مهند الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 2180 - 2008 / 2 / 3 - 07:03
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
على هامش افكار علي الوردي
أن الأنسان يولد وقد ورث ميولا أو اندفاعات بهيمية غير مهذبة , فتوضع هذ الاندفاعات العارمة تحت تأثير القيم الحضارية والقيود الاجتماعية , حيث يبدا الطفل ساعيا في سبيل التوفيق بين ما يشتهي من حاجات آنية وبين ما يفرضه عليه المجتمع من اعتبارات وقيم تتصف بأخلاق معينة ذات ثوابت يحددها العرف الاجتماعي والدين .
وهذا في حقيقة الامر سيؤثر في سايكلوجية الفرد ويؤدي الى صراع متواصل بين قوتين متضادتين والمتمثلة :
1- قوة الرغبة الحيوانية التي لا تعرف معنى للحدود ولا لقيود تربطها بقيم موروثة .
2- قوة السيطرة على الرغبة الحيوانية باعتبارها قوة غاشمة بهيمية النزعة , ومحاولة سكبها في قوالب حضارية مقبولة أجتماعيا.
فالقوة الاولى لا تعير اهمية لاي عرف او منهج يحاول ان يحد من حريتها لان اصحاب هذه النزعة يؤمنون بان الانسان بالأساس قد ولد حرا ويرون ان المعايير الاجتماعية هي ضد الحرية الشخصية (( وليس بالضرورة ان يعتمدوا في بواطنهم على هذه الالية من التفكير ولكنها لا تختلف من حيث النتائج )) .
اما النوع الثاني فهم يمنهجون انفسهم ويضعونها في قالب المجتمع المحيط ولو كان على حسابهم فالمهم انهم يصبحوا اسوياء بنظر الاخرين وغير شاذين بعرف المجتمع .
وهنا يحضرني قول ليسيغموند فرويد :
((نزاع بين ذاتين - بين الذات السفلى والذات العليا - فمن الناس من ينجح في المصالحة والتوفيق بين الرغبتين فعندها يصبح الشخص انسانا سويا , ومنهم من يفشل فيصبح مجنونا أو مجرما أو منطويا على نفسه أو مستهترا أو معتديا حقودا )).
فهنا عبر فرويد وصراحة عن تفاوت القيم الأخلاقية تبعا للشخص نفسه من حيث موزانته للتأثيرات التي ذكرناها سالفا .. ولذلك أعتقد ان التحدث بالمطلق في الاخلاق هو شئ محال وربما من السخف ان نجزم به اذ لا يوجد هناك خير مطلق ولا شر مطلق وانما التأثيرات والظروف المحيطة بالفرد هي من تحدد نسبة هذا السلوك وايضا لا انسى مدى تقبله او رفضه لهذا القالب المجتمعي فهو عامل جدا مهم في تحديد اخلاق الفرد بالنسبه للمجتمع .
والملاحظ أن رجال الدين ورجال الفكر القديم أدركوا ان النفس الانسانية هي ميدانا لنزاع مريربين الخير والشر, فمن الجانب الديني (( بين هدى الله ونزغات الشيطان)) وبالمنظور الفلسفي البعيد عن اللاهوتية هو صراع (( بين وحي العقل وإندفاع العاطفة البشرية الغريزية )) .. اي بمعنى انهم أدركوا أن الشخصية البشرية هي مياله للوعظ والنقد , فالانسان بطبعه ناقص المعرفة يحتاج لمن يدله سواء السبيل .
ولكن الوعاظ ورجال المنطق القديم بدلا من ان يدرسوا حقيقة هذه النفس البشرية وظروف ولادة النزعات الايجابية والسلبية للأفراد بدراسة واقعية وموضوعية نراهم قد اتجهوا في المسار الخاطئ فاكتفوا بالموعظة والارشاد ونصح الناس بان يكونوا ذوي عقول راجحة وأن تكون أعمالهم خيرة , وبدون ان يكلفوا أنفسهم بالبحث عن الأسباب والتي تجعل الكثير من الناس ينجرفون مع تيارعواطفهم الغريزية أو بعبارة اخرى وبحسب رجال الدين : (متتبعين لأوامر الشيطان وتاركين أوامر الرحمن) .
نعم لقد أخفقوا في العثور على الحقيقة بما يخص الشخصية البشرية وهي في حقيقتها تتلخص (( وبعيدا عن الاسلوب الوعظي)) :
ان أوامر الله ما هي في حقيقتها إلا أوامر المجتمع وتقاليده ومثله وان هذه التقاليد والمثل لا يكاد يضعف سلطانها في النفس الانسانية حتى ترى الأنسان ينجرف وراء شهواته الحيوانية الفطرية متسارع الخطى ولائذا وراء عقله الحر الذي يرفض كل الثوابت التي هي من وجهة نظره ليسا اكثر من جمل سخيفة لا معنى لها .
فالمشكلة أذن هي مشكلة نزاع بين العقل والعاطفة وليست كما يعتقدون بان المثل والاخلاق في ثبات مطلق تصلح في كل ((زمكان)) لانهم تناسوا حقيقة التفكك والتكتل في النظام الاجتماعي ألذي يعبث فيه الانسان حسب ظروفه المجتمعية .
فأذا تفكك المجتمع نتيجة لقانون الحركة الديناميكية وأتصاله بغيره من المجتمعات الأخرى (مع تفاوت تركيبات هذه المجتمعات ) فانه بدوره سيضعف سلطان المثل العليا الموضوعة قديما مما يقلل بذلك من ايمان الأفراد بهذه القيم وإعتبارها غير مقبولة وتراهم ينساقون وبشكل طبيعي غير مشين (( باعتقادهم )) وراء ما يشتهون او بالاحرى يسيرون وراء حريتهم الشخصية وبعيدا عن الخطب والمواعظ السنية .
للأسف رجال الفكر القديم مازالوا يعتقدون أن الأنسان هو مخير وله كل الخيارات فيما يعمل والى ما ينساق وابعدوا الظروف ((التي هي لها القدرة المطلقة على تغييرهم اما سلبا او ايجابا وتبعا لهذه الظروف)) وكأن الفرد بنظرهم يستطيع أن يركب شخصيته ويضعها كما يشاء أو أن يصبها بالقالب الذي يرغب , فهو باعتقادهم أنه يجمع في نفسه جميع الخصال الحسنة ويزيل وبكل سهولة الخصال السيئة الغير مقبولة (( في عرفهم)) متى ما تقبل وعظهم اي بالتالي جعل الفرد ماكنه تفصل مابين الخير والشر ترمي الشر بعيدا وتبقي على الخير المطلق !! .
بهذا هم تصوروا (( مخطئين )) بان الشخصية البشرية هي عبارة عن قطعة من الصلصال يكيفها الانسان ويطوعها حسب ما يريد وتناسوا بأن هذه الشخصية تنشأ وتتنوع وتنضج حسب قواعد يصعب الحيد عنها وانها (الشخصية) تسير في بشكل طبيعي وحسب تفاعل الطبيعة والمجتمع , سواء أخطب الواعظون ام لم يخطبوا , نصح المفكرون أم لم ينصحوا , ذلك ان استقامة الشخصية لا تقاس بالمقاييس المنطقية المطلقة ألتي كان يتخيلها هؤلاء لأنها وببساطة كلها مقاييس نسبية , فمثلا أذا تربى انسان في مجتمع مثل المجتمعات الغربية وأغترف من قيم وسلوك هذا المجتمع فمن السخف والبلاهة أن تطلب منه ان يتصف بمفاهيم المجتمعات الشرقية والعكس بالعكس , فهذا الانسان من الصعب عليه أن يسمع ويتقبل الاصغاء لهذه المواعظ والتي يجدها مضحكة وأحيانا أفكارا ساذجة قياسا بواقعه ... فالمجتمعات بتفاوت مفاهيمها لها دور في تكوين الشخصية البشرية تحت ثوابت جديدة غير التي عرفها اصحاب الزمن السابق والمكان الاخر .
فلكل مجتمع له خصائص وثوابت وأخلاقيات تختلف جذريا عن المجتمعات الاخرى وحسب ميزان الحراك الفكري والتطور الحضاري .
واختم قولي :
الشخصية الأنسانية متنوعة وعلى أنماط شتى فأن هي كانت من نمط معين صعب عليها أن تكون من نمط أخر بمجرد سماعها لخطبة واعظ او حتى نهي رباني , وان كنا ننوي ان نعالج النفس البشرية واخلاقياتها يجب علينا اولا دراسة الظروف التي جعلت من هؤلاء البشر يتصفون بهكذا اخلاقيات .
فللأسف لم نتعود ان نحكم على الظروف او على سايكلوجية الفرد التي جعلت من الفرد سارقا او قاتلا لاننا تعودنا فقط على اقامة الحد الالهي والشرعي على رقبته وانزال اقصى العقوبات بحقه .
ختاما يفترض بان تعاد دراسة الشخصية على ثوابت جديدة بعيدا عن الفقه الوعظي النمطي الذي لم يحد (( عمليا)) من فساد الشخصية البشرية وان نحاول ولو لمرة واحدة ان نعتمد البراغماتية في دراسة مفهوم الشخصية البشرية .
#مهند_الحسيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟