|
من قتل بي نظير بوتو؟
عبدالله المدني
الحوار المتمدن-العدد: 2160 - 2008 / 1 / 14 - 11:10
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
حادثة اغتيال زعيمة المعارضة الباكستانية السيدة بي نظير بوتو، كانت فرصة للمئات من الصحفيين و كتاب الأعمدة العرب لممارسة هواية التخمين و توزيع الاتهامات البلهاء يمينا و يسارا و الخوض في موضوع لا يملكون أدنى نواصي الدراية به، خاصة و أنهم اغلبهم ما برحوا يجارون صحفهم في الاستخفاف بأحد ابسط الأمور و أسهلها و نعني بها الكتابة الصحيحة للاسم الأول للراحلة التي ظلت الصحافة العربية تكتبها بأشكال مختلفة فمرة "بنازير" ومرة "بينظير" و مرة "بناظير" دون أن تكلف هذه الصحف نفسها السؤال و الاستفسار من اصغر دارس للغة الأردية أو الفارسية. فرغم وجود المعنية بالأمر على الساحة السياسية أكثر من ثلاث عقود من الزمن فان الصحافة العربية لم تستطع حسم طريقة كتابة الاسم الأول للراحلة، بمعنى أنها لم تستوعب أن الطريقة الصحيحة لكتابة الاسم هي كما يظهر في عنوان هذا المقال، لأن كلمة بي ببساطة أداة تنفي ما بعدها في اللغتين الفارسية و الاوردية، فلو وضعت مثلا قبل كلمة "هوش" التي تعني العقل في الفارسية لأصبح المعنى المراد هو أن فلانا من الناس لا عقل له أي انه مجنون. وقياسا على ذلك فان استخدام أداة النفي بي قبل كلمة نظير التي تحمل نفس معناها في العربية أي الشبيه و الصنو و إن كانت تكتب و تلفظ بطريقة مختلفة، القصد منه هو وصف حاملتها بالسيدة التي لا شبيه أو صنو لها
وبطبيعة الحال فبعض من كتب عن حادثة الاغتيال اختار لمقالته أو عموده العنوان نفسه المبين هنا، لكن فقط ليشير بأصابع الاتهامات دون دليل إلى هذه الجهة أو تلك كمتسبب أو مستفيد من حادثة تصفية السيدة بوتو، فإلى جانب المخابرات الباكستانية و نظام الرئيس برويز مشرف و تنظيم القاعدة، و المخابرات الأمريكية وجهوا أصابع الاتهام في كل صوب بما في ذلك المخابرات الإسرائيلية التي بحسبهم "تخلصت من هذه المرأة المسلمة الشجاعة" لأنها رفضت الاعتراف بإسرائيل. (هكذا!)
و الحقيقة البسيطة التي يدركها كل من عرف السيدة بوتو أو تعامل معها، أنها قتلت نفسها بنفسها. كيف؟ بعنادها الشديد و تشبثها برأيها معطوفا على قراءتها غير الدقيقة للإحداث، و هي صفات ربما ورثتها من والدها الراحل ذو الفقار علي بوتو- بحسب ما تجسد في موقفه من نتائج آخر انتخابات رئاسية في باكستان قبيل انسلاخ الجناح الشرقي عنها في عام 1971 - هي التي تسببت في وضع حد لحياتها بتلك الصورة المأساوية التي تذكر أيضا بالرحيل المأساوي لشقيقها مرتضى بوتو الذي قضى قتيلا في شوارع كراتشي الموحشة في عام 1996 ، رغم تحذير الكثيرين له وقتذاك من مغامرة النزول إلى تلك الشوارع المضطربة و تفرعاتها المسكونة بالعصابات و قطاع الطرق و القتلة و أعداء آل بوتو. لكن مرتضى، كما شقيقته بي نظير تجاهل كل تلك التحذيرات ووقائع الأرض، ليعول فقط على قراءته الخاصة، فوقع ضحية لعناده و حماسه لأداء ادوار البطولة في ظل أوضاع خطيرة و ظروف لا تعترف بالمغامرين
قابلت الراحلة بوتو مرتين فقط، كلتاهما و هي بعيدة عن السلطة أي يوم كانت تعيش في منفاها اللندني. و في كلتا المرتين كان عراب اللقاء هو المثقف و الأكاديمي الباكستاني المعروف، و احد ابرز مستشاريها ووزير إعلامها ذات مرة السيد مشاهد حسين. اللقاء الأول كان هادئا و كان غرضي منه الاستفسار منها شخصيا عن معلومات كانت متضاربة وقتذاك عن استعانة إحدى الدول الخليجية بقوات برية باكستانية لحمايتها من تداعيات مفترضة للحرب العراقية – الإيرانية. أما اللقاء الثاني فقد كان عاصفا لأنه جاء بعد محاضرة عن شخصية والدها " ذو الفقار علي بوتو" كنت قد ألقيتها و نشرت على الشبكة العنكبوتية، و ضمنتها رأيا صريحا مفاده أنها شخصية حافلة بكل أنواع التناقضات الفكرية و الاجتماعية. وقد حاول عراب اللقاء أن يلطف الأجواء بالإشارة إلى أني لا احمل أي ضغينة تجاه أسرة بوتو و إلا لما عنونت بحثي بعبارة : ذو الفقار علي بوتو : فخر باكستان و آسيا"، و من جهتي حاولت أيضا أن أشير إلى أن كل ما ذكرته يستند إلى مذكرات والدها التي ساعدت هي شخصيا على تهريبها من السجن قبيل إعدام والدها بفترة قصيرة، ثم تولت هي أيضا نشرها من نيودلهي في كتاب حمل عنوان" لو تم اغتيالي"، IF I WAS ASSASINATED، غير أن عناد السيدة بوتو و تشبثها برأيها و عدم الالتفات إلى رأي اقرب مستشاريها، حال دون استمرار اللقاء ليذهب كل منا في طريق، و اخرج أنا بانطباع عام هو أن مقتل أي سياسي هو العناد و الغرور الذي لا يمنح فسحة ولو صغيرة للرأي الآخر، خاصة إذا تلازم ذلك مع أمر آخر لا يقل خطورة هو الاعتداد المبالغ بالذات. و هذه صفة أخرى تميز بها آل بوتو، بمعنى أن مشاهد الجماهير الصاخبة الرافعة للقبضات و الأعلام في الهواء، كانت تبعث فيهم الخيلاء و تؤجج فيهم فكرة انه طالما وراءهم كل هذه الحشود فهم في أمان و يستطيعون تحقيق النصر على خصومهم بسهولة، دونما التفاف إلى حقائق أخرى و منها أن الجماهير تنفض بنفس سرعة تجمهرها، و غير معنية دائما بممارسة ادوار البطولة.
إن رحيل السيدة بوتو، هو لا شك خسارة لباكستان و للقوى الليبرالية و العلمانية في هذا البلد المنحدر بسرعة صاروخية نحو الوقوع في أحضان قوى التطرف و التشدد و الغلو الهمجية، لكنه ليس بالصورة التي وصفها بعض الكتاب العرب ممن وجدوا في رحيلها نهاية المطاف، كما أن عودتها إلى بلادها بالطريقة التي تمت لم تكن عملا بطوليا مثلما قال البعض الآخر من المحللين العرب، بل كانت عملا انتحاريا لا يقدم عليه إلا أصحاب القراءة المبتسرة للأوضاع. ففي سنوات قيادتها لهذا البلد المأزوم كان بامكانها أن تفعل الكثير لكنها انجرفت إلى ما انجرف إليه قبلها كل أسلافها من الساسة المدنيين، فخرجت من السلطة سريعا دون أن تحقق إنجازا سوى دخولها التاريخ كأول إمرة مسلمة تقود بلدا مسلما، علما بأن هذا الأمر هو الآخر لم يمر دون تداعيات ضارة على علاقات باكستان بأقرب حليفاتها العربيات و هي المملكة العربية السعودية. إذ فجر الحدث ثاني سؤ تفاهم في تاريخ العلاقات السعودية – الباكستانية، كنتيجة لإصدار مفتي السعودية وقتذاك الشيخ عبدالعزيز بن باز فتوى حرم بموجبها صعود النساء إلى قمة هرم السلطة في البلاد الإسلامية، الأمر الذي عقد في حينه مسألة زيارتها إلى مكة المكرمة لأداء العمرة مثلما اعتاد زعماء باكستان فعله بعيد توليهم السلطة. أما الأزمة الأولى في تاريخ علاقات البلدين فقد كانت في الخمسينات يوم أن شنت الصحافة الباكستانية هجوما لاذعا على الرياض و اتهمتها بالابتعاد عن أهداب الإسلام، بسبب استقبالها لرئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو في ذروة أزمة السويس عام 1956 و ما كتبته الصحافة السعودية عن الضيف "الهندوسي" من مديح و إطراء و ألقاب مثل رسول السلام.
#عبدالله_المدني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عسكر تايلاند يفون بوعودهم .. ويعيدون الحكم للمدنيين!
-
باكستان بوصفها معضلة للأمريكيين
-
-آسيان- تعبد الطريق نحو اتحاد أقطارها
-
-صنع في الصين- أمام تحديات كبيرة
-
تايوان .. كيان يبحث عن عنوان و دور
-
مشرف إذ يستعد لخلع الزي العسكري
-
من سيقود اليابان بعد استقالة -حلمها-؟
-
الأصابع تشير مرة أخرى إلى -وزيرستان-
-
إستراتيجية طالبان الجديدة : اخطف و طالب
-
مدن لا تعرف الشيخوخة
-
ظاهرة البنوك الإسلامية تجتاح آسيا
-
صنع في اليابان Made in Japan
-
الجيل الثالث من قادة الصين يرسخ أقدامه في السلطة
-
انتخاب -براتيبها باتيل- حدث تاريخي لنساء الهند
-
توريط مسلمي الهند في الإرهاب
-
الطموحات النووية تجتاح آسيا
-
المفرزة 88.. سلاح جاكرتا الأهم ضد الإرهاب
-
تعلموا من هذا البنغالي الفقير!
-
زكية زكي: اغتيال امرأة شجاعة
-
خليجيون في فييتنام
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|