ إذا ما أراد الإنسان التعرف إليها فهي تكمن في عيون الأطفال البريئة وحدها, ومن أراد أن يراها عيانية موضوعية مشخصة وماثلة، وبدون أن يتعب رأسه لمراجعة كتب المنطق وعلم الكلام واللاهوت و(علم الجفر الأحمر والأبيض) و(علم التابوت) والنظرية النسبية ما عليه إلا التأمل في عيني طفل.. فقط.. جرّب ذلك من اجل التعرف على نفسك أولا؛ وسترى العالم على حقيقته مكورا ككون أعظم مصغرا في عيني طفل واحد رضيع. الأطفال يا سيدات ويا سادة وكما يرد في مواريثنا هم طيور الجنة وأحباب الله، الم تقرأ كيف كان يعامل الرسول محمد(ص) الطفولة في حفيديه الحسن والحسين (ع) حتى جعلهما يتعلقان به في الصلاة أيضا؟ الم يقل لذلك الرجل الذي أستهجن (الموقف): ما أفعل لك إذا كان قلبك من حجر؟ لذلك يحتفل العالم بعيد الطفولة من أقصاه إلى أقصاه ليذكر نفسه بالرؤية الإبراهيمية والمحمدية والياسبرزية.
لسنا هنا من اجل الطفولة المذبوحة في العراق منذ 1990 وحتى يومنا. هذه قصة أغفلها كتاب غينس للأرقام القياسية أيضا. وترجح الإحصاءات أن ما يقرب من مليون طفل عراقي قضى على أسرة المستشفيات للمدة 1990-2003 فكم مات من الأطفال بعد ذلك؟ ومن المسؤول عن سفك دمائهم البريئة؟ مذابح العصافير القائمة في كلّ لحظة. أخيرا اعتذرت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق لمهاجمتها الطفولة العراقية – شكرا متأخرة كثيرا!! - فجاء الاعتذار بليدا جدا ولا يصلح تقديمه. فما معنى أن تقدم اعتذارا عن قتل مليون طفل بريء؟ يا لها من مزحة غير سياسية ثقيلة. ربما ليس ثمة أهمية للطفولة العراقية في أجندة الساسة العتاة الكبار والساسة الشرق أوسطيين من مختلف المشارب.. ألا يعلم أي سياسي في العالم أنه يعمل من اجل الطفولة أولا؟ اجل من اجل الأجيال القادمة.. ومن تكون الأجيال القادمة غير الأطفال؟ إنها ألاعيب السياسات الشيطانية في التمويه طبعا. وهاهم يقدمون أقصى ما عندهم من حمى سوداء معادية للإنسانية فيهاجمون المدارس والبيوت الآمنة لترويع الطفولة. ماذا يعني أن يفجر انتحاري نفسه في مدرسة ابتدائية؟!!!! كلّ من أخاف طفلا سيبؤ بغضب الرب حتى إذا حدث ذلك في أفلام كارتون، فكيف بأولئك الذين يفعلون الشناعات على الأرض؟ وأولئك الذين يقدمون الإرهاب للطفولة أبشع المواقف؟ لا يملكون قلوبا نابضة أبدا؛ شقوا صدورهم ستجدون مكان القلب قطعة حجر أو فحم باردة. لا يمكن لأولئك أن يكونوا بشريين؟
نحن هنا من اجل كيك مصنع آخر. أصفر. مسموم. شيطاني. وفي حفلة أخرى ليس من اجل الطفولة. الكيك الأصفر هذا من اليورانيوم المطحون عالي التخصيب الذي يستخدم في صنع الأسلحة النووية. ليس اعتباطا بالطبع أن أطلق عليه (العلماء) هذا الاسم الغريب الذي يمكن أن تأكله البشرية أجمعها. هذه المرة لا يريدون أن تذبح الطفولة وحدها بل أن تذبح الأبوة والأمومة والأخوة والصداقة.. من خلال تناول هذا الكيك الأصفر الغريب الذي لم يرد في أي كتاب للطبخ أبدا؛ وورد في كتاب طبخ العالم وتدميره. نسي غينس صنع هذه الكيكة الطاردة للسلام والحلم الدائم به. هل يمكن أن يحل الوئام والحرية والأمن على الأرض يوما؟ هل يمكن أن تنعم الطفولة المعذبة بنوم هادئ؟ هذا هو حلمنا منذ أن تلّ إبراهيم ولده ليقدمه قربانا.



#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق وتركيا : من الخاسر في النهاية؟
- الستراتيجية الاميركية بعد سبتمبر 2007
- بكالوريا
- بندورا بغداد
- جَردة الموت (آمرلية ) هذه المرة
- نظرية الفوضى البناءة
- اليانكي
- الدب الروسي ورقصة العرضه
- تبغدد.. إلى هيلاري: متى تحكمنا نساؤنا؟
- الغاء الآخر.. نظرة في التاريخ القديم
- تقريربيكر هاملتون:محاولة نظر ناقصة
- الحرب على العراق مقدمة لحرب عالمية ثالثة؟
- القدامة العربية بين الديمومة وظاهرة التقليعة الفكرية
- حديث إلى كريم مروة والظاهرة العراقية
- الحروب ككولاج غير قابل للصق
- روزا باركس.. لا مكان لها في حدوس نوستر أداموس
- ماذا وراء إحياء اللغة اللاتينيةعالميا؟
- عمى أيديولوجي جديد
- علمني كيف اخدم بلادي..في السيرة العلمية والوطنية للعالم العر ...
- مهنة يصعب التقاعد عنها


المزيد.....




- السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات ...
- علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
- ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
- مصادر مثالية للبروتين النباتي
- هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل ...
- الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
- سوريا وغاز قطر
- الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع ...
- مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو ...
- مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض الأسدي - تعالوا إلى الطفولة العراقية في غينس