|
الجثمان : قصة قصيرة
صبيحة شبر
الحوار المتمدن-العدد: 2158 - 2008 / 1 / 12 - 08:32
المحور:
الادب والفن
الجثمان
انتظر ان يأتيه الأحبة فاتحي الأذرع لمعانقته بحنان ، كان معصوب العينين ، ممزق الأسمال ، مرتعش الفم ، يابس اللسان ، لم يضعف منه القلب ، ولم يشعر يوما بالخذلان ، تلقى الضربات الموجعة على أنحاء عديدة من جسده الضعيف ، وسمع آلاف الاتهامات بأصوات مهددة تارة ، متوعدة أو واعدة أحيانا ، فرض عليه الصوم أياما حتى أصابته الدوخة ، ولم تعد العينان قادرتين على إتقان الرؤية ، منعت عنه الزيارات ، وحبس في غرفة منفردة - لاأعرف ماذا تريدون ؟ تأتيه اللطمات متضاعفة ، وتحل على جسده المهدود ، وتتوالى الصفعات ، تنطلق الأصوات شاتمة إياه ، ومهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور ، يصب عليه الماء مغليا ثم باردا ، حاولوا ان يسمعوا منه التضرع ، وان يجثو على ركبتيه طالبا الغفران - لم أفعل ما تقولون تنهال عليه اللكمات والضربات ، مصحوبة بصراخ يصم الاذان ، تقلع منه الأظافر ، وتطفأ السكائر في أنحاء من جسده المقرور - لم اسمع بمن تتهمون - انك حيوان ، لتتحمل هذا العذاب يعلق من قدميه على المروحة السقفية ، ويجعلونها تدور بأعلى سرعة - ماذا تريدون - يا ابن ........ ألا تدري ؟ - نصحوه ان يبعد أفراد العائلة ،الى مكان لايعرف به هؤلاء ، وهو ينتظر في هذا المكان المظلم ، علهم يأتون إليه ليعانقوه ، ويطفئوا بحنانهم سعيرا بالالتياع ، ينفجر في داخل قلبه المحروم من لمسات الدفء ، يسمع أصوات حفر في المكان ، هل يكونون هم ؟ يلبون حاجته بعد فراق ؟ - قل كلمة واحدة يطول به الانتظار ، ولا إشارة تدل انهم حاضرون ، ليبددوا عنه وعورة الطريق التي سارها وحده ، وهو يحلم ان الملتقى قريب ، وأنهم حتما سيحققون له ما يريد ، ويهرعون الى لقياه ، كم هو مؤلم ان تتعرض للحرمان وحدك ، نأيا بالعذاب عمن تحبهم مثرا اياهم على نفسك ، وإبعادا لهم عن الأجواء التي لاترضي احدا ، ولا تجلب للنفس الا الأذى ، تمنى ان يسرعوا إليه ، لقد تحمل كل ألوان التعذيب لوحده ، وأبعد الأحبة عنها ، آل على نفسه ان يحميهم ، مع أنهم قاموا بتلك الحملة ، وألّبوا الرأي العام ، هم أعزاؤه في هذه الحياة ، وسوف يأتون إليه مودعين على الأقل تتوالى أصوات الحرث في الأرض ، هل هم أحبته أتوا لوداعه ، بعد ان علموا انه مغادر ارض الخراب المشتعلة ، التي لايحظى فيها الإنسان الا بالعذاب ، الا سحقا ، أين ذهبوا ؟ ولماذا تأخروا في المجيء ؟ الم يعلموا إنها لحظات ، وتنهال الأتربة عليه إيذانا بالرحيل من هذا العالم ، لقد أحبهم ، ودافع عنهم ، وذاق من التعذيب صنوفا لم تخطر على بال ، تفننوا في إيذائه ، ليدفعوه على النطق بما يريدون ، ردد لنفسه مرارا - اربأ بنفسي أن أسيء الى أصدقائي وأحبابي ولكنهم تأخروا طويلا ، وله لحظات قليلة ، وسوف يغادر غير آسف ، لم يجد ما يسره ، سنين عمره قضاها كمدا وهما ، وحين ابتسمت له الحياة ، قام أصحابه بتلك العملية ، التي زعزعت أركان النظام ، هربوا هم آملين بايجاد مأوى امن ، يقيهم من الوقوع في براثن الأعداء , وبقي هو في مكانه ، لم يشأ المغادرة ، فوقع في أسرهم ، هل زاره أصحابه وهو في غرف التعذيب الضيقة ، يتعرض الى ألوان مختلفة من العذاب ؟ وكيف يمكن لهم ان يزوروه وهو بعيد ، لايدري في أي بقعة من العالم ؟ وقد منعت عنه الزيارات ؟ ولكن الآن بعد ان ضاقت به المسافة بين الحياة واللحد ، اخذ يتوقع أنهم سيهبون الى لقياه ، وانهم سيخبرونه انهم سألوا عنها مرارا ، ولكن الأعداء لم يمنحوهم فرصة اللقاء به ، هذه الحقيقة ، لاشك أنهم حاضرون ، - انك عنيد ، يابس ، ولا أمل فيك ، سوف نضع حدا لهذه الجيفة ما زالت أصوات حفر الأرض ، تأتيه بلا انقطاع ، أيمكن ان يكون القادمون أحبته الذين ضحى من أجلهم ، وجعلهم يمسكون به ، لينجوا وهو وحيد ، يحلم ان يحنوا عليه ، وان يريحوا نفسه المتعبة من العناء ، وجسده المثخن بالجراح ، أين يمكن ان يذهبوا وقد انتظر مجيئهم العمر كله ؟ يرتفع صوت حفر الأرض عاليا ، يرى صندوقا كبيرا يسقط عليه ، يطل الرأس هامسا: - لاتحلم ، كلانا سيمضي وحيدا
#صبيحة_شبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بالاحضان يا عامنا الجديد
-
الناس والكتابة
-
لقاء : حوار عن مجموعة قصصية
-
اشهار ..قصة قصيرة جدا
-
حقوق المواطنة وواجاتها
-
حوار
-
منطق : قصة قصيرة جدا
-
حرية رأي : قصة قصيرة جدا
-
الزمن الحافي : رواية مشتركة عن العراق قبل دخول القوات الامري
...
-
العانس : قصة قصيرة
-
احتفال تقييم : قصة قصيرة
-
رأي في - مؤسسة - الحوار المتمدن
-
التابعة : قصة قصيرة
-
وجاهة :قصة قصيرة
-
حول اشاعة الديمقراطية في العراق
-
أحلام محبطة
-
حالة
-
القسم
-
المسابقة : قصة قصيرة
-
المرأة العراقية في ظل التحولات الجديدة
المزيد.....
-
صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا
...
-
-القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب
...
-
ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور)
...
-
إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر
...
-
روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال
...
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
-الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ
...
-
عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع
...
المزيد.....
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
المزيد.....
|