آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 2175 - 2008 / 1 / 29 - 08:55
المحور:
الادب والفن
الجزء الأول
المصادفة البحتة أخذتنا إلى المطبعة.
ـ 1 ـ
قال الرجل من هيئة التحرير:
ـ مازلتَ صغيراً.
قلتُ:
ــ لكن. اعتقد إنه شيء رائع أن اكتب، على الأرجح سيكون وضع جريدتكم أفضل فيما إذا كتبت فيها...
ــ لكنكَ ما زلت صغيراً جداً.. حتى للعمل الصيفي.
مقرهيئة التحرير في مدينة رونبي.. الجمعة.. بدايات شهرحزيران.
مطرخفيف يتساقط رويداً رويدا. بعد إغلاق المدارس أبوابها، خرجنا من الكنيسة، رحنا نركض عائدون الى مدرسة إسبيدل.
عطلة الصيف بدأت.
ذهبت إلى الجريدة. كان بعض الصحفيون جالسين حول الطاولة يكتبون. جاء أحد مصوري الجريدة ورمى كاميرته من على كتفه على الكرسي التي بجوارالطاولة. قلت:
ـ أبحث عن عمل في جريدتكم.. أريد أن أعمل! دعني أجلس وراء طاولة الكومبيوتر واكتب لك شيئا جميلاً عن الشباب. أريدك أن ترى إنني قادرعلى ذلك.
ـ كررالمحررأقواله:
ـ ما زلتَ صغيراً.
ـ لكن عمري أثنتا عشرة عاماً.
ومضى المحرر يقص أوراق الجريدة بمقص كبير. قال:
ـ عد مرة أخرى.
ـ سأعود في الصيف القادم؟ قلت ذلك باستهزاء وأطرقت الباب خلفي وخرجت!
ـ انتظرمدة أطول.. قال ذلك عقب خروجي. وأردف:
ـ تعال بعد خمس ، ست سنوات.
عندما خرجت من المطبعة, كان المطرقد بدأ يهطل مرة أخرى ببرود. كانت الدموع تترقرق من عيني وتسيل على وجهي ممتزجة مع قطرات المطرالحنونة. بين الحين والآخرأجفف وجهي.. من الدمع.. من المطرحتى أستطيع أن أرى الطريق.
ـ 2 ـ
ـ ما زلتَ صغيرًا.. ما زلت صغيرًا، رحت أقولها بهمس وحرقة.
جلسنا معاً في غرفتي. قلتُ:
ـ أريد الحصول على عمل.. أريد الحصول على عمل في العطلة الصيفية. هل تفهمون! قلتها لهم مرات كثيرة. تدخلت إيزابيل من الزاوية القريبة منه وقالت:
ـ وأنا أيضا أريد أن أعمل, إنني بحاجة للمال. استفز السؤال كاترينا لتقول:
ـ أنا أيضا أريد الحصول على العمل في الصيف، ومضت تسرد ما يعتمل في فؤادها:
ـ أريد العمل كمديرة فنية في الفرقة الموسيقية للروك، أستطيع أن أسجل / C.D/ للفرقة، وأرتب أوضاعها لأستقبال مهرجانات الروك الكبيرة, في رونبي.. مدينتا.. فوق منطقة قواقع المحار الخلفي.
آه.. ماذا أقول. إنني محتارة. هنا لا يملك المرء نقوداً! آه.. آه لو كان لدي نقوداً...
لم أكن أرغب أن تلتقي عيني بعينيها. كاترين لديها أحلام كثيرة.. كثيرة كالغيوم, كالنجوم التي تجوب السماء. أحلامها الكبيرة, في الواقع صغيرة وبسيطة للغاية.
آه.. أريد أن أقول.. قصدي البعض يحالفه الحظ ، يعمل بشكل طبيعي وعادي في الجريدة. لو أن الزمن أعطاني فرصتي لكتبت تحقيقات صحفية. أعرف الكثير من الشباب، أكتب عنهم, عن مشاكلهم كما لدي القدرة على كتابة قصص قصيرة وصغيرة تتناول وضعهم بشكل مفرح ومسر.
على سبيل المثال، يمكنني أن اكتب عن ذلك الرجل الذي أسمه هانس, بائع السجق في الساحة. الجميع في المدينة يعرفونه. في صباح كل يوم أثنين تتحول حياته إلى جحيم نتيجة شجارات السكارى وأقياءهم. دائماً يأخذون الكثيرمن الكاتشب مما يدفع هانس للركض وراءهم في نوبة غضب عارمة مترافقة مع صراخه الذي يملئ المكان. في لحظة ثورانه وأنفعاله الشديد ودون شعوريركل السطل المملوء بالكاتشب بقدمه مما يؤدي إلى تطايره في كل ساحة المدينة. علاوة على ذلك, فإن غطاء السطل الطائر في الهواء عليه بقايا الكاتشب المعلق به يتطايرعلى رؤوس الناس وثيابهم وفوق شوارع رونبي. تخيلوا معي، بركة من أثنتا عشرة ليتراً من الكاتشب.. تغطي الوجوه والمحلات التجارية.
بالرغم من هذا, فإن الناس ترغب وتريد أن تقرأ المزيد حول الموضوع في الجرائد. على أي حال، إذا كنتم تعرفون هانس، تستطيعون أن تأخذوا معه صورة تذكارية لكم.
يوران.. فنان. هذا الفنان المبدع لديه القدرة على رسم لوحة لكم فوق بقع الكاتشب. يوران فنان رائع في التقاط الصورواللوحات الساخرة. نفر يوران ووقف على قدميه في لحظة غضب:
ـ ليس لدي وقتاً.
ـ لماذا.. لماذا يا يوران.
ـ هل تدرون.. الحقيقة ليس لدي الوقت من أجل العمل في هذاالصيف.
ـ ماذا.. لماذا؟ رحت أتساءل بأستغراب.
ـ إنني مشغول جداً هذا الصيف. سأعتني بكلب جدي, سأخذه إلى الغابة في كل صباح. نعم، الكلب، اقصد الذئب.
ـ ماذا؟
يوران ينظرإليهم بفوقية وتعال وعلى ملامح وجه أبتسامة رضا وسرور. وراح يقول:
جدي لأمي لديه كلب. قال لي:
ـ يا ولدي, أصبحتُ عجوزاً، لم أعد أستطيع الأعتناء به، خذه وربيه، أنه ضخم وخطير. في الحقيقة إنه ذئب.
فجأة. وعلى حين غرة، راح أخي الصغير ماكس يغرق في الضحك حتى وقع على الأرض مغشياً عليه. كان ماكس يقرأ طوال الوقت. يقرأ ويضحك.. يضحك ويقرأ.. يقرأ ويضحك. يقرأ في قصة " البطة كالي". وعندما يعجز عن متابعة القراءة كان ينظر إلى اللوحات والصورالموجودة في الكتاب فيغرق المكان بالضحك.
لكن بعد لحظات طويلة توقف عن القراءة ليحكي موضوع القصة. تبين إن الموضوع شيء مختلف تماماً.
ـ آه.. يا لها من قصة سخيفة, لا أريد أن أسمع المزيد عنها. هنا تدخلت إيزابيل وقالت بصرامة وجلف:
ـ هل لك أن تسكت أيها الصغير! نحن جالسون نتحدث في مواضيع حساسة ومهمة للغاية.
ــ العمل. ومضى يوران حديثه يتكلم بتباه:
ـ في الحقيقة إنه ذئب. ومضى يوران يحاول تقديم وجهة نظره بصورة مقنعة.
ماكس الصغيركان يضحك لوحده بصوت عالي.
ـ 3 ـ
بعد أيام من جلوسنا في بيت يوران.
بدأ هذا الصيف سيئاً. لم تكن لدينا حيلة إلا الجلوس، ثم الجلوس. من خلال النافذة المفتوحة نراقب قطرات المطرالمنهمرة.
الكلب الضخم وضع رأسه على ركبتي. مغمض العينين, يتنفس بتثاقل. أقتربت منه, ربت على فروته الرمادية الخشنة. قلت:
ـ في الحقيقة يشبه الذئب, إنه ذئب, لكن خدوده كانت جميلة وناعمة.
الكلب يتنفس بتثاقل، نائماً نوماً خفيفاً على ركبة يوران. بينما كاترينا تنظر إليهما. قال:
ـ يجب أن لا تخاف منه.. إنه لطيف جداً, لا يؤذي.
ـ لست خائفة منه.
ـ يجب أن تأخذي الامور بجدية، إنه ذئب، تذكري ذلك. لكن. فيما لو هجم عليك، لن يبقى لديك الوقت الكافي للبحث عن حذائك. لهذا يجب أن تأخذي حذرك.
ـ ماذا يسمى هذا الكلب في هذه الحالة، تسألت كاترينا.
ـ الذئب، أجاب يوران.
ـ ماذا كان أسمه سابقا، عندما كان عند جدك؟
ـ بوف. ثم راح يضع يده على فمه في إشارة لأن تصمت.
ـ هل يعقل أن يسمى ذئباً بأسم بوف. وقالت:
ـ من كلب خانع, ضعيف إلى ذئب؟
وقف يوران مرتبكاً ثم راح يصرخ بصوت عالي:
ـ ذئب.. ذئب.. إنه ذئب.
طوال هذا الوقت كان الكلب نائما عند أقدامهم، مرتاحاً مطمئناً. بعد الصراخ والضجيج العالي مضى الذئب مرحلة أخرى.. راح يشخرأيضاً.
بدأ يوران خائب الأمل ومضى يعض على شفتيه ويمصهم.
ـ من الصعب أن يربى الذئب....
ـ اعتقد أن هذا الكلب عادي جداً وتافه، قالت كاترينا.
ـ هس! قلت ذلك وأشرت عليها بأيماءة أن لا تزعج يوران.
تظاهر يوران كما لو إنه لم يسمع.
في هذه الأثناء قرع جرس الباب. أستيقظ الكلب وبدأ يعوي.
ـ المساعدة.. المساعدة! راح يوران يصرخ ويشير إلى أعلى عنقه بطريقة تمثيليه.. كأنه يريد التأكيد على الكلب خطير ويؤذي.
الكلب تركه ومضى ينبح.
عانقته وهمست في أذنه الكبيرة المكسوة بالشعر:
ـ "بوف". عندئذ صمت، ما عدا دمدمة خافته ترتد كصدى من أمام إلى خلف بطنه.
يبدو أن إيزابيل قادمة.
ـ قالت: لقد رتبت الامور.
خرّ الكلب على الأرض وراح يلحس الأرجل.
ـ احذري.. أحذري! قال يوران: فيما لو كان عندك جرح قديم، أنت تعرفين في هذه الحالة.. الذئب يستمتع بمذاق الدم، عندئذ لا يعرف المرماذا سيحدث. أجلسي.. أجلسي.
إيزابيل .. لم تبال بما قال.
دون أمرمن يوران، استمر الكلب في لحس رجل إيزابيل.
ـ لقد رتبت مسألة حصولنا على العمل، قالت ايزابيل:
ـ أختي الكبيرة مانويل، كانت في مركز تدريب التلاميذ في " بلينكا كرافيسكا "، المطبعة. أصحابها في إجازة يوم الأثنين. إذا لديكم الرغبة في تنظيفها سيدفعون لنا مقابل عملنا ثلاثمائة كرونة. نحن الأربعة نستطيع القيام بذلك، تقريباً، كل واحد منا سيحصل على مئة كرون.
ـ تنظيف مطبعة؟
ـ ولما لا ، نستطيع القيام بذلك، ردت كاترينا.
ـ فقط خمسة وسبعون كرون للواحد. قال يوران. وأضاف:
ـ الأن علينا جميعاً البدء. نبدأ بتاريخ المطبعة التي أسمها " بلينكا كرافيسكا ".
هذا بالنسبة لي وليوران وكاترينا وايزابيل، أما بالنسبة لأخي الصغير ماكس الذي سيسمى على طول الخط باسم الرجل الصغير. أما الكلب المسمى الذئب أو بوف أوالذئب مرة أخرى
رواية للأطفال للكاتب
السويدي أولف نيلسون
يتبع ـ
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟