1
اليتيم
كان الطفل يلعب بالأحجار المهملة المرمي على قارعة الطريق، فلم يكن له ألعاب كالأطفال الآخرين رغم غنى والده الذي رحل عنه وتركه مع العدم. ترعرَع مع اللامبالاة والعيون الحاسدة والأفواه الجائعة، وذهب بعيدا عن البيت يبحث عن القلم والعقل والفكر. عاش عيشة الفقر والعوز، فكان يحلم بيوم يلبس فيه الثياب الجميلة النظيفة. يأكل الخبز في الفطور وينسى الغداء، ويأكل العشاء مطبوخا بيديه المرتجفتين الصغيرتين، وهو يفكر كيف يأتي الغد. كانت أخوته يهملونه، ووالدته تبكي على حالها أكثر مما كان المهاجر تأخذ من أفكارها.
1 يونيو 1994
2
البحث عن الحقيقة
هاجر إلى البُعد، وغاب عن الأنظار. وفي يوم ملبد بالغيوم الصيفية، وزخات المطر الشتوية، شعر بحاجته للجلوس في حلمه. فإذا بفارس على صهوة حصانه الأشهب، لابسا جبة بُنيّة، يقول له "إما الجنة وإما النار" ، ثم يغيب الفارس عن الأنظار إلى العُلى. نهض وسار على ركبتيه يبحث عن شئ ضائع لا يجده بعينيه، ويعجز أن يصفه بشفتيه، وقلبه يرى النور من داخله فشعر بحاجته إلى البكاء. ووجد بأن دموعه سقطت وهو يلتقط نبرات صوت معذب يؤثر في عقله، ودموعه لا تعرف الرحمة، وشعر بأنه بحاجة إلى أن يذهب إلى البحار العميقة ليغسل آثامه.
* * * * *
إستيقظتْ صديقته الصغيرة من نومها العسلي، والجمال البرئ يرقص على فستانها المخملي القصير وهي تمسح دموعه بدموعها، لكنها حائرة فيما تقول، وتسأله: بربك أخبرني أين كنتَ هذا الليل القارص الطويل؟ قال: إلتقيت بمَلَك من السماء وأنا في الأرض، والحيرة الذهنية في بحث عن الجلال. قالت: أنت أيها المسكين قد وجدتَ الصدق في الأحلام، ورأيتَ الشوق مع اليقظة في الليل ، والليل يُسَبِح للخالق، والناس نيام، وأنت تبحث عن الأمان. إذهب يا حبيبي واغتسل لتقرأ علينا سورة التوبة بصوت عال فالملِك الدّياّن يسمعك ، فكلنا نبحث عن الحقيقة، ويوما نسير إلى الذي أوجَدَنا، فمن تراب نحن وإلى تراب نغور، لننهض والحق يوزن الميزان بالقسط، ونحن ننشد الجِنانز ثم قَبّلَتهُ بشفتيها الباردتين الخائفتين، وغسلته بدمعة من صدرها العاري، وهي تنظر إلى السماء وكأنها في صلاة مع الملائكة تنشد الحياة بعد الحياة، ودموع الحب والحيرة تتساقط كأوراق شجرة المعرفة يوم تاب آدم فسقط من السماء إلى الأرض. والخير والشر يجتمعان، والإنسان بينهما مجتهد يعرف ولا يعرف. ورحمة الله وسعت كل شئ. أوبسالا 11 يونيو 1994