أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أحمد الخميسي - بنات علم وكرامة














المزيد.....

بنات علم وكرامة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 2159 - 2008 / 1 / 13 - 05:51
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


دخلت منذ أيام قلائل مستشفى خاص لإزالة " المية البيضة " عن عيني اليمنى . قيل لي قبلها إنها عملية بسيطة مثل شكة الدبوس تستغرق عشر دقائق لا أكثر وبعدها بنصف الساعة تنصرف إلي بيتك . ومع التهوين من شأن العملية فإن القلق أمر مشروع ومفهوم ، لأنها " العين " التي يقال عنها دون أعضاء الجسم كله إن عليها حارسا طالما سألت نفسي أين كان ذلك الهمام حين تسللت الميه البيضة إلي العين ؟, المستشفى هادئة ونظيفة وتشغى بحركة دقيقة مثل خلية نحل . جلست في صالة استقبال نظيفة حتى استدعتنى ممرضة لإجراء التحاليل اللازمة قبل العملية : رسم قلب وتحليل سكر ودم . قادتني بخطوات واثقة وهادئة لغرفة وسلمت الملف إلي طبيبة شابة صغيرة السن ، فحصت عيني ، وكتبت تقريرا ، وتركتني لممرضة أخرى أخذت عينة دم ، وسلمتني لأخرى قامت برسم القلب . البنات جميعا كن يتحركن بثقة برؤوس مرفوعة ويتكلمن بأصوات واضحة وقاطعة ، كائنات أخرى لسن ألطف الكائنات ، لكن أكثرهن علما ، بنات لا يعتبرن وجودهن عورة ، بل زهرة جديرة بأن ترشق في جبين الحياة . شعرت بفرحة عميقة تشملني حين لم أر في عين واحدة منهن ذلك الترقب الصامت المهذب المؤلم لبقشيش أو هبة ، ولا تلك الاستكانة اليائسة التي تلوح على وجوه الكثيرين في أركان الشوارع وهم ينظرون إليك بما معناه : " أتعلم كم هي شاقة حياتي ؟ " . الكناسون الذين يقتربون منك بدون مناسبة والمقشات في أياديهم وهم يغمغمون : " كل سنة وأنت طيب يا بيه " . لا مذلة ولا مسكنة ، بنات يتحركن في ممرات المستشفى مسلحات بالعلم والكرامة ، حفيدات النساء اللواتي شاركن في مظاهرات ثورة 1919 فألهمن حافظ إبراهيم قصيدته الجميلة :
خرج الغواني يحتججن ورحت أرقب جمعنه
فإذا بهن تخذن من سود الثياب شعارهـــنه
وأخذن يجتزن الطريق ودار(سعد) قصدهنه
يمشين في كنف الوقار وقد أبن شعورهنـه
وغمرني المشهد بسعادة عميقة ، وقلت لنفسي حتى لو كانت تلك مجرد نقطة نور صغيرة على بحر من الحاجة والجهل فإنها نقطة عزيزة جدا . المستشفى تعمل كالساعة ، عندما تتحرك الممرضة بالملف الطبي ، تزحف النقالة بالمريض إلي الأمام ، ويتقدم الأطباء لحجرة العمليات، ويتبدل الزمن ، وتزول الغشاوة عن العين بتفتيت العدسة القديمة بأشعة الليزر وزرع عدسة جديدة . هكذا وجدت نفسي تحت كشافات الضوء الباهر بين يدي الأطباء وعيني اليمنى مخدرة . من تحت قماشة مسدلة على وجهي لم أر سوى شعاع من نور أبيض ساطع هو " الليزر " يدنو ويبتعد عن عيني اليمنى ، بينما تتراقص على حوافه هالات زرقاء خفيفة . لم أشعر بشيء ، كنت أسمع فقط أصوات الأطباء يتحدثون ويمزحون ويتطرقون إلي ما يعن لهم من قضايا ما عدا العملية . قلت لنفسي براحة عميقة لم أعرفها منذ زمن بعيد . لدينا إذن طبيبات شابات تخذن من بيض الثياب شعارهنه، يبعثن على الفرح، ولدينا أطباء من صلب بلدنا قادرون على إجراء جراحات دقيقة بسهولة واقتدار حتى أنهم يثرثرون أثناء إجرائها . بعد أيام من إجراء العملية فتحت عيني وبدأت أرى شيئا، شيئا ما مفرحا مع العام الجديد : لابد إذن أن ثمة تقدما يحدث في مجال ما ، ولابد أن ثمة شعاعا من النور يتخلل أجزاء من نسيج المجتمع المصري لكننا لا نشعر به . التقدم ممكن إذن لكن لابد له من العلم والعدل، وإلا فإن " غشاوة المية البيضة " ستظل تحجب الرؤية عن عين المجتمع بأكمله ، لأن زهرة واحدة أيا كان جمالها وقوة عطرها لاتخلق ربيعا ، إنها تكفي فقط لتحريك الأمل .



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البكاء على الأشرطة الأمريكية
- رحيل رمسيس لبيب
- فرصة سعيدة
- تشيخوف والمثقفون .. نص لم ينشر
- الخطر الذي يهدد الصحافة المصرية
- في محبة الوهم
- من أطلق لرصاص على هند علام .. لكي أشكره ؟
- من أطلق الرصاص على هند علام ..لكي أشكره ؟
- من الأردن إلي شيكاغو
- سلاطين المماليك وخيال الظل
- روايات الكاتبة الروسية ناتاليا فيكو
- الدولة والإخوان في مصر
- احتباس حراري واجتماعي
- النقد والمجتمع
- ماتروشكا للاستبداد
- أحمد عبد المعطي حجازي وقضية الحرية
- فن الكذب
- التعذيب للجميع .. مشروع قومي
- معبر إلي وطن
- الباب المغلق


المزيد.....




- جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
- رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر … ...
- دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
- السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و ...
- دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف ...
- كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني ...
- قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش ...
- تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
- -مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
- اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أحمد الخميسي - بنات علم وكرامة