تبلور الاصطفاف الوطني والطبقي الجماهيري في العراق

سعاد خيري

الحوار المتمدن-العدد: 2166 - 2008 / 1 / 20 - 11:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تمر الشعوب بمنعطفات تاريخية كبرى اما ان تنقلها بفضل نضالها وتضحياتها، الى مرحلة تاريخية وحضارية متقدمة تستثير كل ما في تراثها من مفاخر وامجاد وتنير لها السبيل لتسخير كل ما حققته البشرية من انجازات لتطوير حياتها والمساهمة في تطوير البشرية . واما ان تعيدها قرون الى الوراء نتيجة لوقوعها فريسة لاعداء البشرية الذين يعملون بكل جهد لاحكام سدل الظلام على ذاكرة وامجاد الشعوب ويغرقوها بهم البقاء على قيد الحياة ويشلون وعيها بالرعب ويضللوها بالاوهام. وتجاوزت شعوب العالم ولاسيما شعبنا الكثير من هذه المنعطفات واستطاع شعبنا تجاوزها وقدم عبر تاريخه للبشرية منجزات حضارية ودروس وعبر.
ان اخطر واصعب المنعطفات التي مر بها شعبنا هو الاحتلال الامريكي للعراق في عام 2003 ، ليس لانه جاء بعد اعداد مسبق نهض به اسوأ نظام دكتاتوري عرفته البشرية ولفترة تزيد عن ثلاث عقود من الارهاب والتجهيل والتضليل وتمزيق الصفوف ، بل للطابع الاجرامي المعادي للبشرية الذي بلغته الامبريالية الامريكية : القطب الاكبر للعولمة الراسمالية المحتضرة. فهي تجد في العراق بثرواته النفطية الهائلة وموقعه الاستراتيجي ضمانا لهيمنتها على العالم ومنطلقا لحماية مواقعها واتساعها. وهي لذلك سخرت وتسخر كل ما في جعبتها من وسائل واساليب حديثة وقديمة في تركيع الشعوب لتركيع شعبنا.
ورغم كل ذلك انطلقت مقاومة شعبنا لقوات الاحتلال منذ اليوم الاول . واشترك في المقاومة جنود بسطاء ممن ارهقهم النظام الدكتاتوري بحروبه العدوانية خدمة لمخططات الامريكية ، دفاعا عن الوطن، الى جانب قادة عسكريين دافعوا عن نظام حكمهم. ورغم كل وسائل الابادة التي استخدمتها قوات الاحتلال لافناء المقاومة المسلحة ولاسيما ما استخدمته من اسلحة الابادة الجماعية المحرمة دوليا، في معركة المطار فان المقاومة المسلحة لقوات الاحتلال مستمرة حتى اليوم بل وهي في تطور مستمر يشذبها من العناصر الارهابية ومن اتباع النظام الدكتاتوري الذين يسيؤن الى سمعة المقاومة بما يقترفونه من جرائم بحق الشعب وبما يظهرونه من استعداد للتفاوض والمساومة مع المحتلين. ويتطور وعيها باهمية التفاعل مع الحركة الجماهيرية وكسب تاييدها ودعمها .
ان استمرار بل وتصاعد وسائل واساليب قوات الاحتلال لتركيع شعبنا التي لم تشهد لها البشرية مثيلا، اربع سنوات فجرت مكامن سليقته الثورية فلم يعد للصبر وقوة التحمل من متسع. ولم يعد الموت شيئا مخيفا بل ومنقذا من عذابات الحياة المتنوعة التي تحيط به من كل جانب . فانطلقت الجماهير الى الشوارع متحدية الموت لتنعم بلحظة من الحرية . وانطلق معها الوعي الوطني الذي تعززه يوميا جرائم قوات الاحتلال وادواتها المفضوحة واخذ يتصاعد مع تصاعد مخططات قوات الاحتلال لتشريع نهبها لثرواتنا النفطية باصدار قانون النفط وتشريع ادامة احتلالها لعشرات السنين بالتمهيد لوثيقة عهد تشرع استمرار احتلالهم لعدة عقود . ذكرت شعبنا بمعاهدة بورتسموث البريطانية التي اسقطها في وثبة كانون 1948. وهكذا بدأ الاصطفاف الوطني يتبلور، رغم انف المحتلين وكل ادواتهم. وكالعادة فهو يسبق الاصطفاف الطبقي ويمهد له . كما سبقت ثورة العشرين الاصطفاف الطبقي وبروز دور الطبقة العاملة وظهور الحزب الشيوعي العراقي. واذ يعيد التاريخ مسيرته لكنه يحمل معه كل التجارب والتطور في الوعي والوسائل والسبل. فبدأ النضال الوطني عمال النفط في البصرة ليشمل مختلف انحاء العراق وجماهيره وليخترق جدران البرلمان وان على استحياء وتردد.
واخذت النضالات الجماهيرية تتصاعد وتترى متحدية الارهاب الذي طالما تحججت به قوى سياسية لتثبيط همم الجماهير وشل نشاطاتها للدفاع عن ابسط مستلزمات حياتها وكرامتها. الامر الذي اضطر القوى السياسية على طرح المزيد من البرامج الديموقراطية التي تستجيب لطموحات الجماهير. ولكن الجماهير تدرك بتجاربها ان المحك الوحيد لوطنية وصدق قيادة هذه الاحزاب، هو في قدرتها على تحريك الجماهير وتنظيم نضالاتها من اجل تحقيق هذا البرنامج وربطه بالنضال ضد الاحتلال. فالاحتلال يشكل العائق الرئيس امام تحقيق أي من نقاطه.
ومع تبلور الاصطفاف الوطني الجماهيري اخذ يتبلور الاصطفاف الوطني في صفوف المقاومة الوطنية ويتطور وعيها وتنظيماتها ويجري الفرز في صفوفها ويتعزز الترابط الوثيق بينها وبين الحركة الجماهيرية . ففي مواجهة اعتى اعداء البشرية لايمكن استغناء عن أي شكل من اشكال مقاومة الاحتلال ولا يمكن استغناء أي منهما عن الاخرى . ففي تلاحم كل قوى الشعب الواعية يمكن تحرير الوطن وتحقيق طموحات الشعب.
لم تهتز ثقتي بقدرات شعبنا يوما ولكن زيارتي الاخيرة لبغداد عززت ثقتي بقدرات شعبنا على التحرر من الاحتلال وبناء العراق الديموقراطي الموحد رغم كل الصعوبات والمعوقات التي تهز الجبال . فقد استطاعت طلائعه الجديدة خرق سدل الظلام وتحدي شلل الرعب والخوف من الموت ومزقت الاوهام والاضاليل وبدأت بتكوين قيادات سياسية جديدة وتنظيمات بسيطة قادرة على قيادة وتنظيم نضالاته وفقا لمتطلبات العصر.
سعاد خيري في 20/1/2008

#سعاد_خيري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات