|
جورج العظيم .. جورج الحكيم
خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 2175 - 2008 / 1 / 29 - 11:02
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
لم التقي به شخصيا.. لكني كنت التقي معه في الرؤيا على أمور أكثر بكثير مما كنت اختلف معه.. وكان يشدني إليه دوما إحساس داخلي قوي، بأنه مثال القائد الثوري الصادق المخلص الصلب العنيد، الأمر الذي جعلني أكن له كل الاحترام، واعتبره في مقدمة الرجال والقادة العظام.. ورغم أنني انتمي لحزب يساري آخر-- هو حزب الشعب الفلسطيني-- إلا أنني كنت أرى في هذا الرجل ومنذ طفولتي مشعلا احمرا وهاجا، رديفا لمشعلي الأحمر الوهاج، وسندا قويا لنا نحن اليسار في مسيرة النضال الوطني والاجتماعي.. وكنت دوما-- وهكذا تربيت-- احترم كل من يستحق الاحترام بأفعاله قبل أقواله، واضع يدي في يد كل من تتجه بوصلته بوضوح إلى الوطن والى العدالة الاجتماعية، وبيد من يمتلك نفس الأسس والمبادئ الفكرية التي امتلكها.. وكان الرفيق الحكيم في مقدمة أولئك العظماء، الذين أعطوا لليسار زخما ثوريا وحضورا جماهيريا، في مراحل عدة من تاريخ شعبنا. والراحل حبش رجل لم يختلف اثنان من الشعب الفلسطيني، على انه قد وضع بصمات ناصعة جلية على تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة، وانه ظل حتى وفاته مخلصا للمبادئ التي امن بها.. ومع انتقاله في أوائل سبعينيات من القرن الماضي-- من معسكر الفكر القومي إلى معسكر الفكر الماركسي اللينيني-- اكتملت شخصية هذا الرجل أكثر، وأصبح ثائرا وطنيا وامميا، وخصوصا عندما اكتشف عمق الروابط التي تربط أعداء الشعب الوطنيين والطبقيين على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية-- وبالتالي امن بضرورة ترابط جبهات النضال الوطنية بالطبقية، وبأهمية ترسيخ التحالف على مستوى العالم بين كل أعداء الامبريالية والصهيونية وحلفائهم المحليين.. والحكيم لم يعرف أبدا المساومة في حياته، وتميز بالعناد والصلابة، انطلاقا من فهمه الواضح لمعسكر الأعداء، وإيمانه الراسخ بان التراجع-- ومهما كان بسيطا-- سيقود إلى الهزيمة والانهيار، ولم يتسلل الإحباط إلى عزيمته، رغم ما مرت به حركة التحرر الفلسطينية من مآزق وأزمات، وما تعرضت له من مجازر ومؤامرات، وظل مؤمنا بالوحدة الوطنية، الأمر الذي جعله لا يقطع الخيوط أبدا مع مؤسسات منظمة التحرير، وكان سرعان ما يعود إلى هذه المؤسسات، لقناعته بان لا بيت للجبهة الشعبية إلا بيت منظمة التحرير-- ممثلا شرعيا وحيدا للشعب-- رغم كل المآخذ التي كانت له وللآخرين عليها. وعظمة هذا الرجل الثوري تنبع من العديد من الصفات الشخصية والعملية التي اتصف بها.. فهو أولا اللاجئ ابن مدينة اللد العريقة-- التي يوصف أبناءها بشكل متميز بالعناد والصلابة-- وهكذا كان الرفيق حبش.. عنيدا صلبا يستبسل بالدفاع عما يراه صائبا، ويتفجر غضبا تجاه أي مساس بالثوابت، وبالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، ولذلك لم تلن له قناة في مواجهة كل الضغوط، ولم يضعف أبدا أمام كل المغريات والحلول المشبوهة، لأنه كان يعرف أن عاقبتها وخيمة، وأنها ستحرف مسيرة الكفاح، ومن ثم ستقضي عليها.. وكانت له هيبة ساحقة في قلوب كل أعدائه وأعداء قضيته، جعلت اسمه موضوعا دوما على قائمة المطلوبين والإرهابيين-- ليس لدى إسرائيل وحدها-- بل ولدى الأنظمة العربية المختلفة، وكل أجهزة مخابرات العالم، وكان الجميع يحسبون له ألف حساب.. كان عظيما في صفاته الإنسانية وفي تواضعه، بالمقارنة مع غيره من القيادات، فقد كان يعيش حياة بسيطة غير معقدة، ويسير في تنقلاته بلا مرافقين، ويصل إلى أعماق الأحياء الشعبية، والى جوف المخيمات، ليزور الناس ويتعرف على أحوالهم، ومازال الناس يذكرون عيادته الطبية-- عند جسر الحمام في شارع طلال بمدينة عمان-- كيف كانت تلك العيادة تعج طوال الوقت بالفقراء، الذين اعتادوا القدوم من شتى المناطق إلى الدكتور، ليتلقوا العلاج على يديه مجانا.. وما زال البعض في منطقة جنين أيضا يذكر الحكيم في أوائل سنوات الخمسينات، عندما كان يتنقل مع الحرس الوطني-- الذي شكلته الحكومة الأردنية-- وحينها كانت وظيفة الدكتور حبش إجراء الكشف على المجندين الجدد، محمسا إياهم للانضمام إلى هذا الحرس، اعتقادا منه بان هذا الحرس سيتحمل فور إتمام تشكيله وتدريبه، مسئولياته الوطنية في تحرير فلسطين.. وتميز الراحل بالنزاهة الفائقة، فلم يذكر عنه البذخ والإسراف، ولا تبذير الأموال أو الترف، وكان أمينا حقا، إذ لم يستطع أي من خصومه إيجاد ثغرة ولو واحدة عليه، ليتهموه بالفساد ويشوهوا صورته أمام الجماهير.. وقد أعطى الحكيم لشعبه ولحركته الوطنية مأثرة خالدة كبيرة تسجل له وحده-- لم يسبقه إليها احد من القادة الفلسطينيين أو العرب، ولم يفعلها احد من بعده-- إلا وهي إقدامه طوعا على التنازل عن الأمانة العامة للجبهة الشعبية، تنظيمه الذي أسسه ورعاه، وأصر على التنحي عن مقعد القيادة، ولم يستجب أبدا لدعوات معظم قادة وكوادر جبهته، الذين طالبوه بصدق بالاستمرار في موقع القيادة... لقد خسر الشعب الفلسطيني برحيل الحكيم حبش قائدا هماما قل مثله الرجال.. لكن شعبنا الفلسطيني-- وكما قال راحلنا العظيم نفسه-- ليس أبدا بعاقر، وحتما ستلد نساء فلسطين دوما قادة وحكماء وثوريين جدد، يواصلون قيادة شعبهم في مسيرة الكفاح الطويلة، ليحققوا كل ما كان يتمناه الحكيم، وناضل من اجله رفاقه القادة والشهداء العظام.
مخيم الفارعة 27/1/2008
#خالد_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لأجلك يا غزة اقتادوني إلى المخفر
-
شعارات لمسيرات ضد الحصار والعدوان على غزة
-
يا سادتي اغضبوا ولو مرّة
-
على بوابة الأغوار
-
دعوة لعمل تطوعي في رام الله لتطهيرها من آثار بوش
-
فلسطينية تتحدى الجدار
-
ليس منا من يحبك يا بوش
-
عن النساء والتنمية والتوفير والتسليف
-
الانطلاقة تستوجب الاستفاقة
-
عندما يكون المسئول حاضرا
-
اعيادنا مصبوغة بدمائنا
-
الاعتداء على وليد العوض عمل جبان يكشف ظلامية الجهة التي تقف
...
-
منطق اعوج ونهج عقيم
-
ابو مازن وليس عبد ربه
-
حفاظا على الثوابت وتعزيزا للوحدة والصمود
-
الفقير للفقير ولو كان على الحصير
-
كي لا تسقط اوراق التوت
-
ابو مازن يغامر الى حد كبير بوحدة ما تبقى من جبهته الداخلية
-
خنازير المستوطنين تهدد حياة الفلسطينيين
-
من حكايا القمع في بلادنا
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|