أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - امجد علي نيوف - الهجرة إلى المستقبل - 2















المزيد.....

الهجرة إلى المستقبل - 2


امجد علي نيوف

الحوار المتمدن-العدد: 663 - 2003 / 11 / 25 - 07:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تفترض عاصفة التغيير التي تجتاح المجتمع المعاصر جملة من الأسئلة من قبيل : ألا يوجد بعض الطرق أو الوسائل لشرح المشهد الغريب أو الغامض دون الاستعانة أو اللجوء إلى مفردات  ومفاهيم ونظريات التحليل النفسي  Psychoanalysis   أو الأفكار الضبابية للوجودية  Existentialism؟ . مجتمع جديد وغريب يثور أو ينفجر بوضوح في أوساطنا . ألا يوجد طريقة لفهمه ؟ لتحديد شكل تطوره ؟ كيف نستطيع أن نتوصل إلى تفاهم معه ؟ .
في حياتنا أشياء كثيرة مبهمة . إذا نظرنا إليها بطريقة متجردة قد لا نفهمها . ولكن إذا نظرنا نظرة شفافة  Fresh Look   إلى تسارع معدلات التغيير الذي تحدثه قد تبدو الحقيقة ظاهرة للعيان . ذلك مثل قطع الزجاج في " المشكال " ما إن تتغير أوضاعها حتى تعكس مجموعة لا نهاية لها من الأشكال الهندسية المختلفة الألوان . / شجرة الحبق تخرج رائحتها الركية عند تحريكها / .

لذلك ، إن تسارع التغيير ليس صدمة عنيفة تصيب الصناعة أو الدولة فحسب ، بل قوة مادية تصل إلى أعماق حياتنا الشخصية و تجبرنا  على القيام بدور جديد ، وتجابهنا بخطر جديد من القلق والمرض السيكولوجي . هذا المرض الجديد يمكن أن نطلق عليه " صدمة المستقبل " ، ومعرفة مصادر هذا المرض وأعراضه يساعدنا على شرح أشياء عدة تتحدى التحليلات المنطقية .
  صدمة الثقافة هي التأثير الذي تحمله معها الثقافة الغربية غير المتوقعة . صدمة الثقافة هي ما يحدث للمسافر عندما يجد نفسه فجأة في مكان حيث  نعم  قد تعني  لا  ، وحيث  السعر المحدد  يكون  قابلا للتفاوض  ، وحيث  الضحك  قد يعني  الغضب  .
  صدمة الثقافة هي ما يحدث عندما الأمزجة السيكولوجية  psychological Cues P  المألوفة ، التي تساعد الفرد ليؤدي وظيفته في المجتمع ، تصبح فجأة منطوية على ذاتها ، ويحل محلها أمزجة جديدة غريبة ومبهمة .
تأخذ ظاهرة صدمة الثقافة  بالحسبان الارتباك ، الخيبة والفشل ، الانحرافات التي تزعج الآخرين في تعاطيهم مع المجتمعات الأخرى . فصدمة الثقافة تسبب انحلالاً في تبادل الأفكار و الآراء أو المعلومات ، إساءة فهم أو الخطأ في قراءة الحقيقة . إنها انحراف ذهني يحدث نتيجة الوصول إلى المستقبل بوقت قبل أوانه . وقد يكون المرض الأكثر خطورة  في الغد .
القلق ، الُُعصاب ، العنف المتدفق بشكل حر ولا منطقي ، واضح في حياتنا المعاصرة ، وهي دلالات  ُمنذرة ، وتعطي فكرة سبقية لما سيجيء في المستقبل .
علاوة على ذلك ،  الملايين من الكائنات البشرية سوف تجد نفسها عاجزة عن معرفة هويتها الذاتية، و بشكل متزايد ، تفقد حسها بالمكان والزمان ، وتدريجيًا غير مؤهلةٍ للتعامل مع محيطاتها .
وبالتالي يمكننا القول بشكل عام : إن صدمة المستقبل / الثقافة هي ظاهرة زمنية Time Phenomenon  .  محصلة التسارع المتزايد لمعدل التغيير في المجتمع . إنها تنشا من تركيب/ وضع  ثقافة جديدة على أخرى قديمة
خذ أي شخص خارج ثقافته الخاصة وضعه فجأة في بيئة مختلفة :  تصورات مختلفة للزمن ، للحب ، للعمل ، للجنس ........ الخ .
عندها ُسيقضى على أي أمل لديه باللجوء إلى حالة اجتماعية مألوفة لديه بشكل اكبر ، ثم إن الاضطراب والتشّوش الذي يعاني منه سيكون خطيرًا على نحو مضاعف .
بالإضافة إلى ذلك ، إذا كانت هذه الثقافة الجديدة هي نفسها في حالة اضطراب متواصل ، أو إذا كانت مدلولاتها متغيرة باستمرار ، فان الوضع سيكون أكثر كارثية .
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو : هل كل هذا مُبالغ فيه ؟ لا اعتقد ذلك . فقد أصبح لدينا " كليشة Cliché للقول بأننا نعيش الثورة الصناعية الثانية Second Industrial Revolution .
ويرى البعض أن هذا التعبير مفروض ليطبع في ذهننا سرعة وعمق التفكير بالتغيير الذي يجري من حولنا . فهو أيضا بالإضافة لكونه مبتذلاً ، فهو تعبير يحمل في ثناياه التضليل والخداع .
والآن ما الذي سيكون على الأرجح ، اكبر ، أعمق ، أكثر أهمية ، من الثورة الصناعية ؟ . في الواقع ، هنالك جملة آراء تؤكد على أن اللحظة الراهنة  تعلن عن لا شيء ، على الأقل ، بالمقارنة مع التحول الأول في التاريخ  الإنساني المتواصل وهو الانتقال من الهمجية Barbarism إلى الحضارة Civilization  . وهذه الفكرة تبرز على نحوٍ غير متوقع ، وبشكل متكرر ، في كتابات العلماء والتكنولوجيين .
٭ السيد جورج طومسون George Thomson ، الفيزيائي البريطاني ، والحائز على " جائزة نوبل " يرى أن النظير التاريخي الأقرب باليوم هو ليس الثورة الصناعية ، بل اكتشاف الزراعة في العصر الحجري الحديث .
٭ السيد جون د ييبولد John Diebold  ، خبير الأتمتة الأمريكي ، ينبه إلى أن تأثيرات الثورة التكنولوجية التي نعيشها الآن سوف تكون أعمق من أي تغيير اجتماعي قد عرفناه وخبرناه من قبل .              

 

٭ السيد ليون باكريت Leon Bagrit ، مصّنع لأجهزة الحاسبات الالكترونية ، يصر إصرارًا شديداً على أن الأتمتة بحد ذاتها هي التغيير الأعظم في تاريخ الجنس البشري كله .
ليسوا  و حدهم من العلماء والتكنولوجيين أصحاب هذه الآراء . فالسيد هر برت ريد Herbert Read  ، فيلسوف الفن ، يقول : " إننا نعيش ثورةً ، ثورةً جوهريةً إلى درجة انه يجب ، من اجل المقارنة ، أن نستقصي قرون ماضية عدة . ربما التغيير القابل للمقارنة هو الذي حدث بين العصرين الحجريين القديم والحديث . "
عندما نفكر بالحرب في فيتنام ، أفغانستان ، العراق ، بناء سور الصين العظيم ، عندما نفكر بحوادث الماضي كلها نجد أهميتها الخاصة ، ومنعكسها على الحاضر . لكن هذا ليس صحيحاً بشكل دائم ، بل في معظم الأحيان .
وذلك على اعتبار أن التاريخ يلحق بنا ، وهنا المفارقة الكبيرة . فهذه المفارقة تؤكد على القطيعة مع الماضي .
ولكن يمكن القول بصورة عامة أن التغيير متبدّل بشكل جوهري . وهو يمتلك سلطة النفاذ والانتشار عبر الزمان والمكان .
لكن الاختلاف النوعي والحاسم بين هذا وحياة المرء الماضية من أكثر الأشياء سهولةً لملاحظتها . لهذا لن نقيم مدى ومقياس درجة التغيير فحسب ، بل سرعته الجوهرية .
لدينا في الحياة المعاصرة تيار متدفق من التغيير . تغيير ازدادت سرعته حتى انه يؤثر على إحساسنا بالزمن ويثوّر Revolutionize حياتنا اليومية ، كما أن تأثيراته بالعالم من حولنا تشق طريقها إلينا بسرعة هائلة .
لسنا أكثر إحساسا بالحياة من الذين عاشوا في الماضي . وهذا الاختلاف الأساسي / الإحساس بالحياة / يميز بدقة الانسان المعاصر عن الآخرين . لهذا إن تسارع التغيير يترّبص بالمؤقتيّة / اللا دوامية Impermanence ثم يتغلغل في وعينا وشعورنا . تأثيره الجوهري يتصل بعلاقاتنا بالآخرين ، بالأشياء ، بعالم الأفكار ، بالفن ، بالقيم .
لفهم ماذا يحدث لنا عندما ننتقل إلى عصر ما فوق الصناعي Supper Industrialism ، يجب أن نحلل عمليات التسارع ونقارنها بمفهوم ما وراء العلم Transcience . إذا كان التسارع ، تسارع التغيير ، عبارة عن قوة اجتماعية جديدة ، فان مفهوم " ما وراء العلم " سيكون له نظير سيكولوجي ، وبدون فهم الدور الذي يلعبه هذا المفهوم في سلوك الانسان المعاصر ، فان جميع نظرياتنا السيكولوجية ، الذاتية ، يجب أن تبقى متخلفة عن ما هو معاصر . مفهوم " السيكولوجي " بدون مفهوم " ما وراء العلم " لا يستطيع أن يأخذ بالحسبان على وجه الضبط الظواهر المعاصرة على نحو مميز .
عند ازدياد التوسع في مدى التغيير بشكل صارخ ، ثم ازدياد تسارع هذا التوسع ، نكون قد قطعنا الصلة مع الماضي . ثم عزلنا أنفسنا عن وسائل التفكير القديمة ، الإحساس ، التكيف . وهذا يتطلب كله أن نهيىء المرحلة من اجل مجتمع جديد . ويبقى السؤال المطروح هنا : هل هذا يبدي ارتياباً في قدرة الانسان على التكيف ، وكيف سيصير حاله في هذا المجتمع الجديد ؟ هل يستطيع أن يتكيف مع حاجاته وضروراته ؟ وإذا لم يستطع ، أيستطيع أن يبدل من هذه الحاجات والضرورات ؟
قبل حتى محاولة الإجابة على مثل هكذا أسئلة ، يجب أن نركز على القوة المزدوجة " التسارع / ما وراء العلم " ثم يجب أن نتعلم كيف يتبدل الوجود ، حياتنا الداخلية التي تتعرض إلى أشياء غير مألوفة . ثم اخيراً يجب أن نفهم كيف ، ولماذا يواجهوننا ، ومن اللحظة الأولى ، بصدمة المستقبل ؟



#امجد_علي_نيوف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سوريا.. نفل سفيري دمشق في السعودية وروسيا إلى -الإدارة المرك ...
- طبيبة: أمعاء الإنسان تمتص الحديد من المصادر الحيوانية بسهولة ...
- دراسة أمريكية: السمنة ترتبط بـ16 مرضا مزمنا
- إسرائيل تبرر قتل 15 مسعفا في رفح بـ-الشعور بالتهديد-
- -تايمز أوف إسرائيل-: نتنياهو يغادر واشنطن بخيبة أمل
- ترامب لأردوغان: لقد فعلت ما عجز عنه الآخرون على مدى ألفي عام ...
- العلماء الروس يعتزمون إنشاء نموذج رقمي يحاكي -معبد المرجان- ...
- طريقة بسيطة للسفر عبر الزمن!
- العلماء يؤكدون إمكانية تصنيع ألواح شمسية من الغبار القمري
- أطعمة على العشاء تسرّع خسارة الوزن وحرق الدهون


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - امجد علي نيوف - الهجرة إلى المستقبل - 2