أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فتحى سيد فرج - نقد العقل العربي















المزيد.....

نقد العقل العربي


فتحى سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 2163 - 2008 / 1 / 17 - 02:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في الوقت الذي يشهد فيه العالم تطورات متسارعة، وتتسابق الأمم والبلدان لتحقيق التقدم، نجد أن بلدان العالم العربي والإسلامي تقف عاجزة عن مواكبة هذه التطورات والدخول إلى مرحلة التقدم، هذا الأمر كان مثار اهتمام عدد من الكتاب والمفكرين والباحثين العرب وغير العرب، للبحث عن استمرار هذا التخلف المقيت والركود الحضاري والثقافي للعرب والمسلمين على وجه العموم .
وإذا كان العقل اعدل الأشياء قسمة بين الناس كما قال " ديكارت" فقد جعله واحد من أهم أساتذة فلسفة العلوم وهو المفكر المغربي "محمد عابد الجابري" مدخلا لفهم هذه الظاهرة المحيرة، فلقد تمكن من اكتشاف أسباب عدم نجاح المحاولات المتكررة لمشروعات النهضة العربية، فبينما ركزت اغلب محاولات النهضة على واحد أو أكثر من مكونات الثقافة العربية سواء أسسها الفلسفية أو أصولها العقائدية ومذاهبها الدينية أو تياراتها السياسية، فأن الجابري توصل إلى الجذر الأساسي والسبب الحقيقي لعدم نجاح مثل هذه المحاولات واستمرار حالة التخلف عند العرب والمسلمين، وذلك في مشروعه الثقافي الشامل عن " نقد العقل العربي" بجزئية تكوين العقل العربي و بنية العقل العربي .
في البداية يحدد الجابري ما يقصده بمعني "العقل" باعتباره أداة الإنتاج النظري أو منظومة القواعد للنشاط الذهني المستخلصة من ثقافة خاصة، وتتكون هذه الأداة لا شعوريا خلال الممارسة الثقافية لتشكل في النهاية النظام المعرفي لثقافة ما، وفيما يختص بتكوين "العقل العربي" فأنه يرى أن ذلك قد وضعت أسسه الأولي والنهائية والمستمرة خلال "عصر التدوين" منذ أواخر الدولة الأموية، وهو العصر الذي تم فيه جمع الأحاديث النبوية، ووضع تفاسير القرآن، وما تلا ذلك من بدء كتابة التاريخ الإسلامي، وأسس علم النحو، وقواعد الفقه، وعلم الكلام، وتشكيل المذاهب والفرق الإسلامية .
لقد كان عصر التدوين نقطة البداية لتكوين النظام المعرفي للثقافة العربية فيه اكتمل التكوين، ولم يتغير منذ ذلك الوقت ومازال سائدا في ثقافتنا حتى اليوم، فهو الإطار المرجعي للعقل العربي، وعلى هذا فأن بنية الثقافة العربية ذات زمن واحد، زمن راكد يعيشه الإنسان العربي اليوم مثلما عاشه أجداده في القرون الماضية .
في الجزء الأول من كتابة " نقد العقل العربي" يحاول الجابري تحديد معالم البنية المعرفية للثقافة العربية، وإثباتها كحقيقة علمية وعملية وتاريخية من خلال التحليل الملموس للواقع الملموس، فهو يصف مختلف المعرفة والعلوم العربية في ثلاث مجموعات هي " علوم البيان" من نحو، وفقه، وكلام، وبلاغة، ويطلق عليها أسم " المعقول الديني" وآليتها المعرفية تقوم على قياس الغائب على الشاهد . ومجموعة " علوم العرفان " التي تضم التصوف، والفكر الشيعي والتفسير الباطني للقرآن، والفلسفة الإشراقية، والسيمياء والسحر والتنجيم، ويطلق عليها أسم " الامعقول العقلي " أو " العقل المستقيل " أي الذي ينسب إلى العقل لا إلى الدين، وتقوم على نظام معرفي هو الكشف والتجاذب والوصال . ومجموعة " علوم البرهان " التي تضم المنطق والرياضيات والطبيعيات والميتافيزيقا، ويؤسسها نظام معرفي يقوم على الملاحظة والتجريب والاستنتاج، ويطلق عليها أسم " المعقول العقلي " .
علوم البيان تشكلت دفعة واحدة في مرحلة التدوين، فسيبويه والفراهيدي وضعا أصول النحو واللغة من صرف وبلاغة وعروض لضبط الشعر ونطق الكلمات، على أساس قياسي نظري، قولب اللغة وحنطها، ومصدر سماعي بدوي هو الذي صنع بلغته قواعد اللغة العربية بهدف الحفاظ على النص، وذلك استنادا إلى السماع من الأعراب الأقحاح الذين لم تمسهم حضارة، ما أدي إلى أن أصبح الأعرابي البدوي هو المؤسس والمرجع للأداة الفكرية للعقل العربي، والوعاء الوحيد للجهاز الإدراكي لهذا العقل، أي أن اللغة بقواعد نحوها، وتصريفها، وأساليب التعبير وتفسير معانيها ودلالاتها، قد اكتملت قواعدها، ثم أغلقت في عصر التدوين دون مراجعة حتى الآن، فتجمد معها العقل الذي يستخدمها .
وكان الشافعي هو المشرع والمؤسس لأصول الفقه، بل لأصول الفكر العربي كله مقيما هذا التأسيس على الربط القياسي بين الجزء والكل، بين الفرع والأصل، بقياس الغائب على الشاهد، واعتبار النص السلطة المرجعية الأساسية للعقل العربي وفاعلياته، وقد اغلب المذاهب الفقهية قواعد القياس الذي اتخذه الشافعي منهجا له، كما سار على نفس الدرب الأشعري في علم الكلام، فقد أسس نظرية أهل السنة في الخلافة مرتكزا على نفس المنهج، فالعقل مع المعتزلة كما عند الشافعي مجرد أداة، فهو في جميع الأحوال في خدمة الكتاب والسنة وليس بديلا عنها، فالتعامل عندهم بنفس الآلية الذهنية التي يتم بها في الفقه الشافعي، آلية رد الفرع إلى الأصل، وقياس الغائب المجهول على الحاضر المعلوم .
أما علوم العرفان، فلم تنشأ في عصر التدوين، وإنما هي امتداد لموروثات قديمة، وعقائد وثقافات سابقة على الإسلام، أخذت تتسرب إلى الثقافة العربية الإسلامية، في شكل موروث فلسفي علمي إلى ساحة المعقول الديني، معارضا إياه بلا معقولية، من خلال المعتقدات المجوسية والمانوية ومذاهب الصابئة والإسرائيليات، باعتبارها جزء من التاريخ القومي للعرب والأقوام التي دخلت في الإسلام، ولقد كان هذا العقل المستقيل الذي تحمله الهرمسية أول ما انتقل إلى الثقافة الإسلامية وذلك عبر الكيمياء والتنجيم والعلم السحري اللاعقلاني والافلاطونية المحدثة، ثم أخذ هذا العقل المستقيل يتخذ مواقع له في مختلف قطاعات الفكر الإسلامي السني، وفي سياق التطورات التاريخية والصراعات المذهبية تمت المصالحة بين البيان العربي والعرفان الصوفي .
والمجموعة الثالثة التي يطلق عليها الجابري أسم البرهان، فسنجد بدايتها عند الكندي والفارابي، ولكن مرحلة الازدهار البر هاني جاءت في الأندلس والمغرب، متواكبة مع مرحلة العرفان في المشرق العربي، فالدولة الأموية في الأندلس كان لها خصمان، هما الخلافة العباسية في بغداد، والخلافة الفاطمية في القاهرة، حيث تقوم كلا منها على إيديولوجية مختلفة، فالأولي سنية، والثانية شيعية، ولهذا كان لابد من البحث عن إيديولوجية أخري، وبما أن النظم المعرفية المتناقضة في الثقافة العربية آنذاك كانت ثلاثة هي البيان والعرفان والبرهان، وبما انه ليس في الأمكان إضافة نظام معرفي آخر، فان عملية التجاوز المطلوبة كان لابد أن تبحث لها عن طريق جديد .
هكذا كانت ظاهرة ابن حزم ذات الطابع العقلاني النقدي تعبير عن مشروع إيديولوجي يختمر في الأندلس ليكون السلاح النظري الذي تواجه به الدولة الأموية في الأندلس خصميها التاريخيين، أراد ابن حزم أن يؤسس البيان تأسيسا منطقيا يقينيا أي على البرهان، وكان ذلك يتمثل في رفض مبدأ قياس الغائب على الشاهد، والدعوة إلى ترك التقليد استنادا إلى الاستدلال المنطقي الأرسطي، كانت هذه بداية جديدة للعقل العربي كما يقول الجابري تواصلت مع الشاطبي وابن باجه وابن رشد وابن خلدون، ولكن ما اكتمل تأسيس هذه المرحلة حتى أنطفأ شعاعها، وخذ يسود عصر الانحطاط واللاعقلانية .
في عرضه المسهب لهذا الكتاب يشير محمود أمين العالم إلى أن الجابري في نهاية الجزء الأول من كتابه عن " نقد العقل العربي" يثير قضيتين : الأولي هي : لماذا انتهي الآمر بالعقل البياني العربي إلى هذه الوضعية، وهو لا ينكر أثر العوامل السياسية والاجتماعية، لكنه يكتفي بالإشارة العابرة دون تركيز على هذه الأثار الهامة في سياق التاريخ العربي، كما يشير الجابري إلى احتلال " العقل المستقيل" الهر مسي لمواقع أساسية في الثقافة العربية، ولكنه لا يكتفي بهذين الأمرين تفسيرا لظاهرة جمود العقل العربي وهزيمته في معركته ضد العرفان، وإنما يسعى إلى البحث عن سبب آخر داخل العقل البياني .
ويستعير الجابري أجابته على هذا السؤال من الباحث الفرنسي " فيستوجيير" في دراسته للغنوصية وأسباب تراجع العقلانية اليونانية، والذي فسر استقالة العقل اليوناني باحتقاره للتجربة، وهكذا يفسر الجابري استقالة العقل العربي بنفس التفسير، فالعقل البياني العربي لم يكن يقبل بطبيعته التجربة، واكتفى بالنصوص يستنبط منها القواعد والأحكام، وتوقفت العلوم العربية الإسلامية لأن البحث فيها كان بهدف خدمة الدين ولم يكن درسا للطبيعة واكتشاف قوانينها، فوفقا للنصوص كانت الطبيعة معطى آلا هي مسيرة بفعل خالقها ولا دخل للإنسان في صيرورتها ولا ضرورة لمعرفة قوانينها، وهكذا انتهى كل شيء في مرحلة التدوين، وانغلقت الدائرة وأصبحت الحركة فيها تكرس التكرار وتلتهم ما تنتج، فصار الزمن فيها زمنا مكررا معادا، زمنا ميتا .
كما يستعير الجابري أجابه ثانية من المستشرق " جيب" هي أن تقنين العقل العربي لم يأت نتيجة لتطور منتجاته، أو من خلال العمل الاجتماعي المنتج، لأن الازدهار الحضاري العربي تحقق بفعل الاقتصاد الريعي، لقد بدأ العقل العربي بتحديد البيان وطريقة عمله، وكان ذلك في اللغة والنحو والفقه والكلام، ولم يكن في إمكانه أن يتقدم أكثر مما فعل .
أما فيما يتعلق بعلوم البرهان، فأنها كانت مرتبطة بالنسق الأرسطي، الذي يقوم على مركزية الأرض وثباتها ودوران الكواكب حولها، وأن الحركة الدائرية هي الكمال الأقصى، والذي تحول إلى منظومة ميتافيزيقية، وما كان يمكن الخروج عليها إلا بكسرها كما تم في أوروبا من خلال ثورة العلم الحديث باكتشافات كوبرنيكوس وجاليليو ونيوتن، وهذا لم يحدث ولم يكن من الممكن أن يحدث في الثقافة العربية الإسلامية .
ويشير الجابري إلى أن الممارسة العلمية في إطار البرهان بقيت خارج الصراع في الثقافة العربية الإسلامية، وظلت عل هامش النظم الفكرية والإيديولوجية المتصارعة، باعتبار الثقافة العربية الإسلامية نسقا مغلق لا يسمح بالخروج على حدود النص وقواعد الحفاظ عليه، وهكذا يخلص الجابري في نهاية الجزء الأول المخصص لتكوين العقل العربي إلى أن تأخر المسلمون وتقدم أوروبا كان بسبب استقالة العقل عند العرب ... في حين بدأ الأوربيون يتقدمون عندما بدأ العقل عندهم يستيقظ ويسائل نفسه، فالرأسمالية جاءت بنت العقل، حيث كانت الرأسمالية بنت الصناعة، والصناعة بنت العلم الحديث .



#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعليق على مقالة اللغة والثقافة الشعبية المظلومة لمهدى بندق
- تمكين الفقراء من التنمية الاقتصادية
- كان ياما كان
- نسخة معدلة / الصراع الاجتماعي في العالم العربي بين الجموج وا ...
- ازدواجية اللغة وازدواجية الانتماء
- الصراع الاجتماعي في العالم العربي بين الجمود والتطور
- صحاري مصر.....أمل المستقبل
- صحارى مصر .....امل المستقبل
- الفجوة الغذائية في مصر
- الفقراء يملكون الحل
- للرأسمالية نعما ونقما
- سر رأس المال 3
- تفكيك الثقافة العربية - كتاب مهدى بندق
- سر رأس المال 2
- سر رأس المال
- دور الجغرافيا فى التقدم العلمي
- الكلمة والفعل
- المنظومة العلمية
- متابعةأخيرة للمؤتمر الرابع للإصلاح العربى
- متابعة المؤتمر الرابع للإصلاح العربى


المزيد.....




- -حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو ...
- الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن ...
- مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال ...
- مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م ...
- مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
- هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
- مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
- بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل ...
- -التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات ...
- القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو) ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فتحى سيد فرج - نقد العقل العربي