|
مشاهد..
رنا كامل مدحت
الحوار المتمدن-العدد: 2146 - 2007 / 12 / 31 - 09:08
المحور:
الادب والفن
جلسنا نحن الثلاثة.. نتحاور كما يفعل الاصدقاء عادة.. تحدثنا في امور عديدة .. متشعبة .. لا أدري مالذي سحبنا الى الحديث عن الوضع في العراق قبل وبعد الاحتلال .. توقفت منذ فترة طويلة عن الحديث عن ذلك المكان الذي يدعى "الوطن" .. توقفت عن الدفاع والجدال في حقنا كعرب بالحصول على حكومات ديمقراطية .. لأنني أشكك الان بالديمقراطية ..وجدواها .. بل أني اكاد ان اكتب وجودها وعدمها .. امكانية تحقيقها .. لم تعد حلما بالنسبة لي تحدثنا عن أشخاص نحبهم فقدناهم بشكل مفاجىء .. تحدثنا عن الموت الذي نجوت منه .. عن الموت الذي خطف والده ..متعب هو الحديث عن الموت كان ينظر الى عيني مباشرة .. تساءلت لوهلة ايجب ان اتوقف الان عن الحديث ؟؟ لم يمضي على وفاة ابيه الا بضعة اشهر .. كنت أحس ..بل أكاد أرى جسرا يتشكل بيننا .. (كمكعبات الميكانو الملونة ) أحجار ملونة تتراكم واحدة فوق الاخرى .. أكاد اسمع صوت تشكيلها وتفكيكها غرقت عيناه بالدموع .. توقفت عن الحديث .. تساقطت الاحجار .....
2 . قررنا انا و صديقتي ان نقضي يوما جيدا و ممتعا أثناء تسكعنا .. رأيتها .. عرفتها جيدا .. ذاكرتي لن تخطئها .. كانت تتمشى بترف كعادتها .. تجنبتها ... تهربت من لقائها .. لطالما واجهت صعوبة في تقبل تصرفات أمثالها تنتمي الى هؤلاء الذين يدعون الثقافة والوعي .. الذين يعرفون الكتب من أغلفتها .. ويحتفظون بها في مكتباتهم ذات الخشب الجميل الراقي ..كجزء من الديكور والواجهة الثقافية للمنزل ..يحاولون تصنع الهم الذي لا يملكونه..اول من يدافع عن "الوطن" و أول من يبيعه ويهرب .. صادفتها مرة أخرى .. لا مفر من القاء التحية وفتح الحديث حول الغربة .. .. القيت عليها التحية .. أبدت إستغرابها من شكلي "الجديد" .. ارادت ان تشعل سيجارتها وتكمل الحديث معي .. لم أمانع .. وقد اتخذت موقف المتفرج .. "اشعلت السيجارة بدأت بالتحدث عن ذكرياتها الضائعة في بغداد الجميلة .. .. تحدثت عن حادثة إختطافها .. مأساتها .. عن الضياع الذي تحس به.. عن الدموع التي تذرفها كلما سمعت اسم "العراق" .. كانت ترمي الرماد على الارض النظيفة الصقيلة التي تعود ملكيتها الى البلد المضيف .. استغربت عدم اظهاري لاي نوع من التعاطف مع قصصها المأساوية .. قالت .. " خسارتنا كبيرة .. الوطن ضاع .. تخيلي .. اثرت الاوضاع السيئة هناك على كتاباتي .. اصبحت سوداوية جدا .. تابعيها على الانترنت .. ستلاحظين ذلك حتما " لم أجد ما اعلق به .. .. قالت : " انا ابكي بإستمرار" ..
أجبت : لقد توقفت عن البكاء منذ أن بلغت العاشرة .. لم يعد البكاء يجدي نفعا معي!
انهت السيجارة .. رمتها على الارض
(( اصبح الوطن الان موضوع رثاء لكل من هب ودب .. لا أريد أن أبخس عليها حقها في البكاء عليه .. لكني أستكثر على أمثالها .. كلمة وطن)) ... 3 .. واصلنا المشي .. فكرت بالاتصال به .. قلت لها .. سأتصل به ولن يرد على اتصالي .. نراهن على ذلك؟؟ قالت لم تتصلين به اذا ؟؟ قلت : لا أدري .. لانه صديقي..!! هو صديق عزيز جدا .. أحب الاحتفاظ به .. روحه تذكرني بمن فقدتهم هناك .. احب سماع صوته .. معرفة أخباره من فترة لأخر ىتبعث في نفسي السرور.. ..............
4..كان يوما ممتعا .. على الرغم من كل شيء .. ..في الطريق الى المنزل .. اقترح سائق التاكسي ان يفتح حوارا معي .. "لم يكن يعلم اني قد اعتزلت الحديث عن الاوطان والاوضاع السيئة .. والحالة الاقتصادية .. والكتابات السوداوية" كان يردد الكثير من الكلمات .. اكتفيت بقول "نعم" وعزل نفسي ومخيلتي في "اليوم الممتع " الذي حصلت عليه .. قال لي: ""شكلك مش عاوزه تتكلمي" !! أجبت مستغربة : ""نعم"؟؟!! قال : "مش مهم" .. مع نهاية الجملة قرر أن يبدأ معي جلسة تعذيب وعقاب على مافعلته.. استخدم "السلطة" المتاحة له ,رفع صوت جهاز التسجيل....أغاني شعبية لمغني مغمور ..يهدد ويتوعد (حبيبته) " انا الي نزلت الستارة .. انا الي قلت العبارة" !! اغاني اللحن الواحد طلبت منه متوسلة .. "ممكن توطي الصوت شويه" ؟؟! لم يرد ولم يقم باي فعل..استمر التعذيب .. الشوارع المزدحمة زادت من وطأة سياطه على أذني.. لم تفلح كل محاولاتي بالتمسك بمزاج جيد .. فشلت تماما ..استخدمت كافة تمارين التمثيل التي تعلمتها في سنوات دراستي التسع .. "العزل التام" .. " الذاكرة الانفعالية " التصق رأسي المثقل بالصداع ..بنافذة السيارة .. بكيت من الالم الذي بدأت اعانيه في اذني .. ظننت ان أذني بدأت تنزف وتصرخ الما ..ركزت نظري عليه .. بدا سعيدا جدا .. سعيدا ببربريته ووحشيته ..أرسلت رسالة الي صديقي وصديقتي اقول فيها .. "لا استطيع احتمال هذا السائق.. انه يثير اعصابي..." اتصلوا بي ظنا منهم اني تعرضت لاعتداء جسدي .. وطلبوا مني النزول بسرعة ..
طلبت منه التوقف .. تركت السيارة .. راكضة .. الدموع تملىء عيني .. وحل الغضب والحزن بدلا عن المزاج الجيد اللطيف .. .....
#رنا_كامل_مدحت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اوفيليا الصغيرة
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|