|
فينومينولوجيا منخري عزة الدوري وهادي العامري
مثنى حميد مجيد
الحوار المتمدن-العدد: 2172 - 2008 / 1 / 26 - 03:05
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعرف رسامو البورتريت أن الإمساك بأنف الشخص هو مفتاح البورتريت الجيد له.حقا أن لسعة أو حيز العينين بالنسبة للمساحة العامة للوجه أهمية كبيرة أضافة إلى مكونات ومحلامح الشخص الأخرى كالحنك والشفين والجبين والصدغين ، وتعاريج الوجه والخدين والأذنين ، والرقبة والشعر ، لكن تبقى للأنف أولوية في دقة الصورة المرسومة وقربها في الشبه مع الشخص المرسوم أو قدرتها على خلق الوهم بذلك في مخيلة المشاهد إلى درجة يمكن القول بثقة ، وإستنادآ إلى خبرة واسعة لكاتب هذه السطور ولسنين طويلة في إحتراف رسم البورتريت لكل الشعب العراقي ومن على رصيف الباب الشرقي ، أن أي تقصير من قبل الرسام في دقة تخطيط أو إجادة رسم الأنف تنعكس سلبآ على كل البورتريت وشكله الفني النهائي والعكس بالعكس.ويؤكد العلماء أن العين الإنسانية تركز على نقطة واحدة عند تطلعها إلى مشهد أو صورة ما وربما لهذا السبب يتمتع الأنف بهذه المكانة المتميزة نظرآ لتوسطه الوجه. في الأدب ، يمكن إعتبار غوغول ، الروائي الروسي الكبير ، أول من أكد على الأهمية السوسيولوجية والدرامية للأنف البشري في روايته الشهيرة ـ الأنف ـ حيث رصد المصير المأساوي لموظف من الدرجة المتوسطة يفقد أنفه وهو في عز طموحه للإرتقاء في السلم الوظيفي والإجتماعي ليصاب بالإحباط والعوق التام ، أجل ، الأنف ببساطة ، هذا العضو الصغير ، يهجر صاحبه بكل الهزل الذي يخلقه الروائي تاركآ إياه في مرارة الحيرة من أمر نفسه ومشاريعه الحياتية البيروقراطية الطموحة إذ ماذا يفعل شخص مثله فقد أنفه ؟ فكان غوغول بذلك أول روائي يرسم بمهارة المتمكن في فن الرواية مؤكدآ على الأهمية الفينومينولوجية والسوسيولوجية والجمالية للأنف. هذا التمهيد في فن البورتريت والرواية لا أقوله هذرآ أو بلا معنى حين أقارن فينومينولوجيآ ، أي وفق المنهج الظاهراتي في علم الجمال والفلسفة ، بين شخصيتي عزة الدوري وهادي العامري بل لكي ألفت نظر القاريء الكريم إلى أهمية التشابه الخلقي ، بفتح الخاء ، بين أنفيهما ، أو لنقل منخريهما للتأكيد والتشديد ، كمدخل لدراسة تلك الشخصيتين اللتين كانتا ومازالتا تمتلكان دورآ بينآ وإستقطابيآ و تأثيرآ كبيرآ في الفسيفساء الدموية للساحة السياسية العراقية. ولمعرفتي أن بعض القراء الكرام قد لا تستهويهم هذه المقارنة وفق المنهج الفينومينولوجي وربما أعتبروا هذا الإسهاب من قبلي عن الأنف عامة ، ومنخري عزة الدوري وهادي العامري خاصة ، دليلآ على ضعف الأسس التي أستند إليها ، لذلك سأدخل في صلب هذه الدراسة مباشرة ، أي فيما هو سياسي وملموس بشكل مباشر ومكشوف تحت الشمس فأقول. أولآ.كلاهما ، عزة وهادي كانا يؤديان مهمة إجرامية واحدة على طرفي جبهة حرب قادسية صدام.الأول كان يقود فرق الإعدام لمطاردة الهاربين من الجنود والجيش الشعبي لتصفيتهم جماعيآ بالإعدام الفوري مما يدفع الأخرين من الهاربين المحظوظين الذين لم يقعوا بقبضة تلك الفرق إلى العودة إلى جبهة القتال.أما الثاني فقد كان يستقبل الأسرى للتحقيق والتعذيب والقتل عند الضرورة إضافة إلى تجنيد بعضهم من التوابين للتطوع في فيلقه والعودة إلى جبهة القتال.وليتصور القاريء دقة التشابه والتطابق في الوظيفة ، المهمة التي قام الإثنان بتأديتها.الدوري يحقق ويقتل ويدفع ثانية الفارين إلى القتال والعامري يحقق ويقتل ويعيد تجنيد المأسورين إلى القتال.تطابق %100 وليس أقل. ثانيآ.كلاهما أشرف على تنظيم إنتخابات حققت فوزآ ساحقآ لمرؤوسيهما ، الدوري بإشرافه على إستفتاء إعادة إنتخاب صدام وفق البطاقة التموينية وترهيبآ بالقيادة الفذة و بالموت ومغادرة الحياة الدنيا والعامري أيضآ وفق البطاقة التموينية وإبتزاز الفتاوى من القيادة الدينية والترهيب بالميليشيات وبجهنم الحياة الأخرى.إذن التركيز في حالة الدوري على الحرمان من البطاقة التموينية وإنتهاءآ بسراديب التعذيب وبالتالي الحرمان من الحياة الدنيا. أما في حالة العامري فقد تم التركيز الميليشياوي الترهيبي على جهنم ، بلا مداخلات أو مغريات دنيوية ، وبتالي الحرمان من جنة الحياة الاخرى.وقد فاز الإثنان فوزآ عظيمآ وحققا نجاحآ ساحقآ أفرح القيادة البعثية سابقآ والإئتلافية حاليآ.وعليه يمكن القول أن التطابق يبلغ %100 في جانبيه التعاشقي والتنافري على السواء. ثالثآ.كلاهما إكتفى وبتواضع ونكران ذات بمرتبة دنيا ، الدوري كنائب لرئيس مجلس قيادة الثورة والعامري كنائب لرئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ، الإسلامي حاليآ.وقد أعطى الله الصحة ومتانة الجسم لصدام وسلبهما من عزة الدوري العليل أبد الدهر في حين منحهما للعامري وحرم قائده منهما.لاحظ عزيزي القاريء هذا التنافر التعاشقي وضرورة تبني المنهج الجدلي وليس الصوري عند إجراء المقارنة فتعقيدات فسيفساء اللوحة السياسية لا تختلف كثيرآ عن تعقيدات اللوحة التشكيلية الحديثة. رابعآ.كلاهما يخضعان وينحنيان لشابين أكثر نفوذآ ومكانة منهما.الدوري للمتهور عدي وأخيه الأصغر المتعقل والرزين قصي ، والعامري للمتهور مقتدى والأصغر سنآ منه المتعقل والمتوازن واللبق عمار. هذا التباين الفينومينولوجي في اللحم والدم وسحنة الوجه ولون الشعر بين الدوري والعامري يجب أن لا يحول دون تتبع الجوانب المستترة الخلفية لوجودهما السياسي وقيمتهما الإستاتيكية المتناظرة والمركزية في رسم اللوحة العامة المتحركة جدليآ لمجرى الحياة في العراق.ومن هنا تبرز أهمية أنفيهما ، منخريهما كقاسم مشترك وأولي ورابط فينومينولوجي للشخصيتين ، ولا ننسى اللون الرمادي الفاتح لعينيهما شبه المنغوليتن والمائلتين للضيق بالنسبة لسعة الوجه لكليهما ، أضافة إلى أمور أخرى معقدة تجمعهما كضعف موهبة القيادة ومركب الشعور بالضعة ومحاولة تغطية ذلك بالمزحة وإضفاء سمة التواضع والعفوية في تصرفاتهما وخاصة عند الظهور أمام الكاميرات وفي الشاشة الصغيرة.وعمومآ هناك الكثير من القيم التشكيلية المشتركة في ملامح وجهيهما بالذات لا تخفى عن النظرة المستبصرة والمتمعنة فيهما ، شكل الفك والتشابه البين في وضع الشارب على الذقن بالتناظر مع الأنف مما نلفت إليه إنتباة القاري الكريم غير المتخصص في أمور الفن التشكيلي. ولعل أغرب ما في هذه المقارنة الفينومينولوجية وأكثرها سخرية ومغزى أن عزة الدوري الأشقر يتظلل بمظلة العروبة السمراء أما الأملح العامري فيتظلل بالمظلة الأعجمية الشقراء في الغالب ، الأمر الذي يدفعنا مباشرة إلى القول ـ ولله في خلقه شؤون ـ . وحاضرآ ، نقل الإثنان غرفة عملياتهما في السفك المجاني لدماء العراقيين من الجبهة الشرقية للقادسية إلى الجبهة الداخلية ، وكما يتحصن الدوري بوادي حمرين ومكحول مصفيآ خصومه ومسخرآ القاعدة لتقتيل أهالي ديالى والموصل وباقي المدن الشمالية ، كذلك العامري يتحصن ب ـ وادي ـ النجف مسخرآ ميليشياته والحرس الثوري لتصفية المعارضين للقيادة من أبناء الناصرية والبصرة وباقي المدن الجنوبية. وهنا نطرح هذا التساؤل ـ من كان يتصور أن القيادة التاريخية الفذة للبعث سينتهي بها المال لتختزل بشخص المسخرة ، سابقآ ، عزة الدوري ؟ ألا يدفعنا هذا للإستنتاج ، ولكن بمزيد من الحذر من مكر التاريخ ، إلى أن مال القيادة التاريخية الحالية للإئتلاف سيستقر بشكل ما في شخص هادي العامري ؟ وحتى يأتي ذلك الزمن علينا أن نمعن التفكير. ـ ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ـ .الأنفال.من الاية 30. إنه زمن النكرات والمسوخ الدموية يا شعبي العراقي الحبيب ، ياأبناء دجلة والفرات ، فكونوا حذرين .
#مثنى_حميد_مجيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ينبغي للحقيقة أن تعتمر العمامة ؟
-
ضرورة الميزان في الرد على وفاء سلطان
-
عن الدور التخريبي لوفاء سلطان في الوسط العلماني واليساري
-
عن الام المسيح وهرمجدون بوش والدكتورة وفاء سلطان
-
إعتذار للأخ صائب خليل على إنتقادي لمقارنته وفاء سلطان بعدنان
...
-
نشيد حزقيل قوجمان
-
باقة ورد ، ومقترحات ، وأعتذار للحوار المتمدن
-
رسالة إلى صديق حافي
-
الأصالة والبساطة في معرض الفنانة فائزة عدنان دبش
-
الى متى يتحكم السرسرية بمصير الشعب العراقي
-
حكاية الحمار والعلم
-
الشاعرة السويدية كارين بويا ، قصائد مترجمة
-
فضيلة الشيخ ستار جبار حلو رئيس طائفة الصابئة المندائيين في ا
...
-
شهداؤنا هم رموزنا ، عن الشهيد سامي عبد الجادر
-
كلام جميل وحلو لكنه كاذب يافضيلة الشيخ حلو
-
رحيم الغالبي وديناميت اللحن الختامي
-
سيداتي سادتي في قناة العراقية الفضائية
-
من بيلينسكي الى بيرجينسكي ، حذار من طبعة شيطانية لمعطف غوغول
...
-
مداحو المالكي وأشباهه عار على الثقافة العراقية
-
الكلاب تشرب الشاي
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|