|
الوضع الاعتباري للثقافة والمثقف في العالم العربي (تابع)
عائشة التاج
الحوار المتمدن-العدد: 2162 - 2008 / 1 / 16 - 11:06
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المركز الاجتماعي للمشتغل بالحقل الفكري : قد يكون من المنطقي في بلدان تتجاوز فيها نسبة الأمية الأبجدية 60 % وتتعدى فيه الأمية المعرفية هذا الرقم بكثير أن لا يحظى المشتغلون بعالم الفكر و المعرفة بالاعتراف المنشود .ذلك أن مجتمعا بهذه المواصفات لا بد أن ينتج معاييره الخاصة "للنجاح الاجتماعي " حسب القيم السائدة فيه وحسب مستوى الإدراك العام. فلا بد أن تتبوأ الإنجازات المادية والملموسة صدارة هذه المعايير بغض النظر عن شروط وظروف تحقيقها. وحيث أنه نادرا ما يتوازى الرصيد العلمي أو المعرفي مع الرصيد المادي ،بل حتى مع الموقع الوظيفي ( داخل الإدارات العمومية بالخصوص) ،فإن تموقع هؤلاء داخل المجتمع غالبا ما يكون باهتا أو هامشيا حسب الوضعية والمعايير السائدة . ومن ثم فلا عجب أن نجد المغني الشعبي ( الذي قد يتغنى بكلام منحط وبذيء) أكثر نجومية وشعبية من المطرب والفنان أو الموسيقي المبدع . وأن يكون النجم الرياضي أكثر تألقا واعترافا و ثروة واستثمارا من المفكر او الفيلسوف أو الكاتب او الباحث الموهوب في هذا المجال أو ذاك من فروع المعرفة الرمزية . وان تكون بعض "الخلائق" ذات الأخلاق الرديئة أقرب إلى مدارات النفوذ وأكثر قدرة على قضاء المآرب من أي عالم أو مبدع و مبدعة .
ولاعجب أيضا أن يكون الربح المالي لعدد من الحرفيين :كالرصاص أو النجار أو حتى نادل المقهى أحيانا ...أو أية مهنة لا تتطلب تحصيلا محترما أو مهارات راقية ..أهم بكثير من ربح المعلم أو حتى الأستاذ..او بعض أنواع الصحافيين أو التربويين ... بدون أن نتكلم عن بعض أشكال الإبداع التي لازالت غير مقننة او منظمة او في الطريق إلى ذلك (في بلد كالمغرب) كالمسرح والسينما والفن التشكيلي او الموسيقى....او الشعر والقصة والرواية .
من هذا المنطلق نتفهم ذلك الرصيد الهام من النكات والأمثال التحقيرية التي انتجها المجتمع ضد المدرسين بشكل عام والمعلمين منهم بشكل خاص . باعتبارها المهنة الفكرية الأكثر قربا والتصاقا بالمجتمع ...لأنه بالتاكيد يجهل مهن البحث والإبداع الأخرى او على الأقل هي أقل تداولا وانتشارا من مهن التدريس و إلا لغرفت بدورها نصيبها من التحقير مثل ربيبتها التعليمية داخل نسق القيم المنقلبة على رأسها حيث يحظى النجاح المادي ولو على مطية الانحراف بانواعه بتزكية قلما تثير التساؤل في زمن التواطؤ المكشوف هذا.. ! علما انه بالأمس القريب ،كانت حضارتنا العربية تبويء الفقيه والعالم مكانة التبجيل والاحترام وتقر بان المعلم كاد أن يكون رسولا حيث قال الشاعر : قم للمعلم وفه التبجيلا..........كاد المعلم أن يكون رسولا فمكانة المعلم هي استمرار لمكانة الفقيه في ابسط درجاته (معلم الكتاب الديني) التي كانت شخصية محورية في الدوار أو الحي بل حتى القبيلة كلها او المدينة حسب درجة علمه ومعارفه .فما ادراك بالعالم والمفكر الذي كان يتماهى مع مكانة الأنبياء واولياء الله الصالحين داخل الوجدان العام. لكننا نعيش الآن للأسف وضعا مختلفا إن لم نقل عكسيا . انحسار او على الأقل تهميش للمبدع والمثقف . ذلك ان اغلب الفضائيات العربية تحرس على تأثيت برامجها بانواع معينة من المنتوجات التي تتوافق مع استراتيجية إعلامية تعمل على مخاطبة الأجساد و الغرائز قبل العقول ....وتكرس وضعية التخلف والتجهيل اللهم إلا استثناءات قليلة وفقها الله في رسالتها السامية.
الاستثمار الملتبس للثقافة والمثقفين :
داخل سياق بهذه المواصفات ،لايمكن للمثقف إلا ان يكون مناضلا للحصول على اعتراف ما ..وللنضال أشكال مختلفة .فإما أن يدخل في جبة السياسي أو على الأقل يتشبث باهدابها علما بأن الهيمنة السياسية لازالت تلقي بظلالها على الكثير من المجالات ذات الطابع الثقافي .وإما أن يكون مناضلا معرفيا عصاميا يواجه اختياره الصعب بوسائل فردية محضة . ومن ثمة غدا التأرجح ما بين النضالية والاحتراف لازمة لكل عمل ثقافي او فكري أو على الأقل لأغلبهم.يتم استثمار هذا المجال لصالح ذاك بحق أو بدونه .استثمار قد يصل درجة الاستغلال احيانا،حيث تبتلع الحقوق باسم النضال من أجل غايات هي في الحقيقة شخصية او فئوية مغلفة بيافطة المصلحة العامة. ذلك أن من ينتج منتوجا رمزيا غالبا ما يتماهى في إدراك بعض الفاعلين مع "بضاعته" ويتحول إلى كائن هلامي مجرد من أية حاجيات معيشية ملموسة يجب تحقيقها او يتم استغلال تعففه من مناقشة الأمور المادية للسطو على حقوقه من غير رحمة. ذلك أن مؤلف كتاب ما ،قلما يغطي مصاريف طبعه وتوزيعه أو على الأقل نادرا ما يفكر في ربح لن يتنازل عنه الناشر أو الطابع أو الموزع أو أية حلقة من حلقات إنتاجه . وحده المؤلف يحتفظ له بمكانة المتطوع داخل سلسلة مهنيي إنتاج الكتاب أو البرنامج التلفزيوني أو...و وقد يتم العمل بكل مكر على استثمار هذا التعفف الناتج عن ثقافة النضال بالأمس القريب كأقصى أشكال الاحترافية من طرف فاعلين جدد يبرزون شطارتهم في إنتاج منتوج بأقل تكلفة وبشعارات يمكن القول أنها لا تخلو من التباس. نفس الشيء يحدث بالنسبة لأغلب النشاطات الفكرية أو الثقافية حيث يتم تأدية مصاريف الإقامة والتغذية والقاعة والممون وفتيات الاستقبال والمطبعة والميكروفون والنادل والمصور ...ولن يتنازل المنظمون بالتأكيد عن أي قرش يصرفونه او يعتقدون في أحقيته لدى الجهة المتعهدة بتمويل النشاط . داخل هذه السيرورة يكون صاحب "المساهمة الفكرية " هو المتطوع الأوحد رغما عن أنفه حيث يتعامل معه كمناضل يساهم في التوعية والتحسيس والأدهى من ذلك أن يتم اعتبار الإقامة والتغذية شكل من اشكال تعويضات الخدمة . امتداد لشكل التعامل مع "الطلبة" ( حفظة القرآن ) . التباسات عديدة تصاحب العديد من الأعمال ذات الطابع الفكري ،وتنم بالملموس عن الوضع الاعتباري لهؤلاء داخل مجتمعات ينخرها الجهل والفساد وتطفو على سطحها قيم مشوهة داخل واقع اكثر تشوها بتركيباته العديدة. عائشة التاج / باحثة اجتماعية
#عائشة_التاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوضع الاعتباري للثقافة و المثقف في الوطن العربي
-
عزوف سياسي أم إفلاس حزبي ؟ بعض ملابسات الحقل السياسي بالمغرب
-
الانتخابات التشريعية.....وحملة بنكهة الثلج ......باردة باردة
...
-
فضاءات بنكهة الالتباس :الرمزية والتجليات
-
الحروب ،أية مشروعية ؟
-
الإفتاء الغوغائي عبر علاقاتنا الاجتماعية
-
من يحمي المواطن من عنف المؤسسات
-
الشباب والقراءة
-
بطالة الشباب الجامعي ،إلى أين
-
حول آفة الخيانة الزوجية
-
لنحصن ثقافة الحياة ضد ثقافة الموت والدمار
-
سيدي مومن والوصم الإعلامي
-
قراءة في رواية: حب في زمن الشظايا
-
إلى روح المناضلة المغربية الأصيلة : حبيبة الزاهي
-
الرعونة الملتبسة لشهريار عصري
-
رعونة شهريار عصري
-
.قراءة في الدلالات الاجتماعية و الثقافية لظاهرة الحجاب
-
كذب الصغار،كذب الكبار
-
التعهير النسوي : امتداداته الداخلية والخارجية
-
لنحمي شمعة الأمل من رياح اليأس .
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|