أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي الانباري - الماء والخضراء والوجه الحسن














المزيد.....

الماء والخضراء والوجه الحسن


علي الانباري

الحوار المتمدن-العدد: 2173 - 2008 / 1 / 27 - 09:04
المحور: الادب والفن
    


ثلاثة اشياء تبهجني في هذه الحياة أكثر من غيرها، فاذا ما رأيتها اهتز قلبي طرباً، واتسعت روحي، ألا وهي الماء والخضراء والوجه الحسن، فالماء يمثل لي لغزاً حرت منذ الصبا في حل طلاسمه، فيوم كنت صغيراً طالما ذهبت مع اصدقائي الى النهر، لأقف مذهولاً امام هذا الكم الهائل من المياه مسائلاً نفسي، من اين تأتي؟ والى اين تذهب؟ لماذا لا يتبخر هذا الماء على مر العصور، فيذهب في الفضاء؟ وحتى بعد معرفة كل هذه الامور بعد البلوغ والتعلم ، بقي الماء سراً عجيباً أقف مشدوهاً امامه.

كنت في الصف الرابع الابتدائي، فشرح لنا المعلم دورة الماء في الطبيعة وكيف تكون البداية بتحول الماء الى بخار يتكاثف مكوناً الغيوم التي يتساقط منها المطر، بعد الرجوع من المدرسة، ذهبت الى جدي باسطاً بين يديه معلوماتي الجديدة، فما كان منه الا ان صفعني صفعة احالت النهار في عيني ليلاً وهو يصرخ: أخرج أيها الكافر اين هو عمل ميكائيل الذي يصب الماء من السماء، لكنها المدارس التي افسدتكم وجدي هو نفسه الذي نزل شتماً على أخي الاصغر الذي أخبره بعد حادثتي بسنتين بأن الارض كرة تدور في الفضاء حول الشمس وطلب من والدي ان يمنعنا عن الذهاب الى المدرسة لكن ابي كان اكثر حكمه فلم يوافق.

لقد جعلني حبي للماء شفافاً، أجد لذة عظيمة معه فاذا ما اغتسلت اقف تحت (الدوش) مبتهجاً صادحاً بالغناء فالماء يملأ مسامات روحي بلذة غامرة لاسيما إذا كان رذاذاً مما خلق لدي عادة غريبة هي السير تحت السماء الماطرة حتى في أقسى الظروف الجوية بسعادة غامرة متخيلاً السماء تشدني اليها بخيوطها الفضية ، ولايغيب عن ذاكرتي حينها قول السياب (أتعلمين أي حزن يبعث المطر) لست ادري لماذا يغادرني الحزن ساعة هطول المطر؟

ألكوني عاشقاً للماء مذ صار الفرات جاري الذي نبتت طفولتي على ضفافه، وسقى بذرتها بسلسبيله العذب مع الماء أرى في الخضرة قدسية لا متناهية، حين افتح عيني صباحاً اطل على حديقة بيتي الصغيرة مستأنساً بالاخضرار، متفقداً كل نبتة، شاعراً بالالم ان رأيت احدى الأوراق مصفرة او ذابلة، وكان جزءاً من روحي يذوي، حديقتي مملكتي اقضي معها الساعات، مزيلاً الأدغال عن نبتة الباقلاء، جالباً السماد الى الارض، هاجمته بضراوة مهلكاً جيشه الغازي او طارداً إياه الى ما وراء حدود مملكتي الحبيبة، ويوم هاجمت العصافير حديقتي ، نصبت لها فزاعات تخيفها، فالجمال في عرفي مقدس لا يجوز لمن هب ودب ان يعيث به فساداً، ولو دافع كل واحدٍ منا عما يحب لما استطاع اللصوص والمتطاولون ان يسرقوا جمال الحياة.

لقد اطلق الناس قديماً على العراق اسم (أرض السواد) لشدة الخضرة في ارضه، فلكل شبر منها مسرح للجمال، فاذا ما لامس ماء الفرات او دجلة ثرى الرافدين أزهرت الأرض وانبتت بذورها نخيلاً باسقاتٍ، وسنابل تملأ احلام الجياع أملاً، إن الخضرة في هذه الارض جعلت القلوب مرهفة لذلك بزغ الاف الشعراء وتغنوا على أديم العراق مسبحين باسم الياسمين والجلنار، واصفين الطل الذي يداعب بصفائه البلوري خدود الورد والذي يقرأ الشعر العباسي يرى ان الطبيعة وروعتها تشكل مادة هائلة للشعر.

وحين طغى الرماد على الخضرة ، يا ترى من قتل نسغ الارض واجهضها، فبدلاً من الحدائق الغناء، أقامت المزابل ابراجها وحل محل الشذا رائحة الدخان المنبعث من حرائق اشعلها زبانية الموت، ومن اجل هذا كله، سانادي الاخضر الموسوم بالعافية والطمأنينة .

أيكتمل الماء مع الخضرة ام يبحثان عن الثالوث الذي لا بد منه للاكتمال؟ لن يتما إلا بوجود الوجه الحسن، وهذا يتمثل بامراة فاتنة، لا مناص من حضورها، والا اصبح المشهد ناقصاً، وان من لا يهتز امام الفتنة شاذ التكوين، واذكر انني في طفولتي، قبل البلوغ الحسي كنت أذهب مع والدتي الى بيت جارتنا الجميلة جداً لا للعب مع اطفالها، إنما للنظر الى وجهها الذي يصيبني مرآه بالخدر، ويوم قبلتني هذه المراة قبلة الامومة، أصبح الجمال في كياني مرهفاًُ اتغنى به فيملأني غبطة، واحترم الحياة من اجله، فانأى عن القبيح من الاشياء، لذلك انا عاشق للماء والخضرة، للموسيقى والغناء للشعر والفن كارهُ للحروب والقتل، للبكاء والنحيب للتزمت والجمود وحين أقرأ قصيدة او قصة حين اشاهد لوحة او اسمع اغنية اتخيل امامي في هذه المخلوقات ثلاثة اشياء ، هي الماء والخضرة، ووجه امراة حسن الملامح، عندها اتوحد ان وجدت ما أبحث عنه، او انبذ ما أمامي إذا ما رأيت الجفاف والاصفرار والقبح، لان قانوني الذي سننته لنفسي هو ان ابقى اسير ثلاثة أشياء الماء والخضراء والوجه الحسن.



#علي_الانباري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرضت فشفاني الجواهري
- زوجتي ارهابية من طراز خاص
- حكاية سحرية
- سيارة ابي سموكن
- ليلة القدر_ 2_
- ليلة القدر_ 1_
- غدا تسقط الاقنعة
- سماء الياقوت
- قصائد اغفلها الرواة
- المرأة في العراق..حياة رخيصة وموت رخيص
- المنبوذ
- بلاد العجائب
- ماذا يحمله عام2008
- انا الصب الذي غنى
- حكاية خرافية
- لن اقول وداعا
- وطن الغنى..وطن المآسي
- عتاب الى اعضاء مجلس النواب
- من كالعراق؟
- رسالة حب الى امرأة


المزيد.....




- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...
- تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي الانباري - الماء والخضراء والوجه الحسن