اثير الخاقاني
الحوار المتمدن-العدد: 2147 - 2008 / 1 / 1 - 08:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما رأيت هذه المرأة تعود الى باكستان _ وهي غارقة بالبكاء حينما لامست قدماها الارض لاول مرة منذ ثماني سنوات من منفاها الاختياري بعد ان حطت طائرتها في مطار كراتشي . واحتشد نحو 200 الف من انصار بوتو على امتداد 6 كليو مترات في الطريق من المطار الى المدينة لتحيتها واعلان الدعم لها. وقالت بنظير بوتو لمراسل البي بي سي في كراتشي " انها لحظة عاطفية ومؤثرة بالنسبة لي". واضافت " انني كنت اتطلع اليها لمدة طويلة جدا، وعندما لمست اقدامي ارض باكستان غمرتني العواطف فعلا. لم اكن لاعتقد ان هذا اليوم الذي كنت اعد الساعات والدقائق واللحظات والسنوات قد جاء اخيراً _ ادركت حينها انها في نفس المركب مع اخيها مرتضى الذي قتل بعد منفى طويل برصاص باكستاني و محمد باقر الحكيم الذي عاد بعد ربع قرن ليعيش ثلاثة اشهر سريعة ليذهب مقطعا وسجل القاتل مجهولا في ارض العراق وجون قرنق الثائر السوداني والذي لم تعصف بوجه السماء الا حين حط في ارضه السودان ثم جاءته العاصفة لتقذفه في منفى ابدي جديد !!! ليست هذه مصادفة وربما تمرر على غير الباحثين أو المراقبين ولكنها معادلة واضحة للاخرين من اهل الاختصاص ، فاذا تطلعت في تاريخ بي ناضير بوتو التي ارتبط اسمها بالتحديث والديمقراطية ستلتقط بالتاكيد بعض الخيوط التي تدل على القاتل الحقيقي !! بوتو التي انحدرت من سلالة سياسية شهيرة في باكستان، كانت النظير لعائلة نهرو غاندي في جارتها وغريمتها الهند.غاندي الذي ذهب ضحية مشروع في غير محله ، مشروع المساواة بين المكونات الاجتماعية والغاء الفوارق الفوارق التي نبتت في القارة الهندية منذ قرون اقتلعت غاندي واسرته في النهاية ، احتل والد بينظير، ذو الفقار علي بوتو، منصب رئيس وزراء باكستان في أوائل السبعينات، فكانت حكومته إحدى الحكومات القلائل التي لم يرأسها عسكري في العقود الثلاثة التي أعقبت الاستقلال. في هذا الجو ولدت بنظير بوتو في إقليم السند عام 1953، وتلقت تعليمها في جامعتي أكسفورد ببريطانيا وهارفورد بالولايات المتحدة، واستمدت مصداقيتها كسياسية من تراث والدها. بغية الاقتراب من أسرة بوتو اكثر لمعرفة من التي قتلت قبل ايام ؛ فذو الفقار علي بوتو الأب ذاع صيته إبّان حكم الرئيس الباكستاني إسكندر علي ميرزا، حين تولى منصب وزير التجارة، وهو أول منصب يشغله؛ مدفوعاً بعناية من ميرزا الذي ينتمي للطائفة الإسماعيلية الشيعية التي ينحدر منها بوتو أيضاً. ميرزا وبوتو كلاهما متزوج من إيرانية؛ فميرزا اقترن بزوجته ناهد؛ وهي الزوجة السابقة للمندوب السامي الإيراني في باكستان (عندما مات ميرزا نقل جثمانه إلى طهران!)، وبوتو تزوج من نصرت أصفهاني الإيرانية التي أنجبت فيما بعد بنظير بوتو.
دخل (الشاب) بوتو الأب حياته السياسية وهو مشدود إلى شخصية كاريزمية أثرت فيه وتأثر بها وأَشرَبَ فكرها من بعدُ إلى ابنته بوتو، وهو محمد علي جناح الذي أسس دولة باكستان وترأسها بين العامين 1947 و1948م، وترأس حكومته لياقت علي خان بين العامين 1947و1951م، وعمل على فصلها عن الهند في خطوة ما يزال الجدل يدور إلى اليوم حول اثرها في كلا الاتجاهين السلبي أو الايجابي على المسلمين هناك وتأثير هذا الواقع في شبه القارة الهندية،على الرغم من أن فكرة انفصال باكستان ذاتها منسوبة – على مايقال -إلى الشاعر محمد إقبال.. ، تقلد بوتو فيما بعد منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ، ما مهد له فيما بعد تبوُّؤَ منصب رئاسة الدولة ثم الحكومة من العام 1971م إلى 1973م رئيسا وحتى إعدامه في العام 1977م رئيساً للوزراء على يد ضياء الحق.
وحيث لقي بوتو الأب حتفه، كانت باكستان على موعد مع ابنته السياسية الواعدة التي أفسحت لها عملية اغتيال الرئيس الباكستاني السابق ضياء الحق، بتفجير طائرته في أغسطس من العام 1988م، الطريقَ نحو الحكم. وشغلت بينظير بوتو منصب رئيسة وزراء باكستان مرتين، ما بين عامي 1988 و1990، و ما بين عامي 1993و1996.
وفي الحالتين أقالها رئيس البلاد من منصبها بعد اتهامها بالفساد.
والإقالتان مجرد مرحلتين في حياة بوتو السياسية التي اجتاحتها العديد من حالات المد والجزر.
فقد كانت فور انتخابها لأول مرة ـ وفي قمة شعبيتها ـ إحدى أشهر القيادات النسائية في العالم.
وصورت نفسها ـ بشبابها وأناقتها ـ كالنقيض الحيوي للمؤسسة السياسية التي يهيمن عليها الرجال. لكن بعد أن هوت من السلطة للمرة الثانية أصبح اسمها مرتبطا بالفساد وسوء الحكم. ويبدو لي ان هذه تهمة لابعادها عن الحكم لمرة ثالثة ..
تجلت صلابة وعناد بوتو أول ما تجلت لدى سجن الجنرال ضياء الحق لوالدها عام 1977 واتهامه بالقتل، وبعد عامين تم إعدام والدها. وبينظير بوتو هي الأخيرة في حملة لواء التراث السياسي لوالدها.
فشقيقها الأكبر مرتضى ـ والذي كان يتوقع أن يلعب دورا متزايد الأهمية كزعيم للحزب ـ فرّ بعد سقوط والده إلى أفغانستان الشيوعية حينئذ.
ومن هناك ـ ومن عواصم عديدة في الشرق الأوسط ـ قاد جماعة مسلحة تحت اسم "ذو الفقار" ضد الحكم العسكري في باكستان.
وفاز مرتضى اخوها ـ وهو في المنفى ـ في انتخابات عام 1993، وعاد بعدها بوقت قصير ليقتل بالرصاص في ظروف غامضة عام 1996.
أما الشقيق الآخر شاهنواز ـ والذي كان له نشاطه السياسي لكن دون اللجوء للسلاح ـ فقد كان قد عثر عليه ميتا في شقته بالريفيرا الفرنسية عام 1985.
هذه السيرة لاتدع مجالا للشك في انبعاث عملية تصفية بي ناضير بوتو من ارادة دولية كبرى وليس وضع محلي كما يصوره الاعلام والحكومة الباكستانية وادواته حزام ناسف وثلاث طلقات لم تصبها بل اصابت براسها سقف السيارة مما ادى الى مقتلها على الفور ، هذه قصة فنية وليست حادثة الاغتيال الحقيقية ، ولكن هناك اخطاء وقعت من بوتو ساعدت على عملية الاغتيال منها التحدي والمجازفة والتي جعلتها تنسى انها في مدن صناعة الموت ومحلات التفخيخ وهندسة الاحزمة الناسفة ، ومبالغتها في معاداة جنرال عسكري محنك كبرويز مشرف الذي يقف على مؤسسة عسكرية ونووية عالمية , في ذات الوقت فان بوتو لو أيدت حالة الطوارئ التي أعلنها مشرف فإنها ستنتحر سياسيا لانها تمثل الحلم الديمقراطي لشرائح مهمة من الشعب الباكستاني الذي ضاق ذرعا بحكومة الجيش والجنرال .. ولو قررت التخلي عن الضغط القوي على هرم السلطة العسكرية المتمثل بـ مشرف ، فإنها ستخون ثقة وزارة الخارجية الأمريكية التي دفعت بها في هذا الاتجاه. والذي اراه واضحا إن بوتو كبش فداء لهذه المرحلة في الصراع على السلطة في باكستان و ربما ستمهد وهي في قبرها في السند لغد أفضل لمناصريها بلا خوف عليها من الاغتيال هذه المرة !
ومما لايمكن انكاره _للانصاف _ انها السيدة الاولى لعام 2007 بلا منازع واشجع من رايت من النساء في القارة الهندية في زمانها ...
اثير الخاقاني
باحث ومحلل واعلامي
#اثير_الخاقاني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟